أشهر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ورقة التعديلات الدستورية لعرقلة إغلاق الأحزاب بالطرق القضائية، وذلك للخروج من مأزق محاولات حظره وملاحقة كوادره بمن فيهم الرئيس الحالي للبلاد عبد الله غول ورئيس الوزراء أردوغان بتهمة ممارسة نشاطات تتعارض مع العلمانية. وجاء القرار بعد أن قبلت المحكمة الدستورية دراسة الدعوى التي رفعها رئيس الإدعاء الجمهوري بمحكمة الاستئناف بهذا الخصوص. وأكد نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم نهاد ارجون الثلاثاء إن "هناك ضرورة ملحة الآن لإدخال تعديلات دستورية خاصة على المادتين 68 و69 المتعلقتين بإغلاق الأحزاب السياسية". وأوضح أرجون أن الهدف هو التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب السياسية فى البرلمان بخصوص هذه التعديلات، مشيرا إلى أنه يمكن اللجوء إلى خيار الاستفتاء الشعبي على التعديلات بعد موافقة البرلمان عليها.. وبحسب ما أوردت الصحف التركية الصادرة الثلاثاء، فإن اللجنة المركزية للحزب قد شرعت في مناقشة طرح التعديلات الدستورية، وأنها ستقرر ما إذا كان سيتم طرح تعديلات محدودة تخص إغلاق الأحزاب، أم تعديلات واسعة تتعلق بالديمقراطية ككل.. وقد أكد رئيس الوزراء أردوغان أن حزبه لن يتعامل مع هذه القضية على أنها قضية فردية وأن حزبه سيظل على تمسكه بدور القانون والديمقراطية، محذرا فى كلمة أمام اجتماع الكتلة البرلمانية من أن الجهود المبذولة لإضعاف النظام السياسي فى البلاد ستلحق الضرر بتركيا وشعبها. وبينما أعلنت أبرز الأحزاب المعارضة "حزب الشعب الجمهوري" رفضها المسبق لإدخال أي تعديل دستوري يحد من سلطة الإدعاء العام والمحكمة الدستورية فى إغلاق الأحزاب السياسية، أبدت أخرى "حزب الشعب والديموقراطي الموالي للأكراد" تأييدها للتعديلات التي تتضمن منع إغلاق الأحزاب بشكل عام.. ويستحوذ الحزب الأخير على 20 مقعدا من أصل 550 تشكل مقاعد البرلمان. وبدوره أكد حزب الحركة القومية التركي المعارض رفضه مبدأ إغلاق الأحزاب السياسية، ولكنه أبدى تأييده على لسان رئيسه "دولت بهشلى" بمبدأ محاسبة أعضاء الحزب والمسؤولين بسبب أنشطتهم المناهضة للعلمانية، في تأكيد على موافقته على محاسبة الرئيس ورفاقه السابقين في الحزب الحاكم.. وقد أعلن الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا إلى الانضمام إليه رفضه لغلق حزب العدالة والتمنية، حيث دعت المفوضية الأوروبية القضاء التركي إلى الأخذ في الاعتبار "مصلحة البلاد على المدى الطويل لتصبح دولة ديمقراطية أوروبية تحترم كافة المبادئ الديمقراطية". في حين حذر المسؤول عن توسيع الاتحاد الأوروبي، أُولي رين من أن الاتحاد سيقطع علاقاته مع تركيا إذا تم إغلاق الحزب الحاكم في هذا البلد، مشيرا إلى أن الأساس الوحيد للنظر في حظر حزب سياسي هو ممارسة العنف أو التحريض عليه أو السعي عبر العنف إلى الإطاحة بنظام ديمقراطي. وقد هيمنت هذه القضية على لقاء وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي في سلوفينيا مؤخرا، حيث ناقش المجتمعون تأثير دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية على علاقات تركيا بالاتحاد الأوربي.. وتجدر الإشارة إلى أن حزب رجب طيب أردوغان ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2002 نجح في كسب رضى الغرب بفعل السياسة التي ينتهجها سياسيا واقتصاديا، بالإضافة إلى أنه أثبت كيف يحافظ على موقع تركيا داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو".. وتدخل المواجهة بين حزب العدالة والتنمية والنخبة العلمانية القوية التي تضم جنرالات الجيش ضمن سلسلة المواجهات المستمرة منذ 2002. فبعدما ظن الحزب الحاكم أنه أرسى وجوده في الحياة السياسية التركية بعد سيطرته على المؤسسات الثلاث "الرئاسة والبرلمان والحكومة"، فوجئ بأن العلمانيين مازالوا يحفرون له ويترصدون كل ممارساته بغرض الإيقاع به ليكون مصيره نفس مصير الأحزاب الإسلامية التي تم حظرها للأسباب ذاتها. مع العلم أن حوالي عشرين حزبا تم حظرها منذ الستينات في تركيا سواء بسبب انتماءات إسلامية أو القيام بأنشطة كردية انفصالية. وبدأت متاعب حزب أردوغان منذ شهر فيفري الماضي عندما قرر بموجب إصلاح دستوري تقدم به إلى البرلمان رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات، بالإضافة إلى قرارات أخرى تتعلق بمنع الكحول في بعض الأحياء والاستعانة برجال دين لحل المشاكل الاجتماعية، حيث أثارت تلك الإجراءات حفيظة العلمانيين الذين اعتبروا أنها ربما تكون بداية لتغيير الوجه العلماني للدولة التركية "الإسلامية".. وعلى اثر ذلك قام المدعي العام في محكمة التمييز، عبد الرحمن يلتشينكايا برفع دعوى قضائية ضد الحزب الحاكم تطالب بحله وبمنع 71 من كوادره، بينهم غول وأردوغان، من ممارسة العمل السياسي لمدة خمسة أعوام. وتضمنت الدعوى التي جاءت في 162 صفحة لائحة طويلة من التهم أبرزها أن الحزب أصبح "بؤرة أنشطة تتعارض والعلمانية..". وبدورها قبلت المحكمة الدستورية في جلسة لها الاثنين الدعوى بإجماع القضاة ال 11 الأعضاء فيها. ورغم أن المحكمة استبعدت الفقرة الخاصة بتجميد نشاط الرئيس عبد الله غول، إلا أنها تركت الباب مفتوحا لإمكانية محاكمته على تصرفاته قبل أن يتولى منصب الرئاسة، علما أن خضوع رئيس الجمهورية في تركيا للمحاكمة لا يكون إلا في حالة الخيانة العظمى، غير أن القرار النهائي للمحكمة الدستورية حول قضية الحزب الحاكم سيكون مرهونا بما سيقدم لها من أدلة من طرف حزب العدالة والتنمية. ومن المرجح أن تستمر القضية لعدة أشهر.