ما الذي يجعل أو يحرّض الطبقة السياسية على العودة إلى خطاب الترهيب وإثارة القلق؟ ولماذا كلّ هذا القلق؟ ولماذا التحذير من الانزلاقات والانحرافات؟ ولماذا يلتقي أغلب السياسيين، سواء كانوا في الموالاة أم في المعارضة، عند محور التحذير من "مخاطر" يوم الانتخابات أو بعدها؟ هناك حلقة مفقودة، في كلّ الذي يحدث من شحن وضخّ، يعتقد العقلاء والحكماء والشرفاء، في هذا البلد الآمن، أن أمن واستقرار الجزائر خط أحمر وأسود وأزرق وبنفسجي، وبكلّ ألوان قوس قزح، لا يحقّ لأيّ كان أن يتجاوزه، ففي ذلك لعب بالنار! لقد غابت الحكمة وصوت العقل والنصيحة والتنازل والتفاوض بالتي هي أحسن، بما يخدم الجزائريين في هذه المرحلة الحرجة، ولم يعد الرأي العام، في الغالب، يتلقّف سوى خطاب التخويف والتسويف، وفي ذلك إنتاج لهلع وقلاقل، يتفق الجزائريون على رفض عودتهما! نعم، السياسة هي فن المُمكن والكذب، لكن أن تتحوّل إلى فنّ للتأليب، سواء من هؤلاء أم أولئك، وطريق محفوف بالمخاطر، فهذا لن يخدم إلاّ أعداء الجزائر والمتربّصين بها وبأمنها واستقرارها ووحدة شعبها وسيادة قراراتها ومواقفها الخالدة التي كثيرا ما بُنيت على أساس النيف والكبرياء. "... ما ينفع غير الصحّ"، ولذلك المطلوب هدوء وتهدئة والابتعاد عن إشعال أعواد الكبريت، وصبّ البنزين على النار، وهي السبيل التي تنفع ولا تضرّ، وليتنافس بعدها المتنافسون عبر الصندوق على الإرادة الشعبية، بعيدا عن منطق "أنا أو الفوضى"، أو عقلية "نلعب وإلاّ نخسّر"! لقد سمع المواطنون مثل المتابعين الخطاب الساخن للمترشحين وممثليهم، وحتى إن كانت الحملات الانتخابية في كل بلدان المعمورة، تفتح أبوابها ونوافذها لكلّ الأقوال والأفعال، إلاّ أن المطلوب والمرغوب، هو احترام الأخلاق العامة والتقيّد بالقانون والاحتكام إلى الضمير، كمنعرج حتى وإن كان خطيرا، فإنه لا يُمكنه أن يعرّض "السائق" إلى خطر داهم! السائق المحترف والمخضرم، هو الذي يعرف أين يُفرمل المركبة، ومتى يستعمل مكابح الأرجل وفرامل اليد، ويُتقن جيّدا الموقع الذي يتجاوز فيه "سيارة ملعونة" ويتفادى الاصطدام أو الانزلاق عند الزخات الأولى من مطر مفاجئ وغير محسوب! الجزائريون كرهوا من النقاشات البزنطية، وملّوا من التنظر و"البلابلة" والبلبلة، و"الفستي" والوعود التي لن تتحقّق إلا إذا ظهر يأجوج ومأجوج، وكرهوا أيضا التنابز والتبارز غير النظيف، ومنطق "اضرب واهرب"، وكلها لا تسمن ولا تغني الجزائريين من جوع!
لن يستفيد أحد من العودة إلى نقطة الصفر، ولهذا، يصبح "التنازل" والتفاهم والترفّع، أقصر وأضمن طريق، لتبديد الاحتقان والريبة. فيا أيها المتخاصمون والفرقاء.. اسمعوا وعوا!