والدة الانتحاري: كمال لم يكن متدينا لكن سلك طريق خاله! "مادام اختار طريق الجبل فلا أريده بين اخوانه، رغم هذا ما من أحد قادته السعادة إلى الجبل، وما من أمّ تبعث فلذة كبدها إلى هناك"، تقولها والدة الانتحاري كمال موهون، البالغ من العمر 30 سنة، وهي في حيرة من أمرها، وأفكارها مشوشة بشأن صغيرها الذي لايزال مفقودا بالنسبة لها. فهي لم تسمع الخبر بعد. كمال موهون من مواليد 1978 بقرية أغفير بمنطقة القبائل، حيث التحق بالجبل في أوت 1998 وانقطع عن عائلته منذ ذلك الحين. عاش وسط عائلة بدوية تتكون من الأب والأم و10 إخوة (5 ذكور و5 إناث)، يعيشون في منزل ريفي وسط مزرعة ورثوها عن الاجداد مع باقي أبناء عمهم، حيث ترك مقاعد الدراسة في السنة التاسعة أساسي، على غرار الأخ الاكبر رشيد الذي أنهى دراسته في السنة السابعة، وباقي اخوانه وأخواته في السنة السادسة، اذ لم يزاولوا الدراسة لبُعد المدرسة، ونقص الامكانيات ووسائل التنقل للدراسة في دلس. كان يعيش حياة عائلية هنيئة. كانت الساعة تشير الى الخامسة والنصف مساء من عشية يوم الخميس لما وصلنا الى مدينة دلس، وكان الطريق موحشا ولا حركة فيه، حتى المحلات كانت تغلق أبوابها مع غروب الشمس، اذ صادفنا أفراد فرقة الدرك الوطني لدلس الذين نصحونا بالعودة لأن الطريق الى "أعفير" جد خطير، ما اضطرنا لنعود أدراجنا. عدنا في اليوم الموالي عبر نفس الطريق حيث وصلنا الى بلدية أعفير التي تقع على بعد 17 كلم عن مدينة دلس وكانت العائلة التي نبحث عنها معروفة في القرية، فما إن سألنا شابين صادفانا في الطريق عن منزل عائلة موهون حتى دلانا مباشرة وبكل سهولة بعدما أخبرناهما أننا من العائلة. طرقنا باب المنزل الذي يقع في منطقة جبلية وسط غابة من الاشجار، لكن لما لم يجب أحد، فتحنا الباب وغامرنا بالدخول ليواجهنا رشيد الأخ الذي يكبر كمال، اعتذرنا عن فتح الباب وطلبنا الإذن بالدخول، فأجابنا بكل لباقة "نعم تفضلوا مرحبا بكم، من انتم؟". استغربنا لطريقة تعامله معنا، وشككنا انه لم يعلم بعد بما حل بشقيقه كمال، أجبناه بتردد: نحن من الصحافة. تبسم وقال نعم نحن في الخدمة. أجبناه باللهجة القبائلية وقلنا نود التحدث الى أفراد العائلة، اذا لم يكن لديكم مانع. أجاب مبتسما، "نعم تفضلوا"، استغربنا بشدة من رد فعله. سألته: هل أنت أخوه، أجاب: أخ من؟ وهنا تأكدنا ان الخبر لم يردهم بعد. قادنا رشيد الى أسفل المنزل وتوجهنا الى الوالد والوالدة اللذين استقبلانا في ساحة المنزل التي هي عبارة عن مساحة خضراء وسط الغابة "لا زرب ولا حدود عليها"، سألنا الوالدة هل هذا هو منزلكم: أجابت، نعم، لكن بالاشتراك مع أبناء العم، فهذا إرث الأجداد. والدة الانتحاري: كان يعيش حياة عائلية هنيئة طلبنا من أفراد العائلة ان يكلمونا عن كمال على اساس انه مفقود، وأخذت الأم تحدثنا بحسرة شديدة عن فلذة كبدها الذي فارقها وهو صغير ولم يسأل عنها منذ 10 سنوات، اذ يقول الاب: لقد التحق كمال بالجبل في أوت 1998 حيث سلك طريق خاله ابراهيم بن عود الذي مات في الجبل هو الآخر، بعدما ذهب الى أخواله في منطقة بن شود وعمره لا يتجاوز 17 سنة للعمل هناك كفلاح، حيث اشتغل سنتين ونصف سنة، ليختفي بعدها. وهنا يقول الاب "في 9 أوت 1998 اضطررت الى إبلاغ عناصر الدرك الوطني عن اختفاء ابني الذي لما أنهى عمله كان من المفروض أن يتجه الى منزله لرؤية والديه الا انه لم يفعل. لكن أفراد الدرك طلبوا منه التريث، فمن الممكن ان يكون عند العائلة، لكنه لم يظهر له أثر واضطر الاب لإعادة إبلاغ الامن عن غيابه، لكن دون جدوى، فلا أثر لكمال. وخلال فترة الغياب وردت العائلة أخبار ان كمال في السجن، وبعدها أكد بعض من شباب القرية انه التحق بالجبل، وبحثت العائلة عنه، اذ تقول الام انه لم يؤد الخدمة الوطنية، ومادام اختار طريق الجبل فأنا أتبرأ منه ولا أريده ان يلحق الأذى بأفراد عائلته. كما حدثونا عن التحاليل التي أجروها يوم الاربعاء ليلا، لا أحد تجرأ على إخبارهم، ما جعل الام تحتار وتستحلفنا ان نزودها بأي أخبار جديدة قد نسمعها عن ابنها كمال، لكننا فضلنا الانسحاب دون ان نطلعها على الحقيقة، خاصة أمام نظراتها التي كانت تخفي حسرة كبيرة عن مصير ابنها. أما الاخ رشيد الذي تيقن لما حصل في اخر لحظة، فقد بقي مصدوما. روبورتاج: ريم. أ