من الممكن أن يتفق الناس على قضايا جوهرية أو ثانوية، لكن من الصعب أن يحافظوا على اتفاقهم أمام التفاصيل والأفهام المختلفة والرغبات الأنانية.. ومن الممكن أن يتواضع الناس على رؤية لمستقبل، ولكن من الصعب أن يواصلوا الطريق متحدين.. من هنا يصبح الحرص على الوحدة عملية نضالية تحتاج بذل الجهد الروحي والمعنوي إلى أقصى ما يمكن، لأن الخلل في ميدان الوحدة أخطر أنواع الخلل الذي يصيب الجماعات والمجتمعات. ما يجري في قطاع غزة هذه الأيام القليلة أمر محزن حقا.. فبعد أن أفرح الفلسطينيون قلوبنا بأخبار شعرنا أنها تنهض بنا من قاع الألم، إذا بهم يربكون أعصابنا ويثيرون فينا الأرق والقلق.. كيف لا وفلسطين هي العصب المركزي لجسد الأمة المدمى.. ما يجري في قطاع غزة من محاصرة شرطة حركة المقاومة الإسلامية حماس للبنوك ومنع الموظفين من استلام مرتباتهم أمر غير مفهوم وغير مقبول.. هل يمكن تفهم هذا الموقف العنيف وغير الأخلاقي تجاه أسر، يضربها الفقر والحاجة بقسوة، بمنعهم من استلام دريهمات تسد بعض دينهم وبعض رمقهم، وذلك بحجة أن موظفي حماس لم يتسلموا مبالغهم من الحكومة. بعيدا عن كل التفصيلات التي يعرفها قادة حماس وقادة فتح، هل يحق لأحد أن يحرم ناسا من حقهم وأن يتمترس خلف جوعهم ليطالب بأموال لها جهات معينة تميزها وتراجعها حسب الاتفاق..؟ بعيدا عن كل التفصيلات، هل يجوز أن تتحول غزة، بعد كل الذي أصابها من حصار وفقر ومرض، إلى حالة من فوضى السلاح ومظاهر العصابات؟ في رام الله يقف الدكتور الحمدلله مؤكدا التزام حكومته بحل كل القضيا ضمن إجراءات قانونية وإدارية وأن الرئيس أبومازن اتخذ من القرارات ما يخول الجهات ذات الاختصاص بصرف الرواتب بعد مراجعة الكشوف من لدن اللجنة الإدارية القانونية في غزة.. فالأمر محلول من حيث المبدأ ويمكن الانتظار شهرا أو اقل لتسوية الوضعية ولدى حماس القدرة على استيعاب الموقف.. أما أن تدفع بشرطتها إلى ترويع الموظفين وتحويل غزة إلى بؤر توتر والضغط على حكومة الوحدة بمنع الموظفين من استلام الرواتب فإن هذا لا يمكن تصنيفه تحت أي عنوان إلا عدم المسؤولية وفقدان روح الصبر.. وللأسف جاءت تصرحات لرجال كانوا يعتبرون شخصيات كبيرة على المستوى الوطني وإذا بها تكيل الاتهامات والسباب والطعن وكأن شهر العسل بينهم أصبح في خبر كان. إن الوحدة قاعدة ارتكاز أساسية ولكن الأهم منها هو كيفية الحفاظ عليها.. وما لم يقتنع كل طرف بأنه مضطر إلى التنازل عن بعض حقه الفردي مقابل إنجاز الحقوق الكبري للشعب والقضية.. وما لم يتحلّ الناس بأخلاق الرجال أصحاب القضايا الكبرى ويتمترسون خلف المباديء العليا والتي تقف الوحدة الوطنية على رأسها.. ما لم يتحقق ذلك فإن الحبر على الورق لن يفيد شيئا.. تولانا الله برحمته.