صار من الممتع أن يستمع المشاهد الجزائري لإحدى تصريحات رجال السياسة في بلادنا، ليس فرحا بما سيقولونه بل انتظارا للنكت التي سيطلقونها من خلال أخطائهم الرهيبة في حق لغة الضاد، فمن يزيد زرهوني إلى حميد تمار، يمتد أنين إبن منظور من تحت الثرى إلى عنان السماء. والسبب يكمن في تكوين أغلب الوزراء باللغة الفرنسية وعدم تلقيهم تعليما موازيا في اللغة العربية التي هي لغة الدولة الرسمية. ومن هنا كان بمقدور أبسط متعلم بالعربية أن تختنق روحه ضحكا إذا ما استمع إلى تصريحات وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين يزيد زرهوني، حتى وإن كان معقّبا على تفجيرات وقتلى وضحايا. وتبدو على الوزير علامات الارتباك كلما كان معنيا بالتصريح، خاصة في مواعيد الانتخابات، حيث يحضر الندوة الصحافية رجال إعلام عرب فيكون ملزما أمامهم بقراءة النتائج باللغة العربية الفصيحة، ولا تنقذه اللهجة العامية من المأزق لأنها في كل الحالات غير مفهومة لدى المشرقيين وهي غير ذات دلالة للجزائريين أنفسهم، حيث يخلط الوزير بينها وبين اللغة العريبة معتقدا أنهما يؤديان نفس الغرض، وتتبعثر الحروف على شفتيه كلما صعد إلى منصة ينتظره فيها ممثلو الصحافة الوطنية والدولية. وكانت آخر هفواته المضحكة تلك التي زرعها بعمق الصحراء ببلدية عين صالح بتمنراست حيث اللسان العربي المبين، فنقلت عنه مفردة »الأمئات« قاصدا بها »الأمهات« و»الوفئات« طلبا لكلمة »وفيات«. والأكثر من ذلك، فهو لا يحسن التعبير عن التكنولوجيات الاتصال الحديثة، إذ عبّر عن الهاتف النقال ب»الهاتف الناقل« كأن الوزير يعاني من مشكلة حفظ أسماء معينة لهاته الوسائل في مخيلته ليخيب احتفاظه أيضا بالمصطلحات المرتبطة بالوسائل القديمة كأن يقول »الهاتف العادي« بدلا من »الهاتف الثابت«... وهفواته أحيانا تخرج من مجرد تخطي الكلمة الصحيحة والقفز بها إلى مصطلح غير موجود إلى الأسوإ من ذلك بأن يغوص في المعاني التي لا محل لها من المقام مطلقا؛ ويضع الفتحة على شين كلمة »مباشرة« لأنه لا يعلم ما يمكن أن تحدثه الحركات والنقاط من كوارث في المعاني إن وضعت بغير موضعها، لأنه لا يقابلها تدقيق مماثل في اللغة الفرنسية. ولم ينتبه ذات الوزير لخطئه في نطق كلمة نسبة المشاركة في عرضه لنتائج المحليات السابقة، إذ قضى كل الندوة وهو يعبّر على هذا المصطلح بكلمة »نسبيّة« ولا يدري أن الأمر يتعلق بأنشتاين وليس بالمجالس البلدية للجزائر. ومن أجل كل هذا كان زرهوني »المتضرر« رقم واحد في استعمال اللغة العربية في مجلس الحكومة الجزائري، وهو يعلم ذلك جيدا، لكن تقدم سنّه منعه من التفرغ لدراسة اللغة العربية أو إحراز كلمات مضبوطة من معرّبين مقرّبين منه، لأن زمن التعلم قد فاته ولا يملك حيلة تخفي على الرسميين والناس كافة أنه لايجيد لغة وطنه. طمار يجهل رد التحية وشكيب يتعلم العربية من زوجته المشرقية ويليه على التوالي وزير المساهمة وترقية المؤسسات، عبد الحميد طمار، المعروف بضعفه في اللغة العربية، كونه تعلم باللغة الانجليزية. ويؤكّد المقربون منه والمحتكّون به أنه إن ألقيت عليه التحية باللغة العربية يجهل ردّها، فما بالك بخير منها! ويستعين في تصريحاته بالعامية وشيء من الفرنسية، أما العربية فهي البحر الذي لا تنصُب فيه صنارته وإن كانت فيها درر الدنيا كلها. وزير الطاقة والمناجم، الدكتور المهندس شكيب خليل، الذي تخطى اللغة العربية طيلة فترة تكوينه وقفز إلى لغات العالم الكلاسيكية منها والتكنولوجية وحتى التي لا يتقنها إلا قلّة من الناس في العالم وهي البرتغالية والإسبانية، معذور مقارنة برفقائه في جهله بالعربية، لكنه استطاع في الفترة الأخيرة أن يجبر نفسه على النطق بها في ظل التعاون الجزائري مع دول المشرق العربي. وإذا علمنا أن زوج سيادة الوزير من بنات المشرق فلا غرابة أن يكتسب منها جماليات عروس اللغات، خاصة وأن المشرقيين أكثر غيرة على لغة الضاد منّا، وإذا أضفنا إليها غيرة الزوجة على عجز زوجها الوزير على الإدلاء بتصريح فصيح، نحصل على اللغة الحديثة لشكيب خليل أمام وسائل الإعلام الوطنية. أما الوزير أبوبكر بن بوزيد المعتلي لكرسي وزارة التربية والتعليم، التي تفرض التدريس باللغة العربية وتمنح المعامل الأكبر لها في أغلب الاختصاصات، فيكتفي ب»سَكِّنْ تَسْلَمْ« حتى لا يقع في فضيحة إعرابية احتراما لكافة عمال التربية والتعليم المعربين في جزئهم الأكبر. والغريب أن الوزير لا يتمتع بالحمية التي كان يحوز عليها سابقه في الوزارة، علي بن محمد، الذي كان من أشد المدافعين عن اللغة العربية. بلخادم، أبوجرة وجاب الله... معرّبون حتى النخاع وبخلاف الذين عرفناهم من الوزراء الصغار أمام عظمة العربية، نجد الوزراء المتمكنين من ناصية العربية إلى حد كبير، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم الذي تغلغلت فيه العربية فهو يمارس من خلالها السياسة بكل أبعادها ولا يجد حرجا في استخدام الفرنسية، لولا لهجته الأغواطية التي تنطبع عليها لظن ّالمستمعون إليه أنه أجنبي المولد والنشأة، للراحة التي تبدو عليه وهو يلهج بلغة النابوليين. وعلى شاكلته يأتي أبوجرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم، الذي تغلغلت العربية في حلقه ومارس بها الخطابة والتعليم والإعلام والسياسة على حد سواء طيلة مشواره المهني. أما عبد الله جاب الله، فاتح ربيعي وجهيد يونسي فلا إشكال لهم مع العربية مطلقا، بحكم تيارهم الإسلامي وتكوينهم المعرّب، أما فرنسيتهم فتحتاج للجراحة والتنقيح. وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة أمام جمهور الصحافة الوطنية منذ أشهر تلقى تعليما عربيا وفرنسيا معا أعيقت فيه الفرنسية لدى دخوله إلى مجلة الوحدة واضمحلت في انضمامه لمجموعة المدافعين عن اللغة العربية في أواخر السبعينيات إلى أوائل الثمانينيات مما جعله يصرح بها بحكم منصبه الحالي بصعوبة تظهر في قصر جمله واختصار إجابته للمتحدثين بها، لكنها تؤدي الغرض المطلوب مثلما تؤديه العربية بكل براعة في لقاءاته مع زملائه الإعلاميين كل ثلاثاء. وعلى طول الطريق السياّر شرق غرب، حافظ عمار غول على توازن الأحرف العربية والفرنسية في تصريحاته، فيكلمك بعربية فصيحة إن كان قلمك يخط من اليمين إلى اليسار ويستعرض عليك إتقانه للفرنسية الكلاسيكية إن كان العكس، مبتعدا عن التكلف والابتذال في كلتا الحالتين، بالرغم من أنه تلقى تعليمه باللغة الفرنسية إلا أنه كان عصاميا في الاقتراب من العربية والتمكّن من فصاحتها بتمرين لسانه على حركاتها وسكناتها. والملاحظ أن الوزراء المعرّبين قد بذلوا جهودا لتحصيل الفرنسية لارتباطها التاريخي بالإدارة الجزائرية، لكن العكس لم يحدث إلا مع قلة من الفرنكوفونيين، فكما أن جهل الفرنسية عيب من عيوب المعرّبين، فإن جهل العربية نقيصة كبرى عند نظرائهم، لأن العربية لغة هي اللغة الرسمية لكل الجزائريين. العاميّة المخرج السليم للوزراء الأطبّاء بوجمعة هيشور يتململ بالعربية أحيانا والفرنسية أحيانا أخرى ليظهر تمكّنه من اللسانين نظرا لحقيبته الحكومية المعنونة بالبريد والاتصال والتي تستلزم استعمال المصطلحات المتطابقة مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، كأنه بذلك يجر إلى مجد الفرنسية جرا في ظل تيهانه بين العربية والعامية في معظم تصريحاته. أما السعيد بركات، وزير الفلاحة، فلا الفرنسية ولا العربية أوجدتا لهما مكانا بين شفتيه، فالعربية تعاني من عاميته والفرنسية تتعسر في ميلادها بينهما، خاصة وأنه قارّ في منصبه منذ أكثر من عشرية من الزمن يستمع فيها الفلاحون والمواطنون لتصريحاته، ربما لأنه كان طبيبا ولم يكن يوما مجبرا على التعامل مع الميدان الفلاحي بالعربية أو الفرنسية لأن الأطباء »أجهل المثقفين« وفق بعض الحكم العربية. ويأتي على شاكلته وزير التضامن الذي تمدرس في كليات فرنسية طمست ملامح العروبة في خطابه، عدا الكلمات التي يحفظها عن ظهر قلب في ميدان الإسعاف الاجتماعي والتضامن مع المنكوبين وتناقل ما تصفه الصحف العربية ليبني به عربية محدثة وغريبة على شفتيه توصل المعلومة إلى آذان مستمعيه ثم سرعان ما يتخلّى عنها حتى موعد آخر. »تومي« تفوز على »السعيد سعدي« و»هب« تبرِّئه من الشيوعية عبد المجيد سيدي السعيد، الأمين العام للاتحاد الوطني للعمال الجزائريين، صنع التميّز حقا في جهله للغة العربية، ولأنه يحترم كثيرا المعرّبين فإذا ما اضطر إلى مخاطبتهم خط العربية بأحرف فرنسية ليواصل بقية الخطاب بكلمات متراوحة بين العامية والفرنسية، لأنه لم يستطع فعلا أن يتعلم أيّ كلمة من كلمات العربية الفصيحة. أما سعيد سعدي، الأمين العام لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فقد أثبت علناً وعلى الهواء مباشرة أمام الشعب الجزائري كله في 1991 أنْ لا دراية له بالعربية الفصيحة وذلك على يدي زعيم »الفيس« المحل، عباسي مدني، وقتها حينما أجريا مناظرة تلفزيونية قال له فيها »هب أنك شيوعي« ولم يفهم ممثل الأرسيدي أن الشيخ الضليع في العربية يقصد افترض فقط هذا الوضع، فثارت ثائرته عليه وأكمل كل الحصة وهو يعاتبه إلى حد التعنيف كيف يتهمه بالشيوعية لأن سعدي لم يدرك أهمية الحرفين الإثنين في درء التهمة عنه. ولم يفلح من مجموعة السياسيين من ذوي الأصول القبائلية إلا أحمد أويحي، خريج المدرسة الوطنية للإدارة، الذي تمرد على الفرنسية في المجالس المعربة بإتقان العامية الخالية من الألفاظ القبائلية وإذا ما دخل ملعب العربية سرعان ما يغادره لضيق مساحة جعبته فيه وكذا لأنه يرفض أن تمسك عليه زلة لغوية تشوب حنكته السياسية، لكنه لا يعرف عن رئيس الحكومة الأسبق أنه تلقى تعليما يمكنه من العربية إلا اجتهاده المقتضب. وخليدة تومي التي كانت عربيتها ضعيفة، أجبرتها تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية على الاختلاط بالمعربين في الوسط الوزاري وداخل مقر وزارتها لتفاجأ القادحين في تصريحاتها بلغة سليمة لا يكاد يشوبها خطأ واحد، لتثبت للجميع أن أصولها القبائلية وتعليمها المفرنس لا يمنعانها من الإدلاء بدلوها في بحر اللغة الأم لكل العرب وتحدت بذلك مخرجها للساحة السياسية سعيد سعدي وصارت تحسب على المعربين أكثر من غيرهم. المتحدث عن حقوق الإنسان في الجزائر، فاروق قسنطيني، رجل القانون منذ أزيد من عشرية لا يحسن العربية ولا يجيد إثراء حتى عاميته. ففي آخر لقاء معه على الشاشة قبل أسابيع، لم يتمكن قسنطيني من إيجاد بديل عن عبارة »طويل وعريض« التي كان يعني بها مطوّلا وكانت عاميّته أبعد ما يكون عن رجل قانون يفترض أن يكون متكلما بارعا لإحراز البراءة لموكّليه بين أروقة المحاكم. وزراء إذا ما صمتوا لم يُفتقدوا... وهناك من الوزراء من حملوا الحقيبة الوزارية ودفعوا ألسنتهم ثمنا لها، فلا يصرّحون إلاّ بشقّ الأنفس وفي مناسبات محدودة جدا، كوزير المجاهدين محمد الشريف عباس. أو الوزير الهاشمي جيار فينعقد لسانه كلما تضاربت عليه الحقائب، ودليل ذلك محدودية تصريحاته مابين وزارتي الاتصال والشبيبة والرياضة. أما بقية الوزراء الذين لم نتناولهم بالتفصيل، فهم ينتمون إلى شريحة الذين إذا تكلموا لم يخطئوا وإن صمتوا لم يُفتقدوا، ولا يعني ذلك أن عربيّتهم سليمة لكنها على الأقل مخفية متوارية خلف الحجب تعفي أبا الأسود الدؤلي ورفاقه من العذاب النفسي للمحرمات التي ترتكب في حق لغة القرآن. دلولة حديدان