هكذا كتب أحدهم في إحدى الصحف في معرض تعليقه على حضور عدد من الوزراء والمسؤولين للتدشين التقني للمترو، حيث قال: إني أتعجب كيف أن جهاز الإنذار لم يوقف عبد العزيز بلخادم!. وأتوخى هنا فطنة القارئ الكريم في إدراك المقصود، إذ أن الجهاز المذكور يستخدم عادة لكشف المجرمين والإرهابيين والمهربين والعملاء والمبحوث عنهم، ولن أزيد في توضيح ما لا يحتاج إلى شرح أو تفسير. في البداية ينبغي التأكيد أنه من حق أهل السياسة والإعلام وكل المهتمين بالشأن العام أن ينتقدوا أفكار ومواقف هذا وذاك من السياسيين وأن يعارضوا السياسات التي لا تتفق مع رؤاهم وأن يفضحوا كل السلوكات الفاسدة التي تأتي من رجال الحكم. ولا بأس أيضا من التوضيح بأننا لسنا في وارد الرد، ذلك أن عبد العزيز بلخادم ليس بحاجة إلى من يدافع عن أفكاره ومواقفه وقناعاته، فهو أقدر على الاضطلاع بالمهمة إن رأى في ذلك فائدة، خاصة وأن في سيرته ما يكفي لإنصافه وإعطاء كل كلمة يقولها مصداقية، يشهد لها الخصم قبل الحليف. لكن ينبغي الإشارة إلى أنه منذ زمن تخصصت بعض الأقلام في خوض حملات ظالمة للإساءة إلى الرجل الذي تصفه عادة ب " الإسلاموي" و " الأصولي" و "الملتحي" والذي ارتكب بدعة " اللباس التقليدي"، حيث ذهبت إحدى المهوسات إلى وصفه ب " السوداني"، في تجاهل تام لتقاليدنا العريقة التي يبدو واضحا أن تلك )......( لا تعرفها أو أنها لا تعلم بها، لأنها مرتبطة بثقافة أخرى لا صلة لها بثقافة وتقاليد المجتمع الجزائري الأصيلة. وقد تمادت تلك الأقلام في إطلاق الاتهامات وتوزيع النعوت والأوصاف، دون التزام بضوابط الكتابة وما تقتضيه من مسؤولية أخلاقية يجب مراعاتها والتقيد بها، دون أن يعني ذلك عدم تناول الشخصيات العامة بالنقد الذي يتصل بالأفكار والمواقف وليس ب " اللحية" و" القندورة" وما شابه ذلك، مع أنه من حق كل واحد أن يرتدي ما يشاء وفق ما تقتضيه الأصول والأعراف وقواعد اللباس اللائق والمحترم. لقد اتخذت بعض الأقلام من شخص عبد العزيز بلخادم مادة تتغذى منها وعليها، ليس من منطلق نقد ما يؤمن به الرجل من أفكار وما يعلن من مواقف بصفته أمينا عاما لحزب الأفلان، ولكن- وهذا هو الغريب- من منطلقات ترتكز على مواقف مسبقة وأحكام جاهزة، وكأن المطلوب من بلخادم- حتى ينال رضا واستحسان وإعجاب تلك الأقلام- هو أن يتخلى عن لحيته، التي هي ليست وليدة اليوم ولا البارحة، وأن يطلّق القندورة بالثلاث، وأن يقسم بأغلظ الأيمان أنه ليس أصوليا ولا ظلاميا ولا إرهابيا ولا بعثيا ولا معاديا للفرنسية وأن يزيد فوق ذلك فيعلن أمام الأشهاد أنه قد قرر أن يخرج من جلده ويتنكر لذاته ويرتمي طائعا مستسلما في أحضان هوية لقيطة أو مستوردة. يتذكر الجميع كيف أعلنت تلك الأقلام الحرب ضد بلخادم لأنه " تجرأ "- حسب ذلك المنطق المذموم- على إبداء موقف صريح من مسألة لغة التدريس في منظومة التعليم والبحث العلمي وكيف أن تلك الردود الانفعالية اتسمت بالتشنج والتهور، دون نقاش جدي لتلك الأطروحة البيداغوجية ولا التوقف عند أبعادها العلمية، بل إن أحدهم ذهب إلى حد اتهام الرجل بأنه " يقوم بدور المترجم والمبشر للأصولية". وإذا كان ليس غريبا أن ينبري أمين عام الأفلان للدفاع عن اللغة العربية، باعتبارها رمز السيادة وعنوان الشخصية الوطنية، فإنه ليس من الغريب أن يثير ذلك الموقف الوطني جدلا محموما يقترب من لوثة الهستيريا لدى أولئك الكارهين لذاتهم والحاقدين عليها. إن آراء أولئك الكتبة حول ثوابت ومقدسات وقيم الشعب نعرفها جيدا وهي ليست جديدة أو طارئة، حتى وإن كانت كالذبابة لا تقتل لكنها " توجع الخاطر"، وكان بالإمكان عدم الإشارة إليها أو الخوض فيها، لأنها لا تستحق الرد أصلا، ولكن تلك الكراهية الشديدة وذلك العداء المستحكم يدفعان بالتأكيد إلى التساؤل عن الدوافع الكامنة وراء التهجمات المتواصلة، إلى درجة أن الحملة، وهي مخططة ومنظمة، تجاوزت كل الحدود. ندرك أنه لا جدوى من الرد على تلك الحملة الضارية، لأنها تنطلق من التجني وتعود إليه، لكن أسئلة عدة تطرح نفسها في هذا المجال: أول الأسئلة: ألا يحق للأمين العام لجبهة التحرير الوطني، وهو حزب الأغلبية، أن يعبر عن رأيه دون تردد أو خوف أو تخاذل، والذين أفزعهم قول عبد العزيز بلخادم بأنه " محافظ " إذا كان الدفاع عن مقدسات الأمة وثوابت الشعب يضعه في خندق المحافظين، نقول لهم بأن الأغلبية الغالبة من الجزائريين هم محافظون، بهذا المعنى، وعلى المفزوعين- وهم العصرانيون المتنورون- أن يدركوا أن من يحتقر وطنه ويستهين بهويته لسانا وعقيدة وانتماء تاريخيا، باسم الديمقراطية والحداثة وحرية الرأي والتعبير، إنما يحتقر نفسه ومن لا يحترم أصله وفصله لا يستحق الاحترام. ثاني الأسئلة: هل وصل التعسف إلى حد منع مسؤول سياسي من أن يفكر بصوت مسموع ويقترح ما يراه مفيدا للبلاد، دون إساءة لأحد وبعيدا عن لغة الفرض أو الإملاء أو الإقصاء أو ادعاء امتلاك الحقيقة واحتكار الديمقراطية. ثالث الأسئلة: إذا كانت لحية عبد العزيز بلخادم تثير كل هذا الحمق والتحريض والتجريح، فما هي النصيحة التي يتكرم بها هؤلاء حتى يغفرون له خطاياه وذنوبه، هل المطلوب من الرجل أن يزيل لحيته ويقلع عن لبس القندورة ثم، وهذا هو الأهم، "ينظف" قلبه وعقله مما يؤمن به، لأن الأمر المؤكد هو أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم. أسئلة نطرحها وكلنا حرص على منطق التعددية الذي يعني حق الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر ورفض الوصاية على الأفكار، ذلك أن الديمقراطية التي نؤمن بها ونناضل من أجلها ليست ديمقراطية الإلغاء أو الإبادة لمن نختلف معهم في الرأي والقناعات، بل هي ديمقراطية التعدد والتنوع في إطار قيم المجتمع وقوانين الجمهورية. إننا ندرك خلفيات ودوافع تلك الأقلام، وهي معلومة ولا حاجة لتبيانها، وقد يكون من المفيد أن نذكر أن الدفاع عن اللغة العربية ينطلق من حق بلادنا في تحررها من التبعية للنفوذ الثقافي لبلد لم يسلم إلى اليوم بسيادة الجزائر وحقها في بناء مشروعها الحضاري بمنأى عن أي وصاية، سياسية كانت أو لسانية ثقافية، مع التأكيد بأن التحكم في لغة أجنبية فرنسية أو انجليزية أو غيرها لا يعني أن مستعملها خائن أو عميل أو غير وطني. نعيد التذكير بأن المشتغلين بالسياسة ليسوا ملائكة معصومين كما أنهم ليسوا أبالسة أو شياطين، وهم من خلال مواقعهم يجب أن يكونوا تحت مجهر الصحافة، لفحص أفكارهم ومواقفهم وفضح أخطائهم وتجاوزاتهم والحكم عليهم كأشخاص وأفعال، لكن يبقى هذا السؤال: لماذا كل هذا التحرش بشخصيات سياسية محددة دون غيرها؟.. إذا عرف السبب بطل السؤال.. والفاهم يفهم. " من لا يحترم أصله وفصله يستحق أن تدوسه الأقدام.."