أسير صحراوي يضرب عن الطعام احتجاجا على سياسة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال المغربي    إحصاء 16 ألف وقف بالجزائر    زيت زيتون ولاية ميلة يظفر بميدالية ذهبية وأخرى فضية في مسابقة دولية بتونس    وزير الاتصال يعلن عن استكمال النصوص التنظيمية لتأطير العمل الصحفي    اللقاء الجهوي الأول للصحفيين و الإعلاميين الجزائريين: ورشات تعنى بواقع الصحافة والممارسة الصحفية    الاتحاد العربي لكرة السلة: انتخاب الجزائري مهدي اوصيف عضوا في المجلس و إسماعيل القرقاوي رئيسا لعهدة رابعة    دربال يؤكد على ضرورة إنجاز محطة جديدة لتصفية المياه المستعملة بتمنراست    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    ترياتلون/كأس افريقيا المفتوحة : الجزائر تشارك بستة عناصر بتيبازة    سعداوي يؤكد التزام الوزارة بدعم ومرافقة المشاريع والأفكار المبتكرة للتلاميذ    المديرية العامة للضرائب: تمديد أجل اكتتاب التصريحات السنوية للنتائج إلى غاية 1 يونيو    طيران الطاسيلي تنال للمرة الثامنة شهادة "إيوزا" الدولية الخاصة بالسلامة التشغيلية    استثمار اجتماعي: سوناطراك توقع عدة اتفاقيات تمويل ورعاية    وهران : الطبعة الأولى للمهرجان الوطني "ربيع وهران" من 1 الى 3 مايو المقبل    وزارة التربية تلتقي ممثّلي نقابات موظفي القطاع    تحقيق الأمن السيبراني أولوية جزائرية    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    بنو صهيون يستهدفون النازحين في غزّة    الأمم المتحدة: 500 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم بغزة منذ منتصف مارس الماضي    والي العاصمة يستعجل معالجة النقاط السوداء    منارات علمية في وجه الاستعمار الغاشم    معارك التغيير الحضاري الإيجابي في تواصل    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    مزيان يُشرف على تكريم صحفيين    اجتماع بين زيتوني ورزيق    نرغب في تعزيز الشراكة مع الجزائر    مؤامرة.. وقضية مُفبركة    تراث الجزائر.. من منظور بلجيكي    سوناطراك توقّع مذكرتين بهيوستن    بن سبعيني يمنح برشلونة رقما استثنائيا    في اختتام الطبعة ال1 لأيام "سيرتا للفيلم القصير    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي, ترأس, اجتماعا للحكومة    الجزائر قامت ب "خطوات معتبرة" في مجال مكافحة الجرائم المالية    إحباط محاولات إدخال قنطارين و32 كلغ من الكيف المغربي    فرنسا تعيش في دوامة ولم تجد اتجاهها السليم    "صنع في الجزائر" دعامة لترقية الصادرات خارج المحروقات    التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية والشّمول المالي    اجتماعات تنسيقية لمتابعة المشاريع التنموية    الرياضة الجوارية من اهتمامات السلطات العليا في البلاد    آيت نوري ضمن تشكيلة الأسبوع للدوريات الخمسة الكبرى    السوداني محمود إسماعيل لإدارة مباراة شباب قسنطينة ونهضة بركان    عين تموشنت تختار ممثليها في برلمان الطفل    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    استبدال 7 كلم من قنوات الغاز بعدة أحياء    بومرداس تعيد الاعتبار لمرافقها الثقافية    مشكلات في الواقع الراهن للنظرية بعد الكولونيالية    أيام من حياة المناضل موريس أودان    نافذة ثقافية جديدة للإبداع    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاهي الدمشقية : برلمانات سياسية ومنتديات فكرية
نشر في الشروق اليومي يوم 13 - 02 - 2008

حزب‮ البعث‮ تأسس‮ في‮ مقهى،‮ وقهوة‮ خاصة‮ لبورقيبة

هنا وعلى طاولات المقاهي الدمشقية صنع تاريخ الأمة العربية المعاصر، تأسست الأحزاب... نظمت أروع القصائد والأبيات الشعرية، وخطط للثورات والانقلابات الكبرى، »الشروق« تكشف حكاية تلك المقاهي العريقة في هذا التحقيق.
مقاهي‮ العاصمة‮ السورية‮ ليست‮ صالات‮ لاحتساء‮ القهوة‮ أو‮ الشاي‮ فحسب‮ بل‮ برلمانات‮ ومنتديات‮ فكرية‮ وثقافية‮ مصغرة‮.‬
وتحوي‮ مدينة‮ دمشق‮ عددا‮ كبيرا‮ من‮ المقاهي‮ العريقة‮ التي‮ يعود‮ تاريخ‮ إنشاء‮ معظمها‮ إلى‮ القرن‮ التاسع‮ عشر،‮ ويطل‮ أغلبها‮ على‮ الشوارع‮ الرئيسية‮ والأسواق‮ الشعبية‮ القديمة‮.
ويؤكد‮ نعمان‮ قساطلي‮ في‮ كتابه‮ »‬الروضة‮ الغناء‮ في‮ دمشق‮ الفيحاء‮« أن‮ عدد‮ المقاهي‮ الدمشقية‮ بلغ‮ 110‮ مقهى‮ في‮ القرن‮ التاسع‮ عشر،‮ مشيرا‮ إلى‮ أن‮ تلك‮ المقاهي‮ شكلت‮ متنفسا‮ هاما‮ لجميع‮ فئات‮ الشعب‮ السوري‮.‬
وشهدت‮ معظم‮ هذه‮ المقاهي‮ أحداثا‮ هامة،‮ حيث‮ تشكل‮ فيها‮ العديد‮ من‮ الأحزاب‮ والمنتديات‮ الفكرية‮ كمقهى‮ الرشيد‮ الصيفي‮ الذي‮ عقد‮ فيه‮ المؤتمر‮ التأسيسي‮ الأول‮ لحزب‮ البعث‮ عام‮ 1947م‮.‬
مقاهي‮ أهل‮ الفن‮ والسياسة
أغلب‮ هذه‮ المقاهي‮ التاريخية‮ اختفت‮ بسبب‮ التوسع‮ العمراني‮ الكبير‮ لمدينة‮ دمشق،‮ مما‮ اضطر‮ عددا‮ كبيرا‮ من‮ الأدباء‮ والمثقفين‮ ورجال‮ السياسة‮ إلى‮ البحث‮ عن‮ متنفس‮ آخر‮.‬
ويعد مقهى الروضة من بين المقاهي القليلة الباقية في دمشق والتي تجمع سمات المقهى القديم والحديث في آن، فطاولاته الرخامية وكراسي الخيزران حولها تجمع عددا كبيرا من الفنانين والمثقفين إضافة إلى كبار السن والمتقاعدين.
ويقول‮ أحمد‮ أوزوروش‮ »‬صاحب‮ المقهى‮« إن‮ مقهى‮ الروضة‮ كان‮ في‮ البداية‮ سينما‮ للهواء‮ الطلق،‮ لكنه‮ تحول‮ في‮ خمسينيات‮ القرن‮ الماضي‮ إلى‮ مقهى‮.‬
ويشير‮ أوزوروش‮ إلى‮ أن‮ المقهى‮ شهد‮ أحداثا‮ كثيرة‮ بحكم‮ قربه‮ من‮ البرلمان‮ السوري،‮ حيث‮ كان‮ أعضاء‮ البرلمان‮ يأتون‮ إليه‮ بعد‮ كل‮ جلسة‮ ليتحدثوا‮ بالأحوال‮ العامة‮ لسوريا‮ في‮ تلك‮ الفترة‮.‬
ويؤكد‮ عبد‮ الكريم‮ العفنان‮ »‬صحافي‮« أن‮ مقهى‮ الروضة‮ يشكل‮ »‬منتدى‮ ثقافي‮ وسياسي‮ واجتماعي‮« لعدد‮ كبير‮ من‮ الأدباء‮ والمثقفين‮ العرب،‮ حيث‮ يستطيع‮ هؤلاء‮ التعبير‮ عن‮ رأيهم‮ صراحة‮.‬
ويضيف‮ »‬لا‮ يستطيع‮ أحد‮ أن‮ ينكر‮ الهامش‮ الثقافي‮ والفكري‮ الذي‮ يوفره‮ مقهى‮ الروضة،‮ وإن‮ كان‮ هناك‮ عدد‮ كبير‮ من‮ المخبرين‮ الذين‮ يستغلون‮ هذه‮ الظروف‮«.‬
من‮ جانبه‮ يعتبر‮ منصور‮ الديب‮ »‬ناقد‮ سينمائي‮« المقهى‮ عبارة‮ عن‮ برلمان‮ ثانٍ‮ لتبادل‮ الأفكار،‮ مشيرا‮ إلى‮ أن‮ ثمة‮ نقاشات‮ حادة‮ تحدث‮ أحيانا‮ بين‮ بعض‮ المثقفين‮ وهذا‮ يضفي‮ طابعا‮ ليبراليا‮ على‮ المقهى‮.‬
ويعتقد‮ الديب‮ أن‮ دخول‮ العنصر‮ النسائي‮ للمقهى‮ أضفى‮ عليه‮ نكهة‮ خاصة‮ ونوعا‮ من‮ الحداثة‮ المفتقدة‮ في‮ أغلب‮ المقاهي‮ الدمشقية‮.
روادها‮ شعراء‮ وكتاب‮ وصحافيون
لم يقتصر دور المقاهي العربية على اللهو واللعب، بل تعداه إلى نشاط اجتماعي أفرز سلوكا وفكراً جديداً وحالة ثقافية مرموقة أنتجت أدباً خالداً، وحفلت المقاهي فعاليات سياسية سطرت بحروف من ذهب تاريخ الأمة، فمنذ عقد العشرينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي نشطت في بعض مقاهي دمشق حركة الأدباء والشعراء والصحافيين، مما أفضى إلى نشوء مجالس شكلت منتديات أدبية، ومن أشهر تلك المقاهي (مقهى الكمال) في ساحة المرجة (الذي تحول فيما بعد إلى سينما غازي) حيث كان يجتمع فيه لفيف من الأدباء عرف منهم الشاعر الفلسطيني خليل السكاكيني والأديب‮ والصحافي‮ معروف‮ الارناؤوط‮ والصحافيان‮ محمد‮ وأحمد‮ كرد‮ علي‮ والصحافي‮ نجيب‮ الريس‮ والشاعران‮ شفيق‮ جبري‮ وأحمد‮ الصافي‮ النجفي‮.
وهناك مقهى آخر وهو (مقهى الحاج علي) الذي يقع في شارع بغداد ومن رواده في الثلاثينيات كل من: الشاعر شفيق جبري وظافر الأتاسي والمخبر الصحافي عمر نبهان الذي كان يزود الصحف والمجلات بالأخبار السياسية والثقافية، ثم افتتحت في نهاية الثلاثينيات مقاهٍ جديدة كانت قبلة للأدباء والشعراء كان أشهرها (مقهى البرازيل) الذي افتتح في فيفري من عام 1939 في الجهة الشرقية من شارع فؤاد الأول (بور سعيد) وعرف من رواد هذا المقهى الشعراء والأدباء: (سعيد الجزائري ويوسف العيسى ونزار قباني والشاعر محمد الحريري وزكي الارسوزي والشاعر وصفي القرنفلي‮ وشاكر‮ مصطفى‮ ود‮. عبد‮ السلام‮ العجيلي‮ وفؤاد‮ الشايب‮ وسامي‮ الدروبي‮ وغيرهم‮).
وفي منتصف الأربعينيات وبالتحديد عام 1945 افتتح مقهى جديد عرف ب(مقهى الهافانا) وكان يقع مقابل (مقهى البرازيل) وعرف من رواد هذا المقهي الذين كانوا سابقاً من رواد مقهى البرازيل الشعراء والأدباء: (محمد الحريري ومحمد الماغوط وأدونيس وشوقي بغدادي ومصطفى بدوي وأحمد‮ الجندي‮ ونديم‮ محمد‮ وسعيد‮ الجزائري‮ وعادل‮ أبو‮ شنب‮ ونسيب‮ الاختيار‮ واسكندر‮ لوقا‮ وشاكر‮ مصطفى‮ وغيرهم‮).
فنظم‮ هؤلاء‮ المشاهير‮ في‮ تلك‮ المقاهي‮ قصائد‮ خالدة،‮ وكتبت‮ فيها‮ العديد‮ من‮ القصص‮ والمقالات‮ الرائعة‮.
العمل‮ الثوري‮ على‮ طاولات‮ المقاهي
شهدت بعض مقاهي دمشق في نهاية العهد العثماني العديد من الاجتماعات الوطنية والسياسية وذلك بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908، ففي ذلك العام أعلن تشكيل (جمعية النهضة العربية) رسميا بعد أن كانت سرية عند تأسيسها عام 1906 في (الأستانة) من قبل مجموعة من الطلبة السوريين الذين كانوا يدرسون فيها، وأقامت الجمعية حفلا بمناسبة إعلان تشكيلها في (مقهى القوتلي) بحي السنجقدار، وقام أعضاء الجمعية بإلقاء العديد من الخطابات طالبوا فيها ببث الروح القومية العربية بين الأهالي وطالبوا بحقوق الأمة العربية. وفي عهد الانتداب الفرنسي اتخذ الوطنيون أيضاً (مقهى القوتلي) مركزا لاجتماعاتهم وقادوا منه المظاهرات وإعلان الإضرابات في المدينة، وأشهرها التي قامت عام 1922 احتجاجا على اعتقال د. عبد الرحمن الشهبندر ورفاقه الوطنيين الذين أعلنوا أول انتفاضة وطنية في عهد الانتداب.
حزب‮ البعث‮ تأسس‮ في‮ مقهى
ومن المقاهي الدمشقية التي عقدت فيها الأحزاب السياسية اجتماعاتها أو مؤتمراتها التأسيسية (مقهى العباسية) الذي عقد فيه اجتماع تأسيسي ل(حزب الشعب) عام 1925 ويعتبر هذا الحزب أول حزب وطني تأسس في عهد الانتداب الفرنسي وقد أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري‮ وحسن‮ الحكيم‮ وغيرهم‮.
وفي الفترة ما بين 04 06 أفريل من عام 1947 عقد المؤتمر القومي الأول التأسيسي لحزب البعث العربي، وذلك في مقهى الرشيد الصيفي (اللونابارك سابقاً) الذي كان يقع في شارع 92 أيار (بناء المركز الثقافي الروسي الحالي).
وقد درج السياسيون والعسكريون على ارتياد مقاهي دمشق منذ العقد الثاني من القرن العشرين، عرف منهم الأمير فيصل بن الحسين والقائد (يوسف العظمة) و(د. عبد الكريم العائدي)، والعقيد حسني الزعيم ( قبل أن يعود إلى الجيش) كل هؤلاء كانوا من رواد مقهى الكمال القديم، وكذلك كان خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري ورفاقه نبيه رشيدات ورئيف خوري كانوا أيضاً من رواد (مقهى الكمال القديم).
أما أشهر رواد (مقهى البرازيل) من السياسيين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين فهم (زكي الارسوزي وصدقي إسماعيل وميشيل عفلق وصلاح‮ الدين‮ البيطار‮ وأكرم‮ الحوراني‮ وغيرهم‮).
ويذكر‮ الأستاذ‮ نصر‮ الدين‮ البحرة‮ في‮ خاطرة‮ (‬مقهى‮ الدومري‮) التي‮ كان‮ ينشرها‮ في‮ جريدة‮ الدمومري‮ الدمشقية،‮ بأن‮ العقيد‮ أديب‮ الشيشكلي‮ كان‮ يعرج‮ أحياناً‮ على‮ مقهى‮ البرازيل‮.
ويتحدث الأستاذ غسان الإمام عن ذكريات مقهى البرازيل في مقالة نشرت له في جريدة تشرين قائلاً: »بأن رواد مقهى البرازيل السياسي يعرفون موجز الأخبار من ملامح وجه بائع الصحف الذي يبسط على مدخل المقهى قبل أن يشتروا منه صحف الصباح«.
شخصيات‮ سياسية‮ عربية‮ في‮ مقاهي‮ دمشق‮
ومن‮ الشخصيات‮ السياسية‮ العربية‮ التي‮ نفيت‮ إلى‮ دمشق‮ في‮ عهد‮ الانتداب‮ الفرنسي‮ والذين‮ كانوا‮ يرتادون‮ مقاهي‮ دمشق‮ الراحل‮ الحبيب‮ بورقيبة‮ (‬الذي‮ أصبح‮ رئيساً‮ لتونس‮ بعد‮ الاستقلال‮)‬،‮ وكان‮ يرتاد‮ مقهى‮ البرازيل‮.
وذكر أيضاً أن الشاعر بيرم التونسي كان يرتاد المقاهي الدمشقية، وأيضاً الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي كان يرتاد عدداً من المقاهي الدمشقية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ففي عام 1944 كان الجواهري يرتاد (مقهى العربي) في ساحة المرجة، وكان يلتقي‮ الصحافي‮ سعيد‮ الجزائري‮ في‮ أكثر‮ الأوقات،‮ وفي‮ عام‮ 1956‮ كان‮ يجتمع‮ في‮ (‬مقهى‮ الهافانا‮) مع‮ نفر‮ من‮ الشباب‮ العراقي‮ الذين‮ فروا‮ من‮ طغاة‮ العراق‮ إبان‮ الحكم‮ الملكي‮.‬
مقاهي‮ أصحاب‮ الحرف‮
وعرفت بعض مقاهي دمشق بأن روادها كانوا من أبناء الحرفة الواحدة حيث كان يجتمع فيها أرباب العمل مع عمال مهنتهم للبحث في أمور العمل أو طلب بعض العمال ومن تلك المقاهي (مقهى النجارين) في حي الشاغور قرب مقام السروجي، و(مقهى الحمام) في سوق السنانية وكان يرتاده بائعو الطيور، أما أصحاب حرفة الخبازة فكانوا يجتمعون في (مقهى البخاري) الواقع في سوق التبن، وكان للعمال مقهى خاص بهم في سوق العتيق ويدعى (مقهى العمال)، وقد خرجت منه مظاهرة وطنية عمالية في الثلاثينيات من القرن العشرين في عهد الانتداب الفرنسي طالبت بزيادة الأجور‮ وتأسيس‮ نقابات‮ مهنية‮.
وكان أيضاً لأبناء دمشق وضواحيها من الصم والبكم (الخرسان) مقهى خاص بهم في الخمسينيات من القرن الماضي وكان يدعى ذلك المقهى ب(مقهى العون بالله) ويقع في بناء العابد الشهير القريب من ساحة المرجة وكانوا يجتمعون به للتسلية أو للتعارف فيما بينهم، ثم ألفوا في هذا المقهى‮ رابطة‮ خاصة‮ بهم‮ دعيت‮ ب‮(‬رابطة‮ الخرسان‮) لحل‮ المشاكل‮ التي‮ يتعرضون‮ لها.
تضامن‮ المثقفين‮ مع‮ أرباب‮ المقاهي
وفي التسعينيات شهدت المقاهي بعض الانتعاش فقد ارتاد كثير من الأدباء والمثقفين والصحافيين الشباب عدداً من مقاهي المدينة عرفت بمقاهي المثقفين ومنها (مقهى الروضة) في شارع العابد و(مقهى الكمال الصيفي) عند شارع المتنبي، وقد تضامن هؤلاء المثقفون عندما قرر صاحب مقهى‮ الهافانا‮ تحويله‮ الى‮ محل‮ لبيع‮ الألبسة‮ الجاهزة،‮ فأعيد‮ فتح‮ المقهى‮ بعد‮ أن‮ جهز‮ بأحدث‮ الديكورات،‮ وأصبح‮ معظم‮ رواده‮ من‮ الأدباء‮ والشعراء‮ والصحافيين‮.
اكتشاف‮ القهوة‮ كان‮ في‮ دمشق
اختلفت الروايات التي أوردها المؤرخون حول تاريخ اكتشاف البن وانتشار القهوة في العالم، فالمؤرخ أديب الحصني صاحب كتاب (منتجات التواريخ لدمشق) يروي قصة أول من اكتشف القهوة، وذلك أثناء ذكره لوفيات سنة 1503م، وهو الشيخ (أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعبدروسي) حيث يقول: »وفي سنة تسع وتسعمائة هجرية مات بدمشق نزيلها الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعبدروسي، مبتكر القهوة المتخذة من البن المجلوب من اليمن وكان أصل اتخاذه لها أنه مر في سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه‮ متروكا‮ مع‮ كثرته‮ فوجد‮ فيه‮ تجفيفا‮ للدماغ‮ واجتلابا‮ للسهر‮ وتنشيطاً‮ للعبادة‮ فاتخذه‮ قوتا‮ وطعاما‮ وشرابا‮ وأرشد‮ مريديه‮ وأتباعه‮ إلى‮ ذلك‮«.
فتاوى‮ تحرم‮ شرب‮ القهوة
لكن العلماء في دمشق انقسموا حول شرب القهوة ككل شيء مستحدث جديد، ولم يكن سبيل القهوة إلى دمشق معبداً بالورود، فقد انقسم علماء دمشق وفقهاؤها حول مسألة شرب القهوة، ويقول الدكتور محمد الارناؤوط في مقالة نشرها في مجلة الجيل اللبنانية: »أدى انتشار شراب القهوة في دمشق إلى انقسام المجتمع المحلي إلى قسمين: قسم منه معاد لشربها وأصدر فتاوى بتحريمها وكان أشهرهم الشيخ محمد الحسيني والشيخ يونس العيثاوي اللذين طلبا مع مجموعة من العلماء في السلطنة من السلطان العثماني سليمان القانوني أن يأمر بتحريم القهوة وإغلاق المقاهي، فأصدر السلطان فرمانا ينص على تحريم القهوة وإغلاق المقاهي في جميع أنحاء السلطنة سنة 1551 ميلادية، وبعد وفاة السلطان المذكور عام 1566 ميلادية أعيد فتح المقاهي في جميع أنحاء السلطنة، أما القسم الآخر وهو المؤيد والمحلل لشربها فكان يتزعمه الشيخان نزيلا دمشق وهما:الشيخ‮ علي‮ بن‮ عراق‮ والشيخ‮ أبو‮ الفتح‮ المكي‮ التونسي،‮ وقد‮ أيدهم‮ بعض‮ شعراء‮ دمشق‮ فألفوا‮ قصائد‮ مدحوا‮ فيها‮ شرب‮ القهوة‮«.
زعماء‮ سياسيون‮ يشيدون‮ المقاهي
بعد أن خسر الفريق المعارض لشرب القهوة، انتشرت المقاهي في جميع أنحاء دمشق والعالم، وخاصة في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وقد ساهم في ذلك ولاة دمشق حيث بنوا العديد من المقاهي في المدينة في ظاهرة أشبه بالمنافسة، وكان أشهرهم الوالي (درويش باشا) الذي بنى مقهى بالقرب من سوقه وجامعه الشهيرين وذلك سنة 1527 ميلادية، سمي فيما بعد مقهى الدرويشية، ثم جاء بعده الوالي سنان باشا فأمر سنة 1568 ميلادية ببناء مقهى بالقرب من جامعه وسوقه المعروفين، وقد ذاع صيت هذا المقهى فيما بعد وقيل عنه بأنه من أجمل مقاهي دمشق لترتيبه ونظافته واتساعه، أما الوالي (أسعد باشا العظم) فقد بنى العديد من المقاهي في أنحاء المدينة وقد عرف منها (مقهى الشاغور) الذي بناه سنة 1705 ميلادية بالقرب من مقام الشيخ السروجي، وبنى أيضا مقهى في محلة باب مصلى بالقرب من جامعها الشهير، وبنى أيضا مقهى في محلة باب السريجة‮.
ثم تابع بعدهم كبار قادة الجيش والفرق العسكرية المقيمون في دمشق بناء عدد من المقاهي ففي حي الميدان مثلا بنى الدفتردار أي (محاسب ولاية دمشق) فتحي القلاقنسي مقهى بالقرب من حمامه المعروف ب(حمام فتحي)، وبنى الأمير حسن كتخدا التركماني (وهو جد آل العظمة في دمشق)‮ عدة‮ مقاه‮ في‮ حي‮ الميدان‮ عرف‮ منها‮ مقهى‮ في‮ حي‮ زقاق‮ الوسطاني،‮ ومقهى‮ آخر‮ في‮ زقاق‮ الجواني‮.
أشهر‮ مقاهي‮ العالم‮
عرفت في دمشق مقاهٍ عريقة خلدت اسمها في التاريخ، مثل (مقهى العصرونية) قرب قلعة دمشق والذي استقدم في نهاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي فنانا وممثلا ومغنيا فرنسيا ذائع الصيت يدعى (مالديس) قدم فيه عدة حفلات فنية، وعرف أيضا (مقهى سوق الخيل) عند باب المناخ، و(مقهى الشيخ محمد اليتيم) في السويقة المحروقة، وكانت هناك أيضا مجموعة من المقاهي المنتشرة ضمن حدائق ومنتزهات دمشق، ففي محلة باب توما عرفت مقاهي (حديقة الأفندي) و(حديقة الصوفانية)، وفي منطقة المرجة كانت هناك عدة مقاهٍ وأشهرها مقاهي (عين القصارين) ومقاهي‮ (‬بين‮ النهرين‮) المنتشرة‮ على‮ امتداد‮ ضفتي‮ نهر‮ بردى‮ من‮ المرجة‮ وحتى‮ بساتين‮ النيربين‮.
الرحالة‮ الأوربيون‮ يتغنون‮ بالمقاهي‮ العربية
كتب الرحالة الأوربيين الذين زاروا دمشق في القرن التاسع عشر ازدهرت بمعلومات غنية عن مقاهي دمشق كالرحالة الانكليزية (الليدي استانهوب) التي قامت برحلتها إلى الشرق عام 1801، فكتبت تقول: »وفي المقاهي يتربع الدمشقيون بوقار على مصاطب غطيت ببسط خشنة يدخنون النارجيلة أو يرتشفون القهوة المعطرة بالعنبر الأصفر الذهبي في فناجين صغيرة، وإذا ما عطش الزبائن يستوقفون سقاءً عابراً أو بائع الجلاب أو العنب، ومن حين لآخر يتصدر (الحكواتي) المقهى ويشرع في سرد حكاية من حكايا ألف ليلة وليلة...«.
وهناك‮ أيضا‮ رحالة‮ انكليزي‮ يدعى‮ (‬تشالز‮ أديسون‮) كان‮ زار‮ دمشق‮ في‮ شهر‮ أكتوبر‮ من‮ عام‮ 1853‮ وأعجب‮ بدمشق‮ وأطلق‮ عليها‮ اسم‮ ‮ باريس‮ الشرق‮ ‮ لكثرة‮ وأناقة‮ المقاهي‮ التي‮ كانت‮ توجد‮ فيها‮.
دمشق‮: ع‮. وليد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.