أحمد أويحيى كلّف الرئيس بوتفليقة، الأحد، رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي بقيادة الوفد الجزائري الذي سيشارك في القمة الهندية الإفريقية التي ستعقد في الثامن والتاسع أفريل الجاري في العاصمة الهندية نيودلهي، وسيحضر أويحي القمة بصفة "ممثل شخصي" للرئيس بوتفليقة. والأكيد أن هذا الخبر سيهزّ أركان الطبقة السياسية في البلاد بكل ألوانها فضلا عن الرأي العام، بالنظر إلى أن الجميع ضنوا بأن "تنحية" أويحي من على رأس الحكومة في 24 ماي 2006- وهي التنحية التي غُلفت بقرطاس "الاستقالة"- ضنوا بأنه الطلاق الأول والأخير بين الرئيس ووزير حكومته، بعد أن أبدى هذا الأخير معارضته لرغبة الرئيس في تعديل الدستور، حيث ترجح أوساط أن أويحي "عوقب" على فعلته تلك، هذا مع الأخذ في الحسبان أن الرئيس بوتفليقة له تجربة "مريرة" مع رئيس وزراء سابق حيث اكتوى بنار "خيانته له" عندما أراد أن يقطع الطريق أمامه لعهدة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الرئيس لا يريد أن يكتوي مرة أخرى بنار رئيس وزراء آخر.. وبالرغم من أن أويحي حاول أن يُليّن كلامه بشأن تعديل الدستور لتليين قلب الرئيس، حيث قال بأنه لا اعتراض للتجمع الوطني الديمقراطي على التعديل إذا كان الرئيس يريد ذلك- وهو كلام فيه من الطوية ما فيه- إلا أن السيف كان قد سبق العدل، وقد قرر الرئيس التخلص من رئيس وزراءه، وهو ما حدث بعد ذلك فعلا.لكن أحدا لم يك يتصور أن عودة أويحي ستكون بهذه الطريقة وبهذه الدرجة الرفيعة من القربى..فبعد أقل من عامين من إقالته يعود أويحي وعلى أكتافه وفي صدره شارات ونياشين "الممثل الشخصي للرئيس"، ما يعني سياسيا وديبلوماسيا، أنه لا توجد صفة أعلى من هذه الصفة، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة بعد الذي حدث بينهما: ماذا حدث في الفترة التي غاب فيها أويحي عن سرايا الدولة؟ وهل عرف الرئيس حجم و "فعالية" هذا الرجل خلال فترة الغياب تلك؟ وهل يتعلق الأمر اليوم، بعودة أويحي إلى منصب مفصلي في الحكم، قد يكون نائب الرئيس بعد تعديل الدستور؟لطالما شكر الرئيس أويحي على مهام كلفه بها وأداها له هذا الأخير كما يحب ويشتهي، فلقد كان يطلق عليه تسمية "سي أحمد" تماما مثلما كان ينادي علي بن فليس "سي علي" أيام كانا في عينه الرضيّة، لكن وبعد أن أبدى كل منهما معارضته لرغبته في رئاسة أخرى تعرضا "للطرد من الدار"، ولعل أويحي كان أحذق من بن فليس، فلقد كبت رغبته واستجاب لأمر الرئيس بتنحيته من دون أن يثير "المشاكل"..وهو ما لم يفعله سابقه، هذا السلوك من أويحي، يكون خلّف لدى الرئيس صورة عما يعتبره هو "رجل دولة"، فأويحي لم يطلق لسانه في أجهزة الإعلام ولم يُسئ إلى صورة الرئيس، حيث بقي الرئيس رئيسا ورحل أويحي، أي أن الطلاق حدث من دون مشاكل ومن دون صياح، بينما راح بن فليس ينعت هذا الرئيس بشتى الأوصاف ووصل الأمر به حد التعيير.. وكان من أشهر الأوصاف التي أطلقها عليه "المترشح الرئيس"، فكان ذلك الطلاق طلاقا بصياح كبير وبمشاكل أكبر.صورة "رجل الدولة"، حسب بوتفليقة، تكون وراء "بعث الروح السياسية في أويحي" بعد أن عبر في غير ما مرة عدم رضاه عن أداء الكثير من وزراءه، فهو اليوم يرى وجود أويحي إلى جانبه ضرورة بعد "الإحباط" الذي أصيب به فيمن حوله من الرجال، لكن هل يعني هذا فشل بلخادم؟الوقائع تقول أن مجلس الحكومة حافظ - تقريبا- على التشكيلة نفسها التي كانت أيام أويحي، وأن كل ما تغير هو مداخيل البلاد "الهائلة" من البترول والتي لم تنعكس على مستوى معيشة المواطنين، فالوزراء هم هم وما لم يقدموه أيام أويحي لم يقدموه في أيام بلخادم، وعلى هذا الأساس فإن منطق المقارنة بين منجزات بلخادم وأويحي تسقط، وكل ما تحقق في وقت بلخادم هو زيادة في رواتب قطاعات عديدة وهي زيادات لم تر النور إلى اللحظة وبقيت وعودا وسرابا يطارده كثيرون.ثم إذا ما أراد الرئيس تغيير بلخادم بأويحي في الوقت اللاحق من مبدإ التاريخ يعيد نفسه، فالأكيد أن أحدا لن يجد تفسيرا لهذا، سوى ان الرئيس أدار المنصب بين رجلين لم يقدما الجديد فيه أبدا، فمستوى المعيشة هو هو، ولا شيء تغيّر.بقي القول أن الرئيس يكون قد فكر في من بإمكانه أن يكون صاحب كلمة قوية ويحمل مواصفات "رجل دولة"، على المقاس الذي يريده هو، في هذا الباب، يأتي الحديث عن تعديل الدستور، والذي من الممكن أن يتضمن في صفحاته منصبا جديدا وهو نائب الرئيس، فهل يُجهّز الرئيس، رئيس وزراءه المغضوب عليه من قبل، لمنصب كهذا بعد أن "روضه" في فترة لا تتجاوز عامين؟ إلى ذلك الحين، وبعد عودة أويحي من مهمته في الهند، ستتكشف معالم الشخصية الجديدة التي سيلبسها أويحي بعد أن لبس شخصيات عديدة منها "الاستئصالي" و"صاحب المهمات القذرة"، والتي نفاها عن نفسه قائلا بأنه يمثل يد الدولة التي تطيع وتنفّذ، ليس أكثر.