يرى العقيد عمار بن عودة، أن من واجبه التأكيد على ما قاله في حواره مع جريدة "الشروق اليومي" في الذكرى ال60 لاندلاع ثورة نوفمبر 1954، وأنه قد آن الأوان لفتح نقاش جاد بشأن ترقية استخدام اللغة العربية، داعيا الجزائريين إلى التفكير في مستقبل أبنائهم اللغوي، لأن اللغة ترتبط بالهوية. بداية، قلت لي إنّك تريد أن تضيف شيئا بخصوص تعليم اللغة العربية في الجزائر، ماذا تريد أن تضيف؟ أردت أن أقول إنه حان الوقت لإثارة نقاش وطني جاد بشأن تعليم اللغة العربية في الجزائر، وإعادة النظر في مناهج التعليم التي خلقت أجيالا لم تتمكن لا من لغتها، ولا من اللغات الأخرى، فالحشو الهائل في البرامج التعليمية، وتشتيت القدرات الذهنية للطفل بتعليمه أكثر من لغة في سن مبكرة لم يعد بالفائدة على هذا الجيل، أنا أتابع وأرى أحفادي، وأرى الصعوبات التي يواجهها كل أبنائنا في تعليمهم. ونحن لم نعد في حاجة إلى الفرنسية. وعموما تعلم اللغة الأجنبية أصبح ممكنا مع تقنيات التعليم الحديثة في ستة أشهر، لذلك نحن في حاجة إلى قرار سياسي لننقذ لغة أجيالنا من التشويه، ولماذا لا نركز على العربية، ونؤخر تعليم الفرنسية أو أي لغة أجنبية يختارها التلميذ إلى مراحل متقدمة، ولم لا حتى الجامعة. ولمن يرون أن العربية ليست لغة العلوم، أقول إن الحضارة الغربية الحديثة نهلت من علوم العلماء العرب المسلمين. وهل يدرس اليابانيون أو الصينيون الفرنسية ليتعلموا التكنولوجيا؟ لماذا نستمر في الاختباء خلف التكنولوجيا والعلوم لفرض الفرنسية، إذا كان يلزمنا لغة أجنبية للتكنولوجيا فلغة العصر اليوم هي الإنجليزية، وأنا أوجه كلامي هذه المرة إلى الأولياء وإلى الجزائريين العاديين بعد أن وجهته في المرة الماضية إلى الرّسميين.
بغض النظر عن نفوذ "حزب فرنسا" الذي قلت إنه السبب في رعاية لغتها في الجزائر، كنت مقربا من الرئيس الراحل هواري بومدين، ما الذي حال دون نجاح مساعيه للتعريب؟ هواري بومدين، كان جادا في مسعاه للتعريب، من الإدارة إلى التعليم الابتدائي وحتى الجامعي، وطلب من كل الجزائريين مساعدته، وتأسّف كثيرا لأن من حوله خذلوه، فلا مزدوجو اللغة ساعدوه ولا المعربون، بل إنهم أتوا ببرامج مشوّهة. فمات غاضبا وأسفا عليهم. بمن فيهم بعض الشخصيات الوطنية التي كانت تبدي حبا أو غيرة على العربية في الجزائر. فالرجل شكّل اللجنة بعد اللجنة لإنجاح التعريب، وأدرك أن التعريب عن طريق المصريين أو العراقيين أو غيرهم لن يكون ناجحا، وأراد أن يعرّب بالاعتماد على الجزائريين، ليخلق فردا جزائريا خالصا، فالجزائر هي التي أنجبت البشير الإبراهيمي وعددا من خيرة علماء اللغة النابغين، غير أنه يجب ألا ننكر أن بومدين فشل في مسعاه لأن توجهه أصلا كان فيه تناقض، فهو من جهة أراد التعريب والأخلاق الإسلامية التي تتماشى مع شخصيته وتربيته وتعليمه الأصيل، ومن جهة ثانية وضع الميثاق الوطني لعام 1976 في أيدي لائكيين من أمثال جماعة بلعيد عبد السلام وبن يحيى وغيرهما... إضافة إلى أن شخصيته القوية جعلته يجد نفسه معزولا في هذا الجانب، فلا المعربون أفادوه، ولا المفرنسون.
الرئيس الشاذلي بن جديد حاول بدوره تعريب الإدارة، ما الذي أعاقه هو الآخر؟ الشاذلي بن جديد اصطدم برفض الكثير من المحيطين به تعريب الإدارة، رغم أن القانون مرر في البرلمان عندما كان مولود حمروش رئيسا للحكومة، فهذا الأخير لعب دورا في تراجع الشاذلي بن جديد عن المشروع ووضعه في الدرج. فقد همس في أذن الرئيس على هامش جلسة التصويت قائلا له بأن السفير الألماني احتج على قانون تعريب الإدارة، وأن ألمانيا ستقطع علاقاتها مع الجزائر في اليوم الموالي إذا طبق هذا القانون، على اعتبار أن القضية تتعلق ببقاء الحرف اللاتيني في الجزائر، مهما كلّف الأمر. وأنا أرى أيضا أن تعريب التعليم جزئيا لم يكن في صالح البلاد، وهنا أذكر قصة رسوب ألف طالب في امتحان الفيزياء للدخول إلى جامعة باب الزوار للتكنولوجيا في عهد حكومة عبد الحميد براهيمي (1986-1988) وكيف تندّر وزير التعليم العالي آنذاك، السيد عبد الحق رفيق برارحي، بذلك في اجتماع ترأسه براهيمي، قائلا: انظروا كيف أثبت المعربون فشلهم! فانتقدته في كلمتي وقلت له: هل تضحك على الراسبين أم على نفسك؟ هل ستتمكن أنت من تحليل مقالة للعقاد؟ بالتأكيد ستنال صفرا.. فهؤلاء الراسبون الذين تتحدث عنهم درسوا حتى البكالوريا بالعربية، كيف تريدهم أن يحلوا اليوم مسألة في الفيزياء باللغة الفرنسية؟ وقلت له إن هؤلاء الألف الذين تتندر بهم اليوم، سيبحثون عن أمثالك أولا إذا صعدوا يوما إلى الجبل.
تنبأت إذن بما حدث لا حقا؟ (العشرية السوداء) كثير من الذين صعدوا إلى الجبل في العشرية السوداء، لم يكملوا تعليمهم الجامعي بسبب الفرنسية، الأمر أشبه بمن تعلمه المشي ثم تقطع رجليه. كيف تدرّس طالبا باللغة العربية لأزيد من عشر سنوات ثم تصدمه بلغة لا يعرف عنها شيئا دون تمكينه من آليات تعلمها، خاصة في المجال العلمي؟ نعلم أن الطلبة الذين يذهبون للدراسة في الخارج يتلقون تكوينا في اللغة ستة أشهر على الأقل. ولا يبدؤون دراسة التخصص بلغة أجنبية مباشرة.
كنتم الحزب الحاكم ؟ هل فرضتم اللغة العربية داخله على الأقل؟ نعم حزب جبهة التحرير الوطني، كان يصر على فرض اللغة العربية في جميع تعاملاته وجلساته، رغم سعي بعض "المفرنسين" إلى تمكين الفرنسية داخل الحزب. وقد كان يتم إجبار بعض الوزراء على تقديم تقاريرهم بالعربية. لكن أنا أرى بأن الحرب على اللغة العربية ساهمت فيها شخصيات وطنية من حيث تدري أولا تدري، فطالب الإبراهيمي الذي كان رئيس لجنة فلسفة وأخلاقيات الحزب بمعية نائبه عبد الكريم سويسي، ومولود حمروش، قدموا ورقة كي تصوت عليها اللجنة المركزية للحزب وتصبح سارية المفعول، جاء فيها فقرة خونت الزوايا، وشخصيا رفضت الأمر وطلبت الكلمة، مطالبا بتفسير هذه الخيانة، وتساءلت من خانت الزوايا؟ الجزائر أم الدين، أم فرنسا ؟ فعلى حد علمي الزوايا هي التي حافظت على القرآن، واللغة العربية في الجزائر، وهي التي آوت المجاهدين منذ الأمير عبد القادر إلى بن عودة، وزيغود، وبن بولعيد، والعربي بن مهيدي وكل الثوار الذين سبقوهم من المقراني وفاطمة نسومر؟ فأمر الرئيس الشاذلي بحذف هذه الفقرة. مع العلم أنه لا أحد اعترض في البداية حتى الذين اغتاظوا.
ومن عرقل التعريب في عهد علي كافي؟ الجنرال نزّار وعلي هارون كانا أبرز المعارضين.