احتدم النقاش بعد رياح ما يسمى الربيع العربي حول التيار السلفي المدخلي وجذوره الفكرية وحقيقة أهدافه، بعد تخندقه ضد الثورات العربية ووصفها بالفتنة، فضلا عن الوقوف في صف الأنظمة والسكوت عن القضايا المصيرية في العالم العربي والإسلامي وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ينقسم المتابعون في تحديد تاريخ ظهور التيار السلفي المدخلي، ففي وقت يرفض أنصار التيار وأتباعه نسبتهم إلى تاريخ معين بعد زمن النبوة، فضلا عن تسميتهم بالمداخلة والجامية ملحقين هذه الأوصاف ب"الوهابية" التي أطلقها خصوم أئمّة الدعوة النجدية من أجل التنفير من دعوة التوحيد والزعم بأنّهم دين جديد جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بينما يذهب خصومهم بعيدا إلى التأكيد على أنّ التيار المدخلي هو في حقيقة الأمر امتدادا لما عرف في التاريخ الإسلامي ب"علماء السلاطين"، مشددين على أنّ القوم ينطلقون من نصوص مبثوثة في كتب التراث الإسلامي في الدعوة إلى طاعة ولاة الأمور وتبديع المخالفين والمنابذين للأنظمة وتثبيط الناس عن نصرة المستضعفين في فلسطين وغيرها باسم حرب الفتنة ودعاتها. "التنظير للدماء قبل التّمكين وللطاعة العمياء بعد التمكين" فريق آخر ينظر إلى أنّ التيار المدخلي هو امتداد "سلبي" للحركة الوهابية ولا يمكن بحال الفصل بين هذا وذاك، مشددين على أنّ الدعوة السلفية الوهابية ومنذ انطلاقها قبل قرنين اعتمدت على أسلوبين متناقضين في الترسيخ لهيمنتها، وهي الشدة مع المخالفين لها واستعمال أقصى وأعنف الأساليب لمواجهتهم مع اختيار ألينها وأكثرها تهوينا لمخالفات الحكام في سبيل الحفاظ على شرعيتهم، وهذا ما جمعه البعض في قوله "الوهابية قبل التمكين نظّروا للدماء وبعد التمكين للدولة السعودية قعّدوا للطاعة العمياء". انقسامات وصراعات أمّا الفريق الرابع فيعطي للتيار المدخلي أطر زمانية ومكانية ساعدت على ظهوره وانتشاره وأكثرهم يرفض ربط ما يرونه انحرافا في التيار بالدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب، مستدلين ببقاء الكثير من العلماء والدعاة والجماعات متمسكين بنهجه الأول بعيدا عن التيار المدخلي والمنظرين له، أمّا عن تاريخ الظهور فهو حسبهم يعود إلى أعقاب حرب الخليج الثانية، وما تبعها من ردّات فعل ساخطة على موقف النظام السعودي والسلطة الدينية في المملكة حيال الاحتلال الأمريكي للخليج العربي، فقد برز في ذلك الوقت مجموعة من طلبة العلم، خاصة منهم ممن احتمى ببعض قيادات الحركة الإسلامية كمحمد قطب وعلي جريشة، وعلى رأسهم سفر الحوالي وبشر البشر وسلمان العودة الذين رفضوا التدخل الغربي في العراق، وطالبوا بدل ذلك بحلول إسلامية إسلامية لرد العدوان العراقي على الكويت. وهذه كانت بدايات ظهور الفكر السلفي المدخلي كمجموعة من طلبة العلم المناهضين لتوجهات ما عرف حينها بدعاة الصحوة، واصفين إيّاهم بالفتنة وأنّهم يسعون إلى بث القلاقل في المجتمع برفضهم للتدخل الغربي ضد العراق، هذه المدّة وإن لم تعرف تنظيرا محكما للتيار المدخلي، خاصة بعد رفض كبار علماء السعودية حتى من أفتى بجواز الإستعانة بالكافر على الكافر كالشيخ عبد العزيز بن باز بالطعونات التي برزت في المدينة النبوية ضدّ عدد من الدعاة الرافضين لفتوى التدخل وكانت عبارته "حذّروا ممن يحذّر من هؤلاء" أي من يحذر من سفر وسلمان وغيرهم محور تهدئة للوضع، إلا أنّه وبصدور الأمر الملكي السعودي بسجن هؤلاء الدعاة انتقل التيار المدخلي إلى مرحلة التنظير وترتيب أوراقه ومعرفة حجمه وأهم الشخصيات التي تتبنى فكره، وكان القرعاوي ومحمد أمان الجامي وتلاميذهم فالح الحربي وربيع المدخلي أهم من شكّلوا شبه جماعة مستقلة غايتها حسبهم الحفاظ على"دولة التوحيد من الدعوات الوافدية التي تريد بث الفتنة والتحريض على ولاة الأمور". ومن هنا انطلقت حملة الكتابات في أهم المنظرين والجماعات الداعية للتغيير وفق طروحات لا تتوافق والنهج السلفي المدخلي، فكان أهم من بدؤوا به بعد الدعاة في داخل المملكة سيد قطب وحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، باعتبارهم أهم الوافدين على "دولة التوحيد" حسب وصفهم، ولأنّ التيار المدخلي وضع مجموعة من القواعد واللبنات الأولى لتحديد المتمسكين بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمّة حسب قراءاته فإنّه بقدر ما بدأت تنظيراته تتجاوز حدود المملكة إلى عدد من الدول التي تعاني توترات كالجزائر والسودان واليمن في تسعينات القرن الماضي، حيث انضم إليهم عدد من الدعاة الرافضين لسلوكيات الإسلاميين في تلك الدول كعبد المالك رمضاني من الجزائر وحسن المأربي من اليمن وغيرهم فإنّ الدعوة السلفية المدخلية عرفت بدايات فرز داخلي، حيث ظهرت إنقسامات حادة مع بداية الألفية بين كل من ربيع المدخلي وتلميذه أيمن حداد وقرينه فالح الحربي والطامحين في كل دولة إلى مناهج أكثر اعتدالا كالمغراوي في المغرب والعيد شريفي في الجزائر و حسن المأربي في اليمن وأنصار الدعوة المحمدية في السودان والسبت في الإمارات والحلبي في الأردن انتهت بانقسام الحركة إلى مجموعة متطاحنة يبدع بعضها بعضا وكل منها ترى أنّ الحق عندها دون سواها. مناصحة ولاة الأمور سرا و"شيطنة" معارضيهم علنا! أمّا أهم منطلقات التيار السلفي المدخلي وأسسه الفكرية، فهي حسبه الدعوة إلى تخليص دعوة التوحيد من شوائب الشرك والخرافات والبدع والتمسك بالهدي النبوي في كل كبير وصغير وجهاد أهل البدع والأهواء، وفضحهم والتشهير بهم من أجل أن يحذرهم النّاس مع الالتزام بجماعة المسلمين ومناصحة ولاة أمور المسلمين سرا، إلا أنّ لخصومهم قراءة أخرى أخذوها من واقع الحركة المدخلية، وما يرونه كيل بالمكاييل عندها فهي عندهم حركة تدعو إلى تفريق المسلمين، وبث الفتنة والبغضاء بينهم باسم السنّة والتمسك بها حيث انتشر الخزانة المدخلية بسلاسل تبديع لم تترك حتى بعض المقربين منهم لخلافات وجدت من القديم وعرف بينهم ألفاظ شديدة في التخبيث والشيطنة ووصف مخالفيهم بالكلاب العاوية والشياطين والزبالة وغيرها من الأوصاف التي تنتهي إلى جعل الحق منحصرا في طائفة تعد على الأصابع من الدعاة والباقي في دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. كما أنّ الدعوة المدخلية هي دعوة ركون إلى الظالمين وتهوين لأمر تحكيم غير الشريعة الإسلامية من الشرائع الجاهلية بإخراجها من باب التوحيد والشرك إلى أبواب المعاصي الصغرى، فضلا عن تأصيلهم حسب الخصوم للقعود دون النهوض بالأمّة أو التفكير بتغيير واقع الحال عن طريق تأصيل القوم لما قالوا بأنّ "وسائل الدعوة توقيفية"، الأمر الذي جعلهم يجرمون التحزب ويحرمون كل وسيلة تغيير كالإضرابات والمظاهرات وكل وسائل الاحتجاج باسم أنّها بدعية والاقتصار على منهج التصفية والتربية، وهو ما يحول دون التغيير في البلاد الإسلامية. كما أنّها حسب الرافضين لهم ولفكرهم دعوة لتخذيل المسلمين عن مواطن نصرة المستضعفين وقضايا الجهاد في فلسطين، باعتبارهم علقوا العديد من الأحكام الشرعية بالأنظمة الحاكمة التي ينتظرون منها أن تأذن لهم بنصرة المستضعفين، وهو ما يجعلها في درج التثبيط، في حين يحذّر آخرون من أنّ التقاء السلفية المدخلية بالسلفية الصحوية والحركية والجهادية في المرجعية الفكرية الوهابية والاستمداد من ابن تيمية وابن القيم تجعلها خندقا للولوج إلى تلك الحركات الموصوفة "بالتطرف"، وهو ما دعا عدد من العلمانيين إلى منعهم من المساجد باعتبار الكثير من أنصار التيار المدخلي قد غادروه بعد تورطه في عدد من المعارك ضد الشعوب في مصر وليبيا والسعودية بعد رياح الربيع العربي وتوجههم إلى جماعات أكثر راديكالية.
الباحث في الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي: المداخلة صناعة مخابراتية بامتياز يحملون شعار "الجرح والتجريح" لكل من يعارض أنظمة الحكم اعتبر الباحث في الجماعات الإسلامية الأستاذ نور الدين المالكي، أن ظهور السلفية العلمية كانت نتاجا للخلافات التي نشبت بين هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبعض الدعاة، عقب إفتاء الهيئة بجواز السماح للقوات الأمريكية بضرب العراق مطلع التسعينيات، متهما هذه الفئة بالحديث عن جهل وخدمة الأنظمة والمخابرات على حساب الدين. وأشار مالكي في ندوة "الشروق" حول موضوع السلفية، أن هناك ثلاثة مذاهب لهذا المنهج وهي السلفية العلمية والإصلاحية والجهادية، مبرزا أن هذه التيارات الفكرية ظهرت بحدة أثناء غزو القوات الأمريكية للعراق وما تبعه من انتقاد واسع لهيئة كبار العلماء المسلمين من طرف بعض الدعاة في المملكة على غرار سلمان العودة وعائض القرني وعلي القرني وغيرهم، على خلفية إفتاء الهيئة بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية الأمريكية لغزو العراق. وأفاد ذات الباحث أن الخلاف الشديد بين علماء البلاط السعودي وعدد من الدعاة، سمح ببروز التيار السلفي الحامل لراية "الجرح والتجريح" الجرح والتعديل والتصنيف لكل من خالف الموقف الرسمي، حيث تم تصنيف كل من وقف ضد فتوى الترخيص للقوات الأمريكية بالضلال وخارج التيار السلفي. وأضاف المتحدث أن المشكل بالنسبة للسلفية العلمية يتمثل في المغالاة في تجريح العلماء والدعاة، ليس لأسباب عقائدية مثلما كان الحال عليه في السابق وإنما تحول بسبب الغلو إلى تجريح خدمة لأغراض شخصية بسبب خلافات سياسوية بعيدة عن المعتقدات والأفكار، بدليل أن رواد هذا المنهج يصفون كل من يخرج عنهم بالهلاك. وانتقد المالكي، تفكير المداخلة الذين يمثلون منهج السلفية العلمية، الذي لا ينم حسبه عن معرفة ووعي وهدف، وإنما يقومون حسبه بالنقد وتثبيط كافة العزائم من دون القيام بأي بديل، متهما إياهم بالجهل والتكلم من دون علم، كاشفا عديد التناقضات والأخطاء التي ارتكبوها في حديثهم عن موضوع الدولة، مشيرا أن هذا المنطق غائب عن خطاباتهم بسبب تحريمهم للانتخابات وإنشاء الأحزاب وتضليلهم من يرفع السلاح لإنشاء الدولة الإسلامية. ووصف المتحدث رواد السلفية العلمية بصناعة المخابرات وكل من ينتسب إليه بالعملاء، بسبب دفاعهم المستميت عن الأنظمة الحاكمة وطعنهم في كل من ينتقد الحكام، على الرغم من المآخذ التي تتواجد عليها الأنظمة، مشيرا أن هذا التيار أضحى بيد الدول لمحاربة السلفية والإصلاحية ووأد كل محاولات للثورة ضد الحكومات.
عبد المالك رمضاني كاذب والسلطة استخدمته لضرب الفيس أطلق الباحث في الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي النار على عبد المالك رمضاني أحد مشايخ السلفية العلمية بالجزائر واصفا إياه بالمتحدث عن جهل، والعمالة للمخابرات من خلال كتابه "مدارك النظر"، كاشفا عن عديد المغالطات التي حملها. واعتبر المالكي أن عبد المالك رمضاني تطرق لكثير من المواضيع السياسية وهو يجهل مغزاها ولا يجيد معناها، بدليل -يضيف- المغالطات التي حملها كتابه "مدارك النظر"، حيث سجل عديد الأخطاء الكارثية بعدما اعتبر أن الدولة هي التي تشكل البرلمان، على الرغم من أن الأصح في الحياة السياسية أن البرلمان صنيعة تنافس الأحزاب السياسية في انتخابات تشريعية. وذهب لأبعد من ذلك حين اتهمه بالقول إنه صناعة مخابراتية، واصفا كتاب "مدارك النظر" ب "الكتاب الأمني" الذي استغل لوأد الحركات الإصلاحية، وما يفسره التشجيع الكبير الذي لاقاه من طرف السلطة التي سمحت بتوزيع آلاف النسخ منه على الشباب لثنيهم عن الالتفاف حول الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحلة) آنذاك. وقال المتحدث، إن المخابرات استغلت عبد المالك رمضاني لمحاربة السلفية الإصلاحية التي كان يقودها مؤسسو الجبهة السلامية للإنقاذ على غرار محمد السعيد وعلي بن حاج وغيرهما، لما كان لديه من إقبال ودعم جماهيري وكذا من طرف عديد العلماء. واتهم رمضاني ب"الكذب" حين قال: "إن الشيخ الألباني عاتب علي بن حاج"، مشيرا أن التسجيلات تؤكد "أن الألباني كان يجل ويحترم علي بلحاج ولم يعاتبه أبدا بل أكثر من ذلك كان يصفه بالشيخ"، وقال إن المداخلة كانوا يستغلون التيار السلفي بتصفية حساباتهم مع من يخالفهم، بدليل أن هيئة العلماء زكت كتاب عبد المالك رمضاني واعتبرته فرصة لنصح الدعاة الذين عارضوا فتوى جواز السماح للقوات الأمريكية باستغلال الأراضي السعودية لضرب العراق.. السلفية العلمية تظهر بظهور الأزمات وتختفي باختفائها أجمع المشاركون في ندوة الشروق على أن السلفية العلمية وليدة الأزمات، فأول ظهور لها كان أثناء حرب الخليج، إذ أفتى بعض علماء السعودية بجواز تدخل أمريكا ضد الكويت، على أن تكون السعودية ضمن المشاركين تحت قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهنا ظهرت السلفية بعد خروج الكثير من العلماء ضد فتوة شيوخ السعودية أمثال ابن الباز والعثيمين، معتبرين أن الأمر خطير فلا يجوز أن يتولى كافر أمر المسلمين أي أن الجيش السعودي لا يجب أن يكون تحت قيادة أمريكا، فمن هنا ظهر مشايخ السلفية العلمية.
الناشط السلفي محمود حديبي للشروق: هذه هي أسباب الفتنة والتنابز بين التيارات السلفية نحن نعتمد الحجّة العلمية ولا نرى تناقضا بين السلفية والمذهبية الفقهية يرى الناشط السلفي محمود حديبي أن أهم تجليات الصراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول، ويقول إن السّلفية العلمية هي التيار الأكثر اعتدالا وهو يدعو إلى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية ونعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي عند العلماء الذي نذمه وبين تمذهب العوام الذي نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي. ما مفهوم السلفية لديكم؟ المراد بالسلفية بالدرجة الأولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه، ولا يقصد قول كل واحد منهم، بل المقصود هو اتفاقهم، وإن اختلفوا فالناس تبع لاختلافهم لا يحدثون أقوالا تهدم فهومهم لاستحالة خفاء الحق على جميع الأمة، والأصل أن هذا الحد محل اتفاق بين المسلمين لا ينازع فيه أحد، فالحاصل فكرة السلفية هي أنها وسيلة لضبط التنازع التأويلي الذي سيحدث في فهم الكتاب والسنة. هذا تعريف السلفية كمنهج يجب أن يفرق بينه وبين التحقيقات التاريخية للسلفية (وهي المجموعات التي وجدت عبر التاريخ تحاول أن تصيب ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذه الجماعات ليس لأحد منها أن يدعي أنه أصاب بتمام ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل غاية دعواه أنه يحاول أن يصيب. فإن كان ذلك فالأصل أن نقد السلفية لا يكون لنقض هذا الأصل، بل انتقاد صحة نسبة السلفية إلى السلف قولا وفهما وتطبيقا. لكن بعض المتابعين يفرقون بين السلفية، الجهادية والإصلاحية والعلمية المدخلية إلى اي سلفية اذا صح التعبير تنتمون؟ السّلفية المعاصرة جماعة إسلامية تضم عدة تيارات متباينة في منهجها الدّعوي والسّياسي يجمعها الانتساب إلى السّلف الصالح، وقصدهم من الانتساب إلى السلف اعتبار طريقتهم في إثبات النصوص وفهمها واستخراج دلالتها، وعليه فإنها تأنف من العلوم المستجدة، خاصة العلوم العقلية، وترى أن الدعوة الإسلامية يجب أن تقتصر على تبليغ النصوص النبوية الصحيحة دون الدخول في الجدليات الكلامية والعقلية وأن يتقيَّد المسلم في فقهه وسلوكه على ما صحت به أحاديث السنة. وهي واقعيا عبارة عن ثلاثة تيارات تنقسم بدورها إلى مجموعة اتجاهات تشترك في الانتساب للسلف وفي مسائل العقيدة في التوحيد العملي وفي الأسماء والصفات والقدر وغيرها، وتختلف اختلافا شديدا في مسائل الأسماء والأحكام، خاصة في مسألة التكفير. والخلط الواقع بين السلفية كمفهوم وبين تحققها كممارسة عند السلفيين أنفسهم هو الباعث الأساسي على التنافس بينهم حول امتلاك التأويل الصحيح للدين الأول الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، أي كل تيار يريد جعل نفسه الشكل المعياري للسلفية مما ولد بينهم تنازعا على احتكار هذا الاسم ولهذا فإنك ستجد أن كل واحد من هؤلاء الذين ذكرت يعترض على صحة انتساب غيره للسلفية من الأساس. وأهم تجليات صراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول. فإذا انضاف إلى هذا ضخامة التحديات مع حالة النقص العلمي والفكري العامة مع البغي والاستطالة مع غياب السلطة التي تخلف النبوة وتنزع فتيل الفتن اكتملت أضلاع المربع الذي يؤدي لعدم تأطير هذا الخلاف بما يحول دون تحوله لفرقة وفتنة. ونحن في العموم ننسب أنفسنا لتيار السلفيين الواسع الأكثر اعتدالا نرى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية، نعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي عند العلماء الذي نذمه وبين تمذهب العوام الذي نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي، كما نفرق بين التصوف السني والتصوف البدعي، وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية معظما في كتبه للشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أبي مدين دفين تلمسان والشيخ عدي، يراهم من العارفين الربانيين، فنحن نفرق بين التصوف السني والتصوف البدعي الفلسفي الكشفي تصوف أصحاب وحدة الوجود. ونرى أن علم السلوك علم مهم في إصلاح الأمة ويمثل حقيقة التوحيد العملي. كما أن موقفنا من الأشاعرة أكثر اعتدالا، نعتبرهم من أئمة الإسلام وعلماء الأمة، نخالفهم في مسائل الأسماء والصفاة وغيرها، لكنها نثمن خدمتهم للقرآن والحديث النبوي والمساهمة العلمية والدور البارز لعلماء وملوك الأشعرية في صد المد الشيعي. إذا كان هناك السلفي، فهناك غير السلفي؟ من هو غير السلفي بالنسبة لديكم؟ وما حكم من لا يكون سلفيا؟ السلفية عندنا مرادف لمصطلح أهل السنة والجماعة، وعليه فغير السلفي عندنا هو من كان في منهجه خارجا عن طريقة أهل السنة والجماعة، فالواجب على جميع المسلمين أن يكون مذهبهم مذهب السلف، لا الانتماء إلى جمعية أو حزب معيّن يسمى السلفيين. ومن كان خارجا عن مسمى أهل السنة والجماعة من الطوائف فإننا لا نقرهم على ما فهم فيه من البدعة وندعوهم للحق الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليه أصحابه والتابعون لهم بإحسان، ونحن مع ذلك نحب لهم الخير والهداية ونحفظ لهم حق الإخوة الإيمانية، وموقفنا منهم لين وشدة هو بحسب بعدهم وقربهم من السنة فمعلوم أنّ الفضل يتبعّض كما أنّ الإيمان يتبعّض، فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا واستحبابا وتحريما وكراهة، ومعلوم أنّ السنّة أبواب وأصول وأنّ الرّجل أو الجماعة قد يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ في الجملة وفي أغلب الجوانب، لكنّهم يكونون في الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في جانب أو جانبين، فلا يقضي خطؤهم على صوابهم ولا يحول صوابهم عائقا في طريق بيان خطئهم. لما أسهم ما يسمى بالسلفية العلمية موجهة جلها للتيار الاسلامي الذي يمارس السياسة ويؤمن بالانتخابات؟ وممنوعة على العلمانيين واللادينيين؟ الخلافات الحاصلة بسبب تقاطع مناطق النفوذ والنشاط والتنافس على نفس الشرائح العمرية من المخاطبين مع علو الصوت لبعض الغلاة في التيار السلفي يشعر بالنقاوة العقائدية والزهو بالنفس واحتكار الصواب المطلق وغمط ما عند الآخر من الحكمة والخير. وإلا ففي طوائف السلفيين الأخرى مواجهة للتيار العلماني تختلف في شدتها ولينها باختلاف المنطلقات العقدية في باب الأسماء والأحكام لكل فصيل من فصائل السلفيين، بل إني أزعم أن أكثر من يرد على العلمانيين واللادينين تأليفا وتدريسا أو على المواقع الالكترونية هم السلفيون، بل إن الإخوان أنفسهم مع أنهم على نقاط الاشتباك مع تلك التيارات العلمانية لا يجدون ظهيرا شرعيا في مواجهتم مع هؤلاء في الواقع إلا الاستناد للإنتاج العلمي للسلفية الحركية.
الشيخ سليم محمدي "دعوا إلى توحيد الأمة فتفرقوا إلى 300 فرقة" اعتبر الشيخ سليم محمدي أن السلفية في عمومها صواب لكن في مضمونها هناك أخطاء، كانت السبب في تشويه صورة الإسلام نظرا لقيامها على تصور خاطئ. وقال المتحدث في اتصال ل"الشروق" أنه من بين أهم مساوئ السلفيين أنهم يقومون على الحجر في الرأي ومعاداة الآخرين ومهادنة السياسيين، وهذه الأمور غير مقبولة في الإسلام، وكل هذه الخصال هي من صفات السلفيين. وأضاف محمدي أن السلفية تدعو إلى إلغاء مذاهب الأئمة الأربعة واتباع مذهب واحد وقال إن هذا الأمر جميل لكن أين هم من التوحيد، إذ هم أنفسهم تفرقوا إلى أكثر من 300 فرقة، فأين الإجماع الذي ينادون به؟ وبخصوص اكتساحهم للمساجد في الجزائر قال الأستاذ "هم فعلا اكتسحوا المساجد في الجزائر لكن ليس لأنهم على حق، بل الأمر راجع إلى مظهرهم الخادع من إطلاق اللحى واللباس القصير والبقاء أمام المساجد، فمن خلال هذه الأمور التي يفعلونها خدعوا العوام من الناس"، لكن الكثير من تصرفاتهم جعلت الكثير من الناس يحملون الإسلام أفعالهم. وعاد الشيخ إلى منهجهم الذي قال عنه إنه في ظاهره صواب لكن مضمونه خاطئ تماما، وحسب الشيخ فإن السلفيين يعتقدون أنهم هم الإسلام والباقون لا يعرفون الإسلام على حقه، وبالتالي وجب اتباعهم، لكن هم على خطأ ووجب تصحيح الأمر لهم.
إمام جامع الأمير عبد القادر شوقي أبو حرم السلفية المدخلية جانبت الصواب وتضليلها لسيد قطب في حد ذاته ضلال؟ وصف الدكتور شوقي أبو حرم، إمام جامع الأمير عبد القادر بقسنطينة، السلفية المدخلية الوافد الجديد على الفرق الإسلامية، بالمجانبة للصواب في الكثير من القضايا، واعتبر الكتاب الذي تفضل به الشيخ محمد عباد البدر أحسن رد على أفكارها، خاصة صيحته المدوّية: رفقا أهل السنة بأهل السنة، حيث رأى أنه بإمكان أهل السنة أن يُخطّئوا بعضهم بعضا، لأن الإنسان ليس معصوما من الخطأ ولكن لا يجب تضليل بعضهم بعضا، كما تفعله السلفية المدخلية التي لا حديث لها سوى "هذا ضال وذاك مبتدع"، ونسيت نفسها. وتساءل الشيخ أبو حرم كيف يقذف "المدخليون" جماعة الدعوة والتبليغ بالضلال والشِرك، ويقذفون كل الإخوان المسلمين من دون استثناء بالضلال بمجرد أنهم تحزبوا وشاركوا في عالم السياسة، في مصر والأردن وبعض البلاد الإسلامية، والطامة الكبرى -حسب الدكتور أبو حرم- أن التضليل طال الأفراد من علماء ثم الجماعات، ولم يستثنوا السيد قطب الذي أفنى عمره من أجل الإسلام والقرآن الكريم ويعتبر تفسيره من أشهر التفاسير، واعتبر الدكتور أبو حرم ردود العلماء على المدخليين أحسن وسيلة لإيقاف نفوذهم الفكري الطاغي على الساحة المشرقية والجزائرية، ومن بين العلماء ما كتبه الشيخ بكر أبو زيد الذي ذكر مُبتدع المدخلية الشيخ ربيع بن هادي مدخلي، بالأسلوب الراقي الذي فسّر به السيد قطب القرآن الكريم في تفسيره الشهير في ظلال القرآن مقارنة بالأسلوب الركيك الذي لا يرتقي لمستوى الإعدادي الذي يكتب به الشيخ ربيع بن هادي مدخلي. كما خاض في الأمر أيضا الإمام القحطاني وأفحم المدخليين بإجاباته الشافية والكافية، وتكمن أخطاء الشيخ ربيع الهادي مدخلي، كونه تخصّص في علم الحديث من دون أن يسير على نهج البخاري مثلا، فجاء بأفكار غريبة لم يستحسنها علماء المملكة العربية السعودية أنفسهم، إذ صار يُبدّع الناس ويُضللهم لمجرد أخطاء بسيطة، ويقتص وأحيانا يتبّع عورات العلماء، وكأنه مختص في أخطاء الناس وليس في حسناتهم، ولم يسلم منه الشيخ الغزالي رحمه الله، وكان كتابه أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره، كاشفا لهذا الشيخ الذي للأسف وجد أتباعا صار بعضهم يقارنه بعالم الحديث الأول الإمام البخاري وحاملا للواء الجرح والتعديل. وفي الوقت الذي يسيرون معه في تضليل العلماء بمجرد ارتكابهم لخطأ صغير، يبحثون للمدخلي عن المبررات في حالة ارتكابه الأخطاء الكبيرة، فنمت مملكته وامتدت من المملكة العربية السعودية، وبلغت الجزائر، ويكاد يكون كل سلفيي الجزائر من تابعي هذا الرجل الذي ربما اجتهد ولكنه أخطأ كثيرا.
الدكتور الحاج همال يكتب: الجامية أو المداخلة.. "حاملة للواء الجرح والتجريح وأكثر أتباعها من الهمّج الرّعاع" شهِد العقدُ الأخيرُ من القرن العشرين أحداثًا نوعية في أكثر من منطقة من العالم، وكانت حربُ الخليج الأولى أهمّ حدث عرفته المنطقة العربية، بحكم ما كان لها من تداعيات إقليمية وعالمية، ومن بين أهمّ تلك التّداعيات الممانعةُ الشّديدةُ الّتي تعرّضت لها المملكة العربيّة السّعودية، من طرف نُخبة من أهل العلم والرّأي والتّأثير العام في الممكلة، إزاء موقفها من مشروعية الاستعانة بالقوّات الأمريكية أمام الغزو العراقي المحتمَل على بلادها. لكن وزارةُ الدّاخلية السّعوديةُ استطاعت احتواء الموقف بمعاقبة الأطراف المتسبِّبة في هذه المعضِلة، من خلال الاستعانة بنخبة دينية أخرى كانت تردِّد التّحذير من الأطراف الأولى، وتوجِّه لها تهمةَ التأثُّر بأفكار وتوجّهات خارج التصوُّر والنّظام السّلفي الّذي تتبنّاه تقاليدً المملكة، ومن أهمّها مخالفةُ الأطراف الأولى لأصل من أصول السّلفية المتمثِّل في عدم الاعتراض على سياسة وليّ الأمر أو معارضة النّظام، وهذا الأصل وإن كان محلّ قبول ورضًا في مجْمله وعمومه، لما يترتّب على مراعاته من المصالح العامّة والخاصّة، إلاّ أنّه يقع الاختلافُ في تفاصيله وأجزائه ومتعلَّقاته، من مثل اختلاف درجات المسموح بإعادة النّظر فيه من سياسة السُّلطة، واختلاف النّظر إلى المخالفين لسياسة وليّ الأمر، وهو ما حدث في الأزمة السّعودية، حيث انحصر الموقف الدّيني الرّسميّ في إيقاع العقوبة على المخالفين لموقف وليّ الأمر، في حين وقف الطّرف الثّاني موقفًا متشدِّدًا من الأطراف المخالفة وراح يُخرجُها من الشّرعية السّلفية، وجعل معيار الانتساب إلى السّلفية دائرًا على التّسليم لوليّ الأمر، فكلُّ من ظهر منه نقد لسياسة المملكة يتناوله سيفُ الإقصاء والإهدار مهما كانت منزلتُه وفضلُه وحسناتُه. وهنا ظهر منهج الموازنة الّذي تزعّمه بعضُ المشايخ؛ أمثال الشّيخ محمّد أمان الجامي والشّيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهما مدرّسان بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوَّرة، ويقوم المنهج الّذي يطرحانه على التّحذير من المنكرين على سياسة وليّ الأمر ونعتهم بالخوارج، والتّشهير بهم على الملإ محافظةً على أصل الدّين، وأصلُ الدّين هو التّوحيد والسنّةُ، والدّولة قائمة بهذا الأصل خير قيام بل هي المؤسّسة له والرّاعية له والمحافظة عليه، فلا يضرّها ما وقع من تقصير في جوانب أخرى، كما أنّه ليس من المصلحة الدّينية الإشارةُ إلى هذا التّقصير لما يتسبّب فيه من إضعاف عزائم الدّولة في المحافظة على أصل الدّين. وبعيدًا عن الانتقادات الّتي يمكن أن توجَّه له، فإنّ أكثر الوجوه الدّينية والعلمية من داخل المملكة السّعودية وخارجها، منكرون لسلوك أفراد هذا التيّار غير راضين عن ممارساتهم، وأكثر من ذلك، وهو أحدُ أهمّ معايير الانحراف الّذي يميِّز المجموعاتِ المتكتِّلة، هو ما يقع بين أفرادها من تبادل التُهم والرّمي بأبشع عبارات الجرح، وهو ما يميِّز بوضوح هذا الاتّجاه الدّيني الّذي يدّعي حمل راية الجرح والتّعديل، والواقع أنّه يحمل راية الجهل والتّجريح، فأكثر أتباعه من الهمج الرّعاع الّذين لم يتأدّبوا بالعلم والدّين، وما يغترّون به من وجود بعض الفضلاء بينهم، لا يعدو أن يكون من أخطاء العالم الّذي يعود عنها عندما تحاصره الأدلة والبيّنات، أمّا المفتونون به فلا يعودون إلى عقولهم ولو رأوا الله عيانًا؛ لأنّ مشكلتهم نفسية قلبية وليست علمية عقلية.
سلطان بركاني يكتب: كلمة إنصاف في زمن التعصّب والإجحاف السّلفية المدخليّة دون ما يزعم أتباعها وفوق ما يروّج خصومها السّلفية المدخلية ليست طائفة مارقة ولا جماعة ضالّة منحرفة كما يروّج بعض خصومها، وهي في المقابل، على خلاف ما يزعم أتباعها، ليست جماعة معصومة، والحقّ لا ينحصر في أدبياتها ولا بين منظّريها وعلمائها، وأتباعُها بينهم العالم والمتعلّم والجاهل، وبينهم المحسن والظّالم لنفسه، أصابت الحقّ في كثير من القضايا والمسائل والمواقف، وحادت عن الصّواب ومالت إلى الغلوّ في مسائل منهجية وعلمية وعملية كثيرة، اعتمدت فيها على أقوال شاذّة أو اختيارات مرجوحة أو مواقف فردية لا يصحّ أن تتّخذ منهجا. مآخذ في الأدبيات والممارسات لعلّ من أبرز المسائل التي شذّت فيها السّلفيّة المدخليّة عمّا عليه جماهير الأمّة، مسألة طاعة ولاة الأمر، حيث حرّم منظّروها الحديث عن أخطاء الحكّام وجناياتهم في حقّ الإسلام وخيانتهم لقضايا المسلمين وتحالفِ بعضهم مع الأعداء والمحاربين، في مقابل شنّ حملات التّبديع والتّصنيف في حقّ العلماء والدّعاة الذين يخالفونهم في هذه المسألة بل وفي بعض المسائل الاجتهادية التي يُفترض ألا يصل الخلاف حولها إلى البراء والمفاصلة، ولهذا وصفهم بعض العلماء بأنّهم "مرجئة مع الحكّام، خوارج مع العلماء والدّعاة"، هذا فضلا عن تصدّيهم للتّحذير من معارضي الأنظمة وتخوينهم ووصفهم بالخوارج ومثيري الفتن، في مقابل سكوتهم المطبق عن الفتن التي يُذكيها الحكّام بتحالفهم مع أعداء الأمّة وتنفيذهم لمخطّطاتهم، واستفزازهم لمشاعر المسلمين بالتّضييق على شعائر الدّين والسّماح بالإساءة إلى المقدّسات والطّعن في المسلّمات؛ وقد بلغ الغلوّ في طاعة وليّ الأمر ببعض منظّري السّلفية المدخليّة إلى حدّ القول بصحّة ولاية الحاكم المتغلّب الذي يتسلّط على الأمّة بالقوة أيا كانت منطلقاته وأهدافه، وإلى حدّ ربط وجوب الجهاد لدفع الأعداء ونصرة المسلمين بإذن ولاة الأمر، كما حرّم كثير من علماء هذه الطّائفة المظاهرات والاعتصامات بحجّة أنّها خروج على الحكّام وأنّها من أسباب إثارة الفتن وإسالة الدّماء، وسكتوا في المقابل عن الحكّام الذين يقمعون تلك المظاهرات والاعتصامات ويسيلون دماء المنضمّين إليها، مع أنّ قوانينهم لا تمنعها، كما حرّم كثير من منظّري السّلفيّة المدخليّة إنشاء الأحزاب والنقابات والتنظيمات الطلابية، ومنعوا التّعاون مع بعض الجمعيات الإسلاميّة، بحجّة أنّ الانضمام إليها والتّعاون معها من التحزّب المحرّم. كما يؤخذ على أتباع هذه الجماعة موقفُهم السّلبيّ المتخاذل إزاء كثير من قضايا الأمّة المعاصرة، رضوخا لخيارات حكّام وأمراء الخليج المتناغمة في أكثر الأحيان مع الإملاءات الغربيّة، ومعاداتُهم لجماعات العمل الإسلاميّ ورفضُهم التّعاون معها في قضايا الدّين والأمّة، بل وتحالفهم في كثير من الأحيان مع جهات علمانية رسمية أو غير رسمية ضدّ بعض الجماعات الإسلاميّة الأخرى، كما حصل في مصر وليبيا. كما يستنكر بعض العلماء على منظّري السّلفية المدخلية تسبّبهم في فتنة المسلمين بتوسّعهم في مفهوم البدعة، حتى أدخلوا فيها كثيرا من المسائل الخلافية، كالاحتفال بالمولد النبويّ، ودرس الجمعة ورفع اليدين بالدّعاء بعد الصّلاة وقنوت الفجر وحمل العصا على المنبر، وغير ذلك من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، كما يؤخذ عليهم أيضا تضييقهم في بعض المسائل الفقهية كتحريم التّصوير والأناشيد الإسلاميّة وإسبال الإزار لغير الخيلاء ومنع إخراج زكاة الفطر نقدا. خصوم السّلفية.. بين الغيرة على الدّين وخدمة المشاريع المشبوهة خصوم السلفية المدخليّة ليسوا سواءً؛ فمنهم من يخاصمها إحقاقا للحقّ ونصرة للدّين، ولا تدفعه خصومته إلى إنكار ما معها من الحقّ والخير، ومنهم من يخاصمها نصرة لمذهب أو جماعة أو حزب، فيمنعه تعصّبُه الإنصافَ في الحكم عليها، ومنهم من يخاصمها خدمة لمشاريع مشبوهة، تريد أن تجد لها موطئ قدم في بعض بلاد الإسلام، وتسعى جهدَها لإسقاط السلفية التي تحُول بينها وبين تحقيق أهدافها، ويأتي على رأس هذه المشاريع المشروعُ الشّيعيّ الصّفويّ الذي أدرك منظّروه أنّ السّلفيين بمختلف طوائفهم هم أكثر المسلمين تحمّسا للدّفاع عن سلف هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة العاملين، وأكثرهم إنكارا للعقائد الباطنية والقبورية التي تشكّل حجر الأساس -أدبيا وماليا- في هذا المشروع، كما أنّهم أيضا من أكثر طوائف المسلمين معرفة بعقائد الشّيعة واطّلاعًا على مصادرهم، وما تحويه من شذوذات لا تقبلها فطرة ولا يقرّها دين ولا عقل. السلفيون ليسوا معصومين ومن حقّ الدّين وحقّهم علينا أن ننصح لهم بما يقتضيه المقام، لكنّ ذلك لا يبيح لنا أن نتنكّر لدورهم في التصدّي للفتنة الباطنية والمدّ الشّيعيّ، وقيامهم بالواجب الكفائيّ في الذّود عن مصادر الإسلام، والدّفاع عن حقّ الله في أن يدعى ويستغاث به وحده، وحقّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أن يكون المتبوعَ الأوّل، وحقّ الصّحابة المرضيين والخلفاء الرّاشدين والهداة الفاتحين في أن يُعرف لهم فضلهم وتحفظ مكانتهم. إنّه ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن نسعى إلى إسقاط السّلفيين لصالح من هم أكثر شططا وغلوا منهم؛ ونستنكر أخطاءهم ونسكت عن شنائع غيرهم؛ فليس من العدل مثلا أن نُنكر على السلفيين غلوّهم في تصنيف وتبديع مخالفيهم من العلماء والدّعاة، ونسكت في المقابل عن تكفير الشّيعة للصّحابة المرضيّين والخلفاء الرّاشدين وأمّهات المؤمنين وللمسلمين الذين لا يؤمنون بالإمامة الشيعية التي تقتضي عصمة الإمام من السّهو والنّسيان وعلمه الغيب، وتقتضي تكفير من لا يؤمن بالإمام الثاني عشر الغائب منذ 1176 سنة، وليس من العدل أن نسوّي بين من طلب الحقّ فأخطأه وبين من طلب الباطل فأدركه، وننشغل -بصورة مريبة- بتتبّع أخطاء وسقطات السلفيين، ونسكت عن طوامّ الشّيعة، مع أنّه ما مِن خطأ وقع فيه السّلفيون إلا وعند الشّيعة ما هو أشنع وأفظع منه، وعند الشّيعة من الطوامّ ما لا نظير له عند أيّ طائفة أخرى من طوائف أهل القبلة.