منذ وقت وأنا أحاول بلورة أفكار مخصوصة في الحديث عن قضية كبيرة هي قضية الجامعة عندنا في بلدنا؛ ذلك أنها موضوع ذو آثار مباشرة على مستقبل الوطن في العقود القليلة القادمة؛ وحيث إنها كذلك، فإنه من قلة المسؤولية والاستهتار، وربما حق لي أن أقول إنها من الإهمال المعاقب عليه، أعني السكوت عن مثل هذا الوضع الغريب الشاذ الذي هو وضع الجامعة على وجه التحديد. إن الجميع يتفق على أن المسألة بلغت مستويات قياسية في الضعف والتردي، ولكن قلة، بل أقل من القلة من يصدع بالأمر ويجاهر به كتابة أو في المجامع العامة وهو أضعف الإيمان. وأنا أحب هنا أن أشير إلى ملامح من الإشكال الخاص بضعف التكوين وهوان الإعداد لقادة المستقبل. من الملاحظ بشكل واسع، لدى طلاب الجامعات عندنا، بالأخص في أدائهم الكتابي (ملخصات الكتب، العروض، البحوث، وإجابات الامتحان بشكل خاص... الخ) ذلك العجز الفاضح الملموس في كل ما له علاقة بالكتابة؛ في مناحي الكتابة كلها؛ من الخط الرديء السيئ.. إلى التراكيب الغريبة، إلى الأخطاء الفادحة في القواعد البسيطة، وأخطاء أخرى أفدح في نِسبة الأقوال والنصوص إلى أصحابها، وعدم التمييز بين القرآن والحديث النبوي والحكم والأقوال المأثورة... إلخ. غير أن هناك ما يلفت النظر أكثر في جانب الكتابة نفسها، وأعني به الجانب الخاص بالكتابة الصحيحة للكلمات والألفاظ، أي الرسم الإملائي. وبالنظر إلى شيوع هذا الأمر؛ حتى إنه من الصعب أن تجد في كلية أو قسم أو شعبة ما يخلو من تلك الأخطاء، لدى أعداد وفيرة من الطلاب والطالبات، ما يعني أنها أصبحت ظاهرة لعمومها واتساع رقعتها. وقد عكس ذلك صورة انحدار وتضعضع جامعي عام، أصاب الجسم الجامعي بضعف مقزز، وألبسه لبوس التراجع والتقهقر؛ ذلك أن مثل هذه الأخطاء لم تكن موجودة في السنوات العشرين الماضية، وإن وُجدت فبشكل باهت وخفيف، وفي الكليات العلمية. أما الآن فالأمر عام وشائع في سائر الكليات، بما فيها كليات الآداب والعلوم الإنسانية أو كليات الآداب واللغات. بالطبع هناك أسبابٌ كثيرة ومتعددة ساعدت على شيوع واتساع هذه الظاهرة الخطيرة، وهي أسباب متشابكة ومتداخلة، يشترك فيها كثيرٌ من الأطراف المعنية بالعملية التعليمية، وفي مستويات تعليمية وتكوينية مختلفة، بدءا من التعليم الابتدائي وانتهاء بالتعليم الجامعي، من المنهاج، البرنامج، الأستاذ، التلميذ، الطالب، طرائق التدريس، التصورات العامة، الإدارة، الجو التربوي والعلمي، الجو العام، أعاصير ورياح العولمة الترفيهية... وما يعنيني في هذه العجالة هو رسم صورة عامة عن هذه المصيبة، ومن ثم التباحث في شأنها من خلال مقترحات وتصورات شتى. ومن خلال الاستعراض الوجيز لحقيقة الأمر ستتضح الصورة، وسيبدو الأمر على المباشر- كما يقولون- فلنتأمل هذه الحزمة من الأخطاء، ولنبحث، بعد ذلك، في أسبابها وكيفيات تجاوز هذا الدرك الذي انحطت وانحدرت جامعاتنا ومؤسساتنا إليه. صدق أولا تصدق: - هل يصدق أحد أن طالبا أو طالبة في الثانية جامعي يكتب: "تقدمت" هكذا "تقدمة"، وما يثبت أن كاتبها أو كاتبتها يكتبها كذلك بالفعل وليست سهوا أو خطأ عن غير انتباه أنه كررها ومثيلاتها أكثر من ست مرات. وإليكم نماذج عن الأخطاء الإملائية التي تزدحم بها كتابات الجامعيين. - الضهر: الظهر، سواء كان الظهر من جسم الإنسان، أو صلاة الظهر .- الرأية: الرؤية .- مرءاة: مرآة. - الضلم: يعني الظلم.- القنوت: القنوط.- مقتدى: مقتضى.. كأن نقول: مقتضى الحال، فيكتبها: مقتدى الحال... - الضواهر: الظواهر...- تخلوا: تخلو. مثال واقعي: لا تخلوا الحياة من الضلم.- تأدي: تؤدي.- الفظيلة: الفضيلة.- المريء: المرء -بدءت: بدأت: --لديا: لدي، لكي: لك -إليا: إلي -السبغة: الصبغة.- الإضغام: الإدغام، (ولنسأل هل يعرف معناها؟)-الأتاوت: الأتاوة، جمعها: أتاوات -أضن: أظن.- أرجوا: يكتب لك مثالا: أرجوا من الله العالي العظيم... (العلي العظيم)- شيأ فشيأ: شيئا فشيئا.- الاجابي: الإيجابي.. -مصرور: مسرور.- أتمن: أتمنى..- آضهرت: أظهرت.- إنشاء الله: إن شاء الله (للحق هذا خطأ يقع فيه كثيرون وكثيرات حتى من غير الطلاب.. كبعض الإعلاميين والصحفيين)..- دعى: يقصد دعا، يدعو...- تهدء: تهدأ..- هاذه: هذه - بنسبة إليا: بالنسبة إلي..- إظافة، إظافات: إضافة، إضافات - منطقة الأصرار: يقصد: منطقة الأسرار.- مأذنة: مئذنة. مساءا: مساءً - عصى: عصا - الثرا: الثرى، التراب- حين إذن: حينئذ - بناءا على: بناءً على..- اللذي: الذي -اللتي: التي -اللذين: الذين- مسطلحات: يعني مصطلحات - سليقتا: سليقة، (من السليقة)- ألئك: أؤلئك. أهنئكي: أهنئك..-اصدقكي: أصدقك- أحبكي: أحبك (ورد هذا حين طُلب من الطلاب كتابة تهنئة للأم: أهنئكي وأحبكي ياأمي.-بدء: بدأ - البدأ: البدء ومثله، البطأ، والدفأ، وما هو على شاكلته.. الدفء، البطء..- أيظا: أيضا... وحتى أزيد الأمور إيضاحا هذه عينة من أغلاط الطلاب والطالبات في سنة ما قبل التخرج أي والله... وقد عاينتُ هذا بنفسي في حراسة امتحان. وكنتُ أقرأ بعض إجاباتهم بعد تسليم الأوراق والخروج من الامتحان.- استصاغه استصاغة: المقصود: استساغه، والمصدر استساغة- مقروءيتها: مقروئيتها.- القارء: المقصود: القارئ. - الضلام، الضلمة: يعني الظلام، والظلمة... ولو تتبعنا الأغلاط وحاولنا جمعها والإشارة إلى نسبة منها على الأقل لما كفتنا صفحات وصفحات، ولاحتجنا إلى مجلد متوسط الحجم نسجل فيه تلك الأغلاط الغريبة والمخزية، وعلى غرار ما فعله الأستاذ الكبير محمد العدناني في كتابه المعروف عن أغلاط المعاصرين، ومثلما فعله غيره عن أغلاط الإعلاميين والكتاب والأدباء. والحق أن المسألة في حاجة إلى اهتمام مخصوص؛ فهي لا تقف عند حد العجز في الأداء الكتابي بالعربية فحسب، ولكنها تمس أيضا الكتابة باللغات الأخرى، وبالأخص الإنجليزية والفرنسية، كما عرفتُ ذلك من زملاء وأساتذة في أقسام الإنجليزية والفرنسية والترجمة، والفيزياء، وعلوم الطبيعة والحياة... وأيضا لأنها، أي مسألة العجز، لا تقف عند الأداء الكتابي الذي أشرنا إلى ناحية وجيزة بسيطة فيه، إنما تتعداه إلى الأداء والتعبير والتواصل الشفوي، وأعني به كل ما يتعلق بأصول الحديث والخطاب والكلام، حتى لا أقول: إدارة النقاش، والخطابة، والتوجيه، والتقديم والعرض... وصولا إلى فنون المناظرات والحِجاج، والجدل، والدفاع عن الرأي والفكرة وهو الهدف الأكبر من أي تكوين علمي وأكاديمي جامعي، على الأقل بالنسبة إلى طلاب العلوم الإنسانية وبالأخص: كليات الحقوق، الاقتصاد، التسيير، الآداب، اللغات، العلوم الاجتماعية... الموضوع مطروح للنقاش، وقد نعود إليه لاحقا بمزيد من البسط والإيضاح والمزيد من الأمثلة المخيفة. ولكنني لا أستطيع إنهاء هذه السطور دون أن أتساءل بغضب: عن أي جامعة يتحدث مسؤولونا ومسيرونا، في المؤسسات الجامعية، وفي الوصاية وفي الوزارة وفي الدولة كلها؟ نحن نسبح في بحر من الضعف والعجز والرداءة.. والمستقبل مخيف. بعد عشرين عاما أو أقل سيكون الجيل الحالي هو الذي يحكُم ويدير شؤون البلد.. فهل يمكن تصور كيفيات التسيير بهذا المستوى المنحطّ؟