الأرجنتين تفرح والبرازيل تبكي سيبقى تاريخ 19 أوت محفورا في ذاكرة الصينيين وهم يذرفون الدموع احتفاء بالعرس الاولمبي، وتوقفت فيه حركة السير ولو للحظات. * ربما بكى الصينيون كثيرا ابتهاجا بنجاح حفل الافتتاح، بل وبكوا اكثر من ذلك بكاء الطفل الصغير حينما خرج "الفتى الذهبي" ليو جيانغ من مسابقة 110 م حواجز، لكن ما الذي جعلهم بهذا الشكل؟ * * تذاكر بمثابة صك الغفران * فاق الاهتمام بمسابقة كرة القدم في اولمبياد بكين كل التوقعات، والدليل هو الحشود الجماهيرية الكبيرة التي تتوافد لمتابعة مباريات الكرة في مشهد غير مسبوق في الاولمبياد. * يقول احد المتطوعين التقيناه قرب المركز الصحفي في حديث ودي مع الشروق أن تميز دورة بكين يعود الى ان اغلب المنتخبات حضرت الدورة مدججة بالنجوم، والواقع ان حضور ميسي ورونالدينيو اعطى المنافسة نكهة خاصة. * يعشق الصينيون كثيرا كرة القدم، ويحلمون كثيرا بمشاهدة ابداعات رونالدينو، فمن العادي جدا ان يتهافتوا على الحصول على التذاكر، ويبدو الحصول على تذكرة اثناء انطلاق الاولمبياد ضربا من الخيال، طالما ان كلها بيعت قبل انطلاق الحدث. * ما ان تحولت معركة الارجنتين والبرازيل الى العاصمة بكين، انقلبت الامور رأسا على عقب، فالكل يسعى للحصول على تذكرة. * وجد الصينيون في ذلك مكسبا اضافيا لهم فاستغلوا الفرصة احسن استغلال * * ملاحقة الشرطة لم تنفع * عشرات الصينيين والأجانب يتجمعون يوميا قرب ملعب بكين الوطني المعروف بعش الطائر أو بأحد الاماكن المجاورة له للحصول على تذاكر لحضور فعاليات الأولمبياد، وخاصة تلك المتعلقة بنصف نهائي كرة القدم. * ولم يسعف الحظ معظم هؤلاء المشجعين للحصول على تذكرة من منافذ البيع الرسمية بسبب انتهاء فترة بيعها قبل نحو شهر من بداية الأولمبياد، بينما هناك آخرون لديهم تذكرة أو اثنتان ويرغبون بشراء المزيد لحضور رفقة أصدقائهم أو لإعادة بيعها، بل بيع التذاكر أضحى تجارة رائجة تثير اهتمامهم. * البائعون في السوق السوداء استعدوا لهذا الأمر منذ فترة طويلة واشتروا عددا كبيرا من التذاكر لعدد من المنافسات، أملا في جني أرباح طائلة خلال فترة الأولمبياد. وقد وضع هؤلاء البائعون أسعارا مرتفعة جدا للتذاكر الأولمبية تصل أحيانا عشرة أضعاف سعرها الأصلي. * لكن الوضع بات مناسبا، فالأمر يتعلق بمواجهة بين عمالقة كرة القدم في دور متقدم من المنافسات. * نشطت تجارة بيع التذاكر كثيرا، وارتفع سعر تذكرة المباراة في السوق الموازية بأزيد من 8000 يوان(أي ما يعادل 8 ملايين سنتيم بالعملة الجزائرية)، ولربما هناك من اشتراها بأكثر من ذلك. * وتطارد السلطات تجار السوق السوداء، حيث اعتقلت العشرات، بينهم فتاة كانت تبيع تذاكر مباريات كرة القدم بعشرة اضعاف عن قيمتها الحقيقية وحضرت الشروق هذا المشهد. * سألنا مسؤول الأمن عن الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ هذا القرار، فرد بأنه لا يجيد الحديث سوى بالصينية، حينها قررت العودة الى المركز الصحفي. * كان يوم الثلاثاء شاقا بالنسبة لي، وكنت اشعر بالإرهاق يسطو علي، لكن مع ذلك فإني أصررت على حضور المباراة. * * المتاعب بدأت قبل 24 ساعة * ليس مسموحا لأي كان أن يحضر مباراة البرازيل والأرجنتين، وبالنسبة للإعلاميين كان الأمر غاية في الصعوبة، حيث علقت عند منافذ محطة النقل الخاصة بهم، لائحة تشير إلى أن كل إعلامي يريد تغطية الحدث مطالب بتقديم طلب قبل 24 ساعة. * المميز أن الحدث كان مميزا بالنسبة لكل الصحفيين، وجلهم رغب في الحضور، من بين أزيد من خمسة آلاف صحفي معتمد لتغطية الألعاب. * الأدهى والأمر أن تمكنك من حجز مقعد في الحافلة يعني أنك واحد من المحظوظين، وربما كنت واحدا من بينهم. * في مشهد أشبه كثيرا بالاكتظاظ الذي يميز الحافلات الجزائرية، كان يوم الثلاثاء غير عادي تماما؛ رطوبة عالية وضباب لف جوانب من العاصمة الصينية، ناهيك عن تعطل حركة السير. * كانت تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها بأم عيني زحاما مروريا وشللا في حركة السير منذ قدومي إلى بكين، لكن مؤشرات تلوح في الأفق تهون من الوضع. * تمددت مدة سير الرحلة من نصف ساعة إلى أزيد من ساعة تقريبا باتجاه ملعب "العمال"، حيث ستدور المباراة، كانت الحافلة تعج بإعلاميين من الارجنيتين والبرازيل وآخرين من جنسيات مختلفة كوبا، إيطاليا والجزائر. * * الأرجنتينيون توقعوا فوز البرازيل * ربما كان البرازيليون الأكثر تفاؤلا من غيرهم، وعلى طول الطريق المؤدي إلى الملعب كانت تصادفنا حشود جماهيرية تحمل الرايات البرازيلية أكثر من الجانب الارجنيتني. * ويناصر الكثير من الصينيين نجوم السامبا، فلا عجب إذا وجدت صينيا يرتدي قميص رونالدينو ورسم على وجنتيه علم البرازيل. * كان بجانبي صحفي أرجنتيني يدعى أليخو فيتري، يعمل في صحيفة لانثيون (الأمة)، سألته كيف تتوقع المباراة، فأجاب انه يعتقد بأن المهمة صعبة لمنتخب بلاده، بل توقع فوزا برازيليا سهلا. * أما لويس فاريا، صحفي جريدة "سوكر البرازيلية"، فقال إنها مباراة الموسم، وأعتقد بأن منتخبنا في وضع معنوي أفضل. * الجميع كان يرشح البرازيل، بل الأرجنتينيون جميعا توقعوا خروج منتخبهم، سألت صحفيا أرجنتينيا ڤوستافو دافيد الذي يعمل في إذاعة لا فوز دو لا نتريور (صوت الداخل) عن سبب هذا التشاؤم من الطرف الأرجنتيني، فقال بأن البرازيل أفضل حاليا، وهي محفزة أكثر للتتويج بميدالية أولمبية تاريخية، عكس لاعبي بلدنا. * * تدافع كبير لدخول الملعب * بالنسبة لنا كصحفيين، حلت المشكلة، فنحن أمام منافذ الملعب، في المقابل كانت منازلات الملاكمة تجري في آن واحد وتعرف كذلك حضورا غفيرا. * لكن بالنسبة للجماهير كان الدخول إلى الملعب أمرا صعبا للغاية، فحالة التدافع كبيرة والوصول إلى المدرجات يعد حلما، رغم الاجرءات التنظيمية الكبيرة التي اتخذها المنظمون * كانت المقاعد المخصصة للصحفيين مشغولة بالكامل قبل نصف ساعة من انطلاق المباراة، في وقت كان الجمهور يستمتع بمداعبة رونالدينو للكرة فوق الميدان، ورشاقة ميسي أثناء الحركات التسخينية. * كان الملعب تحفة رياضية، وهو الثالث في بكين، حيث يتسع لأزيد من 70 ألف متفرج، وأهازيج الأنصار تعطي رونقا لهذا المشهد. * لم يكن الأمر متعلقا بحضور الجماهير والصحافة، ففي ركن منزو ومغلق وتحت حراسة أمنية مشددة، خصصت قاعة لكبار الضيوف، حضر فيها الكثير من الشخصيات، أبرزها لاعب كرة السلة الأمريكية كوبي براينت، والذي يعشق كثيرا الثنائي رونالدينيو وميسي. * * رونالدينيو يقطع النشيد الوطني البرازيلي * الساعة كانت تشير إلى التاسعة ليلا، الكل مستعد لضربة الانطلاقة، لكن كان أولا السماع لمعزوفة النشيد الوطني للبلدين، وكانت البداية من النشيد الارجنتيني، والشاشات العملاقة للملعب تعرض صورا مقربة لنجوم الارجنيتين التي تفاعل معها الجمهور الحاضر، وفي التالي جاء الدور للنشيد البرازيلي، وبينما بدأت الشاشات العملاقة تعرض صورا لرونالدينيو حتى انفجر الملعب بالتحية والتصفيرات أمام دهشة الجميع حول الشعبية الجارفة لرونالدينيو والتي تسببت في قطع النشيد. * * ميسي ورونالينيو صراع الجبابرة * بمجرد إعلان الحكم الاورغوياني صافرة البداية، تحول الاهتمام إلى الثنائي ميسي ورونالدينيو، كان الجميع يترقب ما سيفعله هذا الثنائي، خاصة رونالدينيو الذي استعاد جزءا من لياقته في هذه الدورة. * وبمجرد أن يلمس "روني" الكرة حتى تتصاعد هتافات الجماهير، لكن القائد الجديد لايسي ميلان بدا مرهقا وبعيدا عن مستواه، عكس ميسي الذي ظهر نشيطا فوق الميدان. * وبين هذا وذاك، صنع أغويرو المفاجأة وكان نجم المباراة، حيث سجل هدفين وصنع ضربة الجزاء، كان أمرا في غاية الأسى وأنت تشاهد الآلاف من عشاق الصامبا يذرفون دموعا عن هذه الخسارة غير المتوقعة. * مع نهاية المباراة، كان حضور المؤتمر الصحفي ضربا من الحظ والدهاء، فالحضور من الإعلاميين كان كبيرا والقاعة لا تكفي لأكثر من 60 صحفيا. * كانت حالة اكتظاظ كبير عن المدخل، بل تم اللجوء لعناصر من الشرطة لمنع الصحفيين الذين لا يملكون رخصا لدخول المؤتمر، ولو تطلب ذلك الدفع بالأيدي. * والغريب في الأمر أن جمهور الفريقين خرج يدا بيد واحد يصرخ طربا بالانتصار وآخر يصمت حزنا على الاخفاق، لكن الارجنتينين قالوا بأنهم ردوا الصاع صاعين، وأذاقوا البرازيل مرارة الكأس الذي شربوا منه الصيف الماضي في كوبا أمريكا. * * بكاء وعويل من أجل أوتوغراف * بداية المؤتمر الصحفي كانت من المدرب البرازيلي دونغا الذي بدا منهارا من الناحية المعنوية، وأشاد بميسي، ليرد عليه المدرب الأرجنتيني باتيستا بأنه عاش حلما وأشاد بلاعبه أغويرو. * وفي المنطقة المختلطة المخصصة لإجراء الحورات، بدا اللاعبون يتوافدون الواحد تلو الآخر، لكن رونالدينيو خطف الأنظار، وتحدث للتلفزيون البرازيلي قائلا انه سيسعى إلى تحفيز زملائه للحصول على البرونز ونسيان هذه المباراة. * أما نجم المباراة أغويرو، فقال بأنه كان يطمح للتسجيل، بعد أن تنبأ له زملاؤه بالتهديف مضيفا بأن الذهب سيكون من نصيب منتخب بلاده. * ريكيلمي قال للصحافة بأنه التقى مارادونا في الغرفة المخصصة لكبار الشخصيات، وقد حفزنا ذلك كثيرا من أجل التتويج بالذهب. * بالمقابل، وعند المخرج الرئيسي، اصطف المئات من الصينيين ينتظرون خروج اللاعبين بحثا عن توقيع (أوتوغرافات) أو صور تذكارية، لكن التعزيزات الأمنية كانت عالية جدا، فمنع الحضور من تحقيق حلمهم. * العشرات من الفتيات يصرخن ويبكين رونالدينيو .. من فضلك أوتوغراف.. ميسي نحن هنا ..أرجوك.. لكن لا حياة لمن تنادي. * بالنسبة للصينيين، دخلوا الملعب مبتهجين وعاشوا يوما رائعا، لكنهم غادروه وعيونهم تذرف دمعا لعدم تحقيق حلمهم، وأخذ صور مع رونالدينيو الذي سيغادر رفقة منتخبه إلى شنغهاي، حلم أشبه بالخيال. * في شوارع بكين، دبت الحركة من جديد، قبل أن تغلقها الجموع البشرية التي تحدت قوانين المرور وسيطرت على المسالك وهي تهتف بحياة البرازيل والأرجنتين. * للإشارة، فإن الشركات الرياضية العملاقة تستثمر كثيرا في الصين، منها شركتا "نايك" و"أديداس" التي تحتكر العقود التجارية للثنائي ميسي ورونالدينو في الشرق الأقصى من شرق آسيا، حينها فهمت لماذا تفضل أقوى الأندية الأوروبية كوريا والصين واليابان لإجراء معسكراتها الصيفية ومباريات استعراضية. * * الصحافة الأرجنتينية تحتفل والبرازيلية تبكي * احتفلت الصحافة الأرجنتينية "بإذلال" المنتخب الأولمبي حامل ذهبية أثينا 2004 لنظيره البرازيلي 3-0. * وكتبت "تودو نوتيسياس": "درس، رقص والنهائي"، أما "كلارين" فبدت متفاجئة بالذي حدث على ارض ملعب "العمال" في العاصمة الصينية: "الفوز على البرازيل بهذا الكم من الأهداف كما حصل، كان أمراً مستحيلاً، ويحصل للمرة الأولى منذ 34 عاماً". * كما نشرت الصحيفة استفتاء شارك فيه 25560 من قرائها، اعتبر 64.5 بالمئة منهم "أن هذا النجاح الكبير كان الفرحة الأكبر التي يحملها المنتخب الأرجنتيني إلى جمهوره في الأعوام العشرة الأخيرة". * بدورها، كتبت "لا ناسيون" أن هدفي سيرجيو أغويرو وركلة جزاء خوان رومان ريكيلمي "سحقت البرازيل بهذه النتيجة التي لا تنسى". * * الصحافة البرازيلية تبكي * في المقابل، بكت الصحافة البرازيلية نهاية "حلم" الذهب الأولمبي لمنتخبها الذي كان يسعى إلى اللقب للمرة الأولى في تاريخه: "البرازيل قالت وداعاً للحلم الأولمبي"، هذا ما كتبته صحيفة "لانس" الرياضية، وحللت: "الأرجنتين صنعت المهرجان والبرازيل تحولت إلى طفل صغير". * بدورها، أشارت "أو غلوبو" في نسختها الالكترونية إلى أن المنتخب البرازيلي افتقد إلى "زخمه الناري، وكان الخروج منطقياً على أبواب النهائي". * ولفت ما ورد بكثرة على منتديات هذه الصحف، حيث طالب القراء بأعداد كبيرة، إقالة المدرب كارلوس دونغا. * * دونغا متمسك بمنصبه * وبدوره أكد المدرب البرازيلي كارلوس دونغا انه متمسك بمنصبه رغم الخسارة الكبيرة التي تلقاها منتخبه، معتبراً أن البرازيل ستنهض من هذه الكبوة سريعاً. * وأشاد دونغا بالنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي كان احد أفضل لاعبي اللقاء وأرهق الدفاع البرازيلي بتحركاته المستمرة، قائلاً: "هناك أيام يمكنك فيها مراقبته، وأخرى تعجز عن هذا الأمر. التكتيك الذي اعتمد لمراقبة ميسي لم يكن ناجحاً". * * رونالدينيو حزين * بدوره، أبدى رونالدينيو خيبته الكبيرة من الخسارة القاسية التي تعرض لها "السيليساو" بقيادته، قائلاً: "الخيبة كبيرة. لا اعلم لماذا البرازيل تفشل دائماً في الألعاب الاولمبية". * ودعا "روني" رفاقه للنظر إلى المباراة المقبلة أمام بلجيكا بهدف الظفر بالبرونزية "علينا أن نقوم بردة فعل ونحرز المركز الثالث". *