لم تكن إحالة رئيس قسم الاستخبارات والأمن، الفريق محمد مدين، على التقاعد، سوى تتويج لمجموعة من الوقائع بدأت قبل الانتخابات الرئاسية 2014 وما رافقها من حالة استقطاب غير مسبوقة في أروقة صناعة القرار. ملامح رحيل الفريق توفيق، الذي عمر في منصبه لما يناهز ربع قرن، بدأت تلوح في الأفق، منذ الشروع في إعادة هيكلة هذا الجهاز الحساس، وإحالة بعض الوجوه البارزة فيه على التقاعد، على غرار كل من اللواء جبار مهنا، المسؤول السابق لمديرية أمن الجيش، العميد عبد القادر آيت وعراب، المعروف باسم "الجنرال حسان"، العميد "شفيق"، المسؤول عن ملف التحقيقات الاقتصادية السابق، العقيد "فوزي" الذي كان مكلفا بالصحافة والإعلام في هذه المصلحة. واتضح هذا التوجه بجلاء بإلحاق العديد من المصالح الحساسة التي كانت تابعة لدائرة الاستعلامات والأمن، بقيادة أركان الجيش، الأمر الذي اعتبر تحوّلا لافتا، غير أن القضية التي أبانت بشكل مثير عن هذا التحول، كانت توقيف الجنرال "حسان" وإحالته على المحكمة العسكرية، بعد نحو سنة من وضعه تحت الرقابة القضائية بتهم ثقيلة. وفي ظل هذه التحولات، بات اسم الفريق توفيق وصورته متداولة بشكل غير مسبوق في وسائل الإعلام، وكان لافتا المقال الذي كتبه نائب الرجل الأول في شركة سوناطراك سابقا، حسين مالطي، والذي وصف الفريق توفيق ب"رب الجزائر"، غير أن الهجوم الذي شنّه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، على الفريق محمد مدين، الذي ظل بعيدا عن الأضواء كعادة من سبقوه إلى هذا المنصب، يعتبر المحطة الأبرز في هذه المسيرة، التي توقفت بالأمس، بإعلان بيان الرئاسة عن قرار الإحالة على التقاعد. وكان الفريق مدين قد ترأس جهاز المخابرات في نوفمبر 1990، خلفا للجنرال المتقاعد، محمد بتشين، ما يعني أنه عاصر العديد من الأحداث التي طبعت تاريخ الجزائر الحديث، والتي بدأت كما هو معلوم بتوقيف المسار الانتخابي لتشريعيات 1991، وما تبعها من استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، واستخلافه بالراحل، المغتال، محمد بوضياف، الذي ترأس المجلس الأعلى للدولة، قبل أن يتعرض لاغتيال. وهكذا كان رئيس دائرة الاستعلامات والأمن السابق، رقما بارزا في صناعة القرار طيلة ربع قرن، لكن من وراء الستار.. شارك في صناعة العديد من الرؤساء، بداية بتعيين الرئيس السابق اليمين زروال قبل انتخابه، كما نجح في إدارة ما عرف بأزمة العروش، وكان طرفا فاعلا في ترتيب اعتلاء الرئيس بوتفليقة قصر المرادية في عام 1999، مثلما كان عاملا مرجحا في تغليب كفة المدافعين عن العهدة الثانية للرئيس بوتفليقة في عام 2004. وحسب مطلعين على خبايا ودهاليز صناعة القرار، فقد أثيرت تساؤلات حول استمرار الود بين الرئيس بوتفليقة والجنرال توفيق، خاصة بعد الجدل الذي سبق ترشح الرئيس للعهدة الرابعة وقبلها تسيير ملف "مرض الرئيس".