اتهامات سعداني توضح أن علاقة بوتفليقة بالاستخبارات ميّزها “توازن الرعب” ”العهدة الرابعة تخلخل ميزان القوى في هرم النظام” عندما اعتلى الرئيس بوتفليقة سدة الحكم، عام 1999، قال قولته الشهيرة، خريف ذاك العام “لا أريد أن أكون ثلاثة أرباع رئيس”، وقول بوتفليقة كان يعني، ما يعنيه، أنه كان رافضا لأن يكون شبيه رؤساء سبقوه، في علاقتهم بالجيش أو مؤسسة الاستخبارات، ولم يعرف لعلاقة بوتفليقة مع هذه المؤسسة مواجهة “ظاهرة”، إلا بعد 15 سنة كاملة. هل هو نهاية “تعايش سلمي” بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الاستخبارات بعد ثلاث عهدات كاملة للرئيس بوتفليقة على رأس البلاد؟ تلك الغارة التي شنها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني على المسؤول الأول عن مديرية الاستعلام والأمن، بوزارة الدفاع الوطني، أعطت انطباعا بأن بوتفليقة الذي أكد أنه يرفض أن يكون رئيسا بصلاحيات محدودة، اليوم فقط حقق ما تعهد به عام 99، وبدا ذلك من خلال هجوم سعداني على “الجنرال توفيق” مقدما صورة، اجتهد المتتبعون أنها تتضمن مشهد ضعف لخصوم بوتفليقة في المؤسسة الأمنية. تمكن الرئيس بوتفليقة على مدار عهداته الثلاث أن يرسي “تفاهما” مع مؤسسة الجيش أولا، من خلال مسعاه تحويله إلى “جيش احترافي”، وتناغمت إرادة الجيش مع مسعاه، بمؤشر الانسحاب الهادئ لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، السابق، محمد العماري، صيف 2004، أي بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، من حيث اكتملت، في الأذهان صورة رئيس، هو الآمر الناهي، مثلما تقتضيه صلاحياته الدستورية، حتى وإن طعنت الأحزاب المعارضة الراديكالية في حقيقة انسحاب الجيش وجهاز المخابرات من الحياة السياسية، بناء على مؤشرات، أهمها طعنها في مصداقية نتائج الانتخابات المتتابعة، لكنها لم تكن تحوز دليلا تبرهن به على هيمنة المخابرات على مفاصل الدولة، كما درج قياديوها على قول ذلك، بينما ظهر “تعايش سلمي” بمضمون “تزكية أمنية لقرارات بوتفليقة” ترجمت في مضي الرئيس في المصالحة الوطنية (استفتاء 29 سبتمبر 2005)، وقبل ذلك إصدار بوتفليقة “قانون العفو” الذي طال عناصر جيش الإنقاذ جانفي 2000، كنتاج لاستفتاء الوئام المدني أواخر 1999. كان الرئيس بوتفليقة يلجأ دوما إلى الاستشارة الشعبية لوضع خصومه أمام “أمر واقع”، لكنه لم يفعل عندما تم تعديل الدستور 2008، الذي فتح بموجبه العهدات الرئاسية وترشح بناء على ذلك لعهدة ثالثة. واللافت أن الرئيس يلجأ إلى الاستشارة الشعبية المباشرة، كلما تعلق الأمر بملف “أمني” حساس، تتداخل فيه مواقف المؤسسة العسكرية، التي لم تعارض مساعيه، ظاهريا على الأقل. لكن “الغارة” التي شنّها عمار سعداني، على مؤسسة الاستخبارات، أعادت الجميع إلى نقطة البداية، وبات الحديث عن “التعايش السلمي” مسألة فيها نظر، حينما استيقظ جميع من صدق كلام سعداني على حقيقة استمرار هيمنة هيئة محمد مدين على الحياة السياسية، وظهر لهؤلاء أن ما سيق على أن هناك “تعايشا سلميا” بين الرئيس والمؤسسة الأمنية، على مدار 15 سنة، كان في الحقيقة “توازن رعب”، تكون “العهدة الرابعة لبوتفليقة” قد خلخلت كفتيه، وتتناغم هذه النظرة مع رؤية تقول إن الأمين العام للأفالان، يكون قد ألحق أضرارا بالرئيس بوتفليقة قبل أن تطال الجنرال محمد مدين، طالما أنه أظهر أن مؤسسة المخابرات، كانت هي المسيطرة على مفاصل الدولة، وليس العكس؟ العهدة الرابعة أخرجت صراعات المؤسسة العسكرية إلى العلن الجنرال توفيق يواجه جناح الرئاسة أم جهازه المخابراتي؟ أقل من شهر يفصلنا عن إسدال الستار على عملية جمع توقيعات الترشح للرئاسيات، والرئيس لا يجد بعد أي داع لوضع حد للترقب والجدل والصراع حول العهدة الرابعة من عدمها. كأن الرئيس يعلم جيدا أن القاسم المشترك الوحيد بين أنصاره هو العهدة الرابعة، وإذا أزال هذه الورقة عن الطريق ستتشتت الصفوف ويتعقد باقي مشوار تحضير الموعد الرئاسي. وجاءت تصريحات عمار سعداني بالحدة التي لا تترك مجالا للحياد أمام أي طرف، ومن ثمة يصبح التزام الأماكن وشد الحزام أمرا لابد منه. والسؤال الذي يحير الناخبين الجزائريين المدعوين للإدلاء بأصواتهم يوم 17 أفريل قبل المتتبعين السياسيين، من هم طرفا الصراع الذي أطلقه أمين عام الأفالان عمار سعداني: هل هو صراع بين الرئيس بوتفليقة الراغب في الترشح، وقائد أركان الجيش الذي يسانده من جهة والجنرال توفيق الرافض للعهدة الرابعة فعلا من جهة ثانية؟ أم أن الجنرال متفاهم تماما مع رئيسه ورئيس كل الجزائريين، وهناك مجال آخر للصراع بين أبناء المؤسسة الواحدة، قد تكون كل المؤسسة العسكرية أو جزء منها المتمثل في جهاز المخابرات الذي كان دوما في صراع بين مختلف مكوناته؟ فاختلاف الآراء داخل جهاز المخابرات ليست وليد اليوم، ومن بين انعكاسات هذه الاختلافات خروج العديد من الضباط عن الصف ولجوؤهم إلى الخارج لنشر غسيل المؤسسة العسكرية الجزائرية حتى أمام المحامين والقضاة الأجانب. وما عودة الضابط السابق هشام عبود، مؤسس ما سمي ب«حركة الضباط الأحرار” إلى الجزائر واستفادته من اعتماد لإصدار صحيفتين يوميتين، قبل أن تتوقفا عن الصدور ويلجأ هشام عبود مجددا إلى الخارج... إلا حلقة من حلقات صراع الأجهزة المخابراتية عندنا. فلنخرج إذن من صراع بوتفليقة مع الجنرال توفيق الذي أصبح حديث العام والخاص، في انتظار أن تتأكد أخبار إحالة قائد المخابرات على التقاعد من عدمها... ونحاول البحث عن طبيعة صراع آخر داخل الجهاز الواحد، أي بين توفيق ومساعديه أو مرؤوسيه في مديرية الاستعلام والأمن. تصريحات عمار سعداني، وضعت مثلا وزير الصناعة ورئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس في ورطة كبيرة لم يجد لها الحل لحد الساعة، رغم البيان الخشن الذي أصدره مكتبه التنفيذي ضد عمار سعداني. السبب، هو أن عمارة بن يونس لا يستطيع أن يساير “باترون” الأفالان في تهجمه على توفيق واتهام المخابرات بالفشل وإعادة بعث جدلية “من قتل من؟” وهو الذي بنا وجوده السياسي على معارضة هذا التوجه والخطاب السياسي. ووجود عمارة بن يونس ضمن مساندي العهدة الرابعة مؤشر على غياب الصراع بين الجنرال توفيق وبوتفليقة، ولذلك تبرأ عمارة بن يونس من سعداني دون أن يتخلى عن فكرة العهدة الرابعة. لكن الشرخ الذي أحدثه حوار زعيم الحزب الحاكم داخل صفوف العهدة الرابعة، يؤكد أن استمرار التعايش بين المتناقضين السياسيين حول العهدة الرابعة غير ممكن في الأيام المقبلة، ناهيك في الخمس سنوات القادمة، عمر العهدة الرئاسية الرابعة. الجزائر: م.إيوانوغان حوار اللواء المتقاعد محند الطاهر يعلى ل “الخبر” ”الصراع الحالي هو بين من هم مع الفساد ومن ضده” ماذا وراء هجوم سعداني الحاد على جهاز المخابرات في رأيكم؟ عمار سعداني ناطق باسم عصبة، تريد البقاء في السلطة مهما كانت تكلفة وثمن ذلك، ووجه الغرابة هو توقيت خروجه بهذا التصريح في مرحلة تعيش فيها الجزائر حالة عدم استقرار، كيف لشخص أن يطعن في منظومة أمنية هي مصدر مناعة في المحطات الصعبة في تاريخ البلد.. ورغم ما يمكن أن نقوله في حق هذه المنظومة والنقد الذي يمكن أن نوجهه لها، يجب ألا نصل لإعطاء أعدائنا فرصة لضربنا. ما صدر عنه ضرب لاستقرار الجزائر وخدمة لأجندات خارجية، إنه بصريح العبارة دعوة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلد، ويؤسفني جدا أن جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب التحرير وكانت في طليعة الحركة الاستقلالية الوطنية، تطلب بطريقة ضمنية تدخلا خارجيا لحل مشاكل داخلية. وقد يكون تحليلي خاطئا، لكني مدرك أن النبش في ملف تيڤتنورين أو تيبحيرين يحمل خطرا داهما على الجزائر، في وقت تشتغل محاكم غربية على الملفات لخنق بلادنا. لماذا يتحدث سعداني عن شكيب خليل بأنه إطار كفؤ، فيما يعرف الجميع كيف تم نهب خيرات البلد وتبذير أموال سوناطراك، ما تم يكيف على أنه جريمة قتل، لأن كل دولار ضاع حق جريمة في الأجيال القادمة. وأتساءل لماذا يدافع عنه؟ إلا إذا تموقع في فريقه. تصريحات سعداني مرتبطة بأجندة تخص العهدة الرابعة، هو شخصيا لا ينفي ذلك؟ لا أرى كيف تكون هناك عهدة رابعة، مطلوب من الذي يشغل وظيفة الرئيس في نظام رئاسي حضورا دائما، بحكم المسؤوليات الملقاة على عاتقه. ولكن الذي نراه، أنه منذ العملية الجراحية لسنة 2005 أصبح الرئيس قليل الظهور، وزاد الأمر حدة بعد أزمته الصحية الأخيرة. إنه يعاني من عطب جسدي وعقلي، وهذه سابقة ليس لها مثيل في بلد آخر. هناك تحاليل تشير إلى خلافات حادة في صفوف المؤسسة العسكرية حول الموقف من العهدة الرابعة؟ إذا كان هناك انقسام، فهو موجود بين من يريدون الحفاظ على منافع وامتيازات حصلوا عليها في ظل حكم الرئيس الحالي، وبين الذين يريدون تصحيح الوضع، أي بين من هم مع الفساد ومن هم ضده، وهذا الانقسام موجود على مستوى كل مؤسسات الدولة. الدعوة لإقامة الدولة المدنية يعيدنا إلى أطروحة أولوية السياسي على العسكري التي ظهرت في مرحلة الثورة، أليس كذلك؟ مقولة أولوية السياسي على العسكري فهمت خطأ واستعملت خطأ كذلك، ومعناها الصحيح أولوية الهدف السياسي على العسكري، وليس أولوية الشخص السياسي على العسكري. الجزائر: حاوره ف.جمال القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني قاسة عيسي ل “الخبر” ”أجزم أن سعداني لا يفهم معنى الدولة المدنية” في رأيكم، ما هي خلفيات هجوم سعداني على جهاز المخابرات؟ سعداني أداة تنفيذ لا غير، ثم إنه تحرك لما أدرك أن الأغلبية الساحقة من أعضاء اللجنة المركزية ضده، وبالتالي هو يحاول توجيه النقاش إلى أهداف أخرى، وتقديم نفسه بأنه ضحية. إنه يقدم نفسه أيضا على أنه حامل مشروع من خلال الترويج ل”الدولة المدنية”، هذا غريب وأكاد أجزم أنه لا يفهم مغزاها ومعناها، وكل تسجيلات اللجنة المركزية ووثائقها لا تضم أي مقترحات منه بهذا الخصوص، ناهيك عن أن هناك قنوات داخلية لطرح الموضوع على النقاش، لكنه لم يفعل ذلك. بل الأخطر في كل هذا، أنه لم يستشر حتى شركاءه في الحزب، وهذا دليل على أن ولاءه ليس لحزب جبهة التحرير الوطني. وأتساءل ما دخل تيڤنتورين في أزمة الحزب، وما السر في تزامن تصريحاته مع بث القناة البرلمانية الفرنسية لشريط يشكك في طريقة معالجة الدولة الجزائرية لأزمة محاولة اختطاف الرهائن؟ هذا يسمى صب الزيت على النار ويضع أفعاله في مرتبة الخيانة والعمالة. هناك قراءة تقول إن استهداف جهاز المخابرات ينخرط في إطار كسر مقاومة العهدة الرابعة التي يروج لها سعداني منذ توليه منصبه؟ قضية العهدة الرابعة تعني الرئيس بوتفليقة وحده دون غيره، هو واع بقدرته، وأعتقد أنها بطولة منه بأنه تحمّل هذه الأوضاع. هذه قمة الشجاعة والصبر. وإذا أعلن ترشحه، فنحن معه. أما خطاب عضو اللجنة المركزية سعداني، فهو تملق ليس إلا، وأنصاره الذين يوفرون له الدعم في الحزب من أصحاب الثروات المشبوهة والذين ليس لهم ماض نضالي فعلي في الحزب، يستعملون العهدة الرابعة مطية للحفاظ على مصالحهم والإفلات من الحساب. ألا توحي الحرب الإعلامية والسياسية بوجود انقسام في الدولة وفي المؤسسة العسكرية؟ لا أعتقد بذلك، ولكن الخطير في تصريحات سعداني أنه ورّط حزب جبهة التحرير الوطني في مواجهة مع الجيش الوطني الشعبي وريث جيش التحرير، وأتساءل من لديه مصلحة في هذا. قناعتي أنه أصبح عنصر تشتيت وتفتيت في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الجزائر، وأنا مؤمن بأن ما بدر عنه لا يخدم جبهة التحرير والجزائر والرئيس بوتفليقة. هناك قراءة تفيد بأن سعداني كسر أحد المحرمات، من خلال طرح من موقعه في حزب الأغلبية دور جهاز المخابرات في الحياة العامة، هل تقاسم هذه الطرح؟ هل هذا هو التوقيت المناسب لطرح مثل هذه الأفكار؟ إن ما قام به سعداني سرقة أدبية وطرحه أكبر منه، وأتساءل عن مصيره إذا لم يترشح الرئيس بوتفليقة. الجزائر: حاوره ف.جمال