تركنا الحمار في آخر الحلقة السابقة يهزأ بطريقة الجزائريين في شرب القهوة بالحليب، بدل الشاي باللبن عندهم في مصر... والكرواصان... إي هو ده ؟؟ وعامل إزاي؟؟ فشرحت له أنه كذا... مصنوع من كذا... وشكله هلالي، ولذا يسميه الفرنسيون كرواصان نسبة لشكل الهلال... فتجهم وقال: * دي مكلة دي؟؟ نحن في مصر نشرب الشاي باللبن، ونأكل معه الفول المدمس والحمص المخفوق بالزيت... والعيش الشامي المدوَّر كدا هوه... يا سلام عليك ما مصر وعلى المكلة بتاعك... وراح يهزأ... بقوله ساخرا... * إيه... قهوة حليب بالكرواصان... دي مش مكلة.. وانزوى جانبا وهدَّل أذنيه... وأرخى شنفريه وأغمض عينيه... وأحسست أنه مرهق وعلامات عناء السفر بادية عليه، فتركته يرتاح قليلا... ورحت أسترق النظر لمن حولي خلسة أتحسس موقفهم... فلا عجب أن كنا محط أنظارهم وموضوع تعليقاتهم... ولم يصدقوا ما يرون بأم أعينهم... * شيخ وحمار في مقهى الطنطنفيل وفي قلب العاصمة! هل يرون المشهد حقا؟؟ أم أنهم يحلمون؟؟ قال أحدهم: * ياستار.. ياحفيظ.. عيش تشوف... وقال ثانٍ: * وقيل بدات علامات الساعة.. فعلق ثالث: * هدي شوفة مشومة... راني شايف زلزال جاي يدينا بالمقهى بالحمار... * ونهض آخرون... وخرجوا... ولسان حالهم يقول: * نوضوا... نوضوا... مابقاتش مقهى، هادا الشيخ رجَّعنَّا الطنطنفيل زريبة بالحمار انتاعو... * اقتربت منه محاولا إقناعه، وربَّتُّ بيدي على رقبته وقلت له: * نوض... نوض... ولينا على جالك سينما... وأنت لست في مصر حتى تشترط علينا: (...الفول المدمس والعيش الشامي...) أنت في الجزائر... ألم يعلمك توفيق بيه، الحكمة العربية القائلة "إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم؟؟ وأنت في الجزائر فيجب أن تشرب قهوتنا بالحليب وتأكل معها الكرواصان نتاعنا... أليس كذلك أيها الحمار الفيلسوف؟ * أجاب: نعم عندك حق... ورحمة الله عليك يا توفيق بيه... * لم يعرف أحد قدري غيرك. * نعم... رحمة الله عليه وصبَّرَك على فراقه، والآن أرجوك أن تشرب معي قهوة بالحليب وتأكل معها الكرواصان... * وقبل أن ينهق، كنت قد طلبت له حبتين كبيرتين وبوقالا من القهوة بالحليب، وأمسكت فمه من الأسفل ورفعته للأعلى وفتحته، ودككت له الحبتين وأفرغت له بوقال القهوة وقلت له: هنيئا مريئا... فبلع كل شيء دون مضغ وراح يتلمظ وكأنه يريد المزيد... فقلت له: * كما تقولون في مصر بالهنا والشفا. فأعجب بهذه المجاملة على الطريقة المصرية، وانفرجت أسارير وجهه، والتفت يمنة ويسرة، واقترب مني وقال: * على فكره الجزائر حلوة أوي... حلوة جدا جدا ... ومافيهاش وساخة مصر وغبار مصر... وناسها حلوين أوي أوي... يا سلام على الجزائر وعلى الحلوين بتاع الجزائر...