حذَّر المفكر الإسلامي التركي الأستاذ محمد فتح الله كولن من أن العمليات الإرهابية التي تنفَّذ باسم الإسلام تجعل المسلمين غرباء ومعزولين في البلاد التي يعيشون فيها وتؤدي إلى تعميق النظرة المغلوطة عن الإسلام. وشدد على أن الإرهاب لا دين له. جاء ذلك في مقال للأستاذ كولن بصحيفة” وول ستريت جورنال” الأمريكية تحت عنوان : “ينبغي للمسلمين مكافحة سرطان التطرف” ضمّنه رسائل مهمة للمسلمين والمجتمع الدولي بشأن مكافحة التطرف والإرهاب. وأضاف كولن في معرض شرحه لما يجب فعله لتصحيح صورة الإسلام المعرضة للتلطيخ والتشويه: “علينا أولاً أن نستنكر العنف وألا نقع في فخّ عقدة المظلومية؛ إذ إن التعرض للظلم لا يسوّغ تجنّب إدانة الإرهاب أو الإقدامَ على استخدام العنف والإرهاب”، مشيرًا إلى أن الإرهابيين يرتبكون أخطاء وجرائم كبيرة بحق الإسلام، كما هو موضَّح في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وأكد كولن أن المسلمين هم أكبر ضحايا الإرهاب، وأن ضغط المجتمع الدولي والإعلام على المسلمين يمثل أحد العناصر التي تعرقل جهود مكافحة الإرهاب، وتابع كولن قائلا: “بما أن الإرهاب يعتبر قضية ذات أبعاد وأوجه كثيرة، فيجب تناول المخططات الرامية لحل هذه القضية من أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعاً. ولهذا تعد المقاربات التي تختزل المشكلة في عامل الدين فقط ظلماً وإجحافاً للشباب المعرّضين لخطر السقوط في الشبكات الإرهابية وكذلك للإنسانية جمعاء.”
سنكون نحن المسلمين مسؤولين أيضاً إن لم نكافح الظلم والإرهاب وفيما يلي نورد نص مقال “ينبغي للمسلمين مكافحة سرطان التطرف” الذي كتبه الأستاذ كولنلصحيفة” وول ستريت جورنال“:“إن ما يقع على عاتقنا من مسؤولية كمسلمين في الوقت الذي يواصل فيه التنظيم الإرهابي الذي يسمي نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو (داعش) اختصارًا، ارتكاب مذابحه الوحشية في منطقة الشرق الأوسط، هو مواجهة هذا التنظيم وسائر الجماعات الإرهابية التي تقلده من خلال أيديولوجياته الشمولية الاستبدادية. فكل عملية إرهابية ترتكَب باسم الإسلام تؤثر بشكل عميق للغاية في المسلمين قبل غيرهم، إذ كما أنها تجعلهم غرباء في المجتمعات التي يعيشون بها كذلك تتسبّب في تعميق الانطباعات الخاطئة عن دينهم، الإسلام. ليس من العدل اتهام الإسلام بسبب الظلم الذي يرتكبه المتطرفون الذين يلجأون إلى العنف. لكن لا يمكن للمسلمين أن ينكروا هذه المشكلة لأن الإرهابيين يظهرون بهويتهم الإسلامية، بل إنهم مكلفون ببذل ما في وسعهم للحيلولة دون تفشي هذا السرطان في جسد المجتمع. ولو تقاعسنا عن فعل هذا فإننا أيضاً نتحمل – إلى حد ما – مسؤولية تعرض صورة الإسلام للتشويه. علينا قبل كل شيء أن نشجب العنف وألا نقع في شرك عقدة المظلومية؛ إذ إن الظلم الواقع علينا لا يجيز تجنّب شجْب الإرهاب أو إضفاء صبغة الشرعية على اللجوء إلى الإرهاب. وأنا لست الوحيد الذي يرى أن الإرهابيين يرتكبون جرائم كبرى بحق الإسلام، فمراجعة المصادر الأساسية ودراستها بمصداقية، مثل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تقودنا إلى الوصول إلى هذه النتيجة بوضوح تام. فالدساتير الماسية للقرآن الكريم والحياة المثالية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي نقلها إلينا السلف الصالح وعلماء الأمة ممن كرسوا حياتهم لفهم المقاصد الإلهية في القرآن الكريم عن طريق علوم الحديث والسيرة والتفسير، تدحض جميع المزاعم التي يحتجّ بها البعض لتشريع وتسويغ ما يفعله الإرهابيون دينيًا.
علينا السعي لإيصال “صوتنا الذاتي” من أجل فهم صحيح للإسلام أما النقطة الثانية فتتلخص في ضرورة التشجيع على فهم الإسلام بشكل شمولي في صورته الكلية، ذلك أنه أحيانًا يمكن استغلال التسامح الذي يظهره المنتسبون إلى هذا الدين في ممارسة الاختلافات الثقافية ضد القيم الدينية الأساسية. بيد أن القيم الأساسية للإسلام غير مفتوحة وغير خاضعة للتفسيرات الشخصية، بل هي منصوص عليها ومحددة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويمكن أن ندلل على ذلك بالآية التي تقول “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” ( المائدة– 32). كما حظر النبي صلى الله عليه وسلم بلهجة شديدة استخدام العنف ضد غير المحاربين حتى في أوقات الحرب المشروعة التي هدفها الدفاع عن النفس والدين والعرض، لا سيما النساء والأطفال وعلماء الدين. إننا مكلفون كمسلمين بتمثيل هذه القيم عن طريق التضامن مع كل من يبحث عن العيش في سلام حول العالم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة النفس البشرية ومقوّمات وسائل الإعلام، سنجد أنه لا مفرّ من تركيز عناوين الأخبار على المتطرفين أكثر من الأصوات المعتدلة المتزنة السليمة التي يجب الاستماع إليها أصلاً. لكن علينا بدلًا عن أن نتهم وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة حتى نوصل أصواتنا إلى الناس.
الحياة والعزة والحرية من القيم الأساسية للإسلام ثالثًا، يجب على المسلمين أن يدافعوا بصوت أقوى وأعلى عن قيم ومبادئ مثل حياة الإنسان والعزة والحرية. فهذه القيم – في الوقت نفسه – هي قيم إسلامية أساسية، ولهذا فلا يحق لأي قائد أو زعيم، سواء كان دينياً أو سياسياً، انتزاع هذه القيم من بين أيدي الناس. فالولاء لروح ديننا يحتم علينا في الوقت نفسه احترام التنوع الثقافي والاجتماعي والديني وكذلك السياسي. فالله يرشدنا في القرآن الكريم إلى أن التعارف بين الناس كان الحكمة من خلقهم مختلفين “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات – 13)، “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء – 70).
يجب إدراج القيم الديمقراطية في المناهج الدراسية رابعًا، ينبغي للمسلمين تقديم الإمكانيات التعليمية إلى كل فرد من أفراد مجتمعاتهم في إطار العلوم الفنية (الحديثة) والعلوم الإنسانية وبصورة تزاوج بين احترام الفنّ وحقّ الحياة لكل مخلوق. كما يجب على حكومات الدول المسلمة إضافة القيم الديمقراطية إلى المقررات الدراسية. كما أن المجتمع المدني يلعب دورًا محوريًا في نشر الاحترام والتسامح المتبادل. وهذا هو الدافع الرئيسي لتأسيس المنتسبين إلى حركة الخدمة أكثر من ألف مؤسسة تعليمية ومركز حواري فيما يزيد على 150 دولة حول العالم. خامسًا، يمكن أن يكون ضمان حرية تلقي المسلمين تعليميًا دينيًا سليمًا سدًا منيعًا أمام نشر المتطرفين لأيديولوجياتهم المتطرفة. وعندما يجري خفض سقف الحريات الدينية، كما هو الحال في العديد من المجتمعات المسلمة، يكون الدين متروكًا لتفسيرات أولئك المتطرفين المحرومين من العلم.
أهمية الدور الاجتماعي للمرأة وأخيرًا، أود أن أقول إن المسلم ينبغي له أن يكون مدافعًا عن تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في مجال الحقوق. كما يجب منح المرأة الفرصة من أجل أن تلعب جميع الأدوار التي تريد، وكذلك حمايتها من الضغوط الاجتماعية التي تنكر المساواة بينها وبين الرجل. والسيدة عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال جميل في هذا الأمر؛ إذ كانت عالمة ومعلمة وزعيمة للمجتمع المسلم في الوقت ذاته.
الإسلام والمسلمون هم أكبر ضحية للإرهاب بما أن الإرهاب يعتبر قضية ذات أبعاد وأوجه كثيرة، فيجب تناول المخططات الرامية لحل هذه القضية مع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعاً. ولهذا تعد المقاربات التي تختزل المشكلة في عامل الدين فقط ظلمًا للشباب الذين يواجهون خطر السقوط في الشبكات الإرهابية وكذلك للإنسانية جمعاء. ويجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن المسلمين هو الضحايا الأكثر تأثرًا من الهجمات الإرهابية على المستويين الحقيقي والرمزي، وأن يرى المسلمون أنه يمكنهم أن يمنعوا الجماعات الإرهابية من جمع كوادر وسواعد بشرية عبر نبذهم وإقصاءهم الإرهابيين المنتمين إليها. وعليه، ينبغي لدول العالم أن تتجنب إصدار تصريحات والإقدام على أفعال من شأنها أن تسيء إلى المسلمين وتؤذيهم. لا دين للتطرف والإرهاب الذين يلجآن إلى العنف. ولقد شهدنا على مر العصور، وسنشهد في المستقبل كذلك، ظهور أناس يسيئون استغلال المصادر الدينية. غير أنه كما أن النصارى لا يدعمون المطالبات بإحراق القرآن الكريم والعمليات التي تنفذها منظمات كوك لوكس كلان الأمريكية، وأن البوذيين لا يوافقون على الظلم الواقع على شعب الروهينجا المسلمين، فإن الأغلبية الساحقة من المسلمين كذلك لا تؤيد العنف. إن المسلمين قدموا مساهمات جليلة على مر العصور في تطور الحضارة العالمية، وكان أكبر هذه الإسهامات في العصور التي حافظنا فيها على الاحترام المتبادل والحرية والعدل. وربما يكون من الصعب جداً تحسين صورة الإسلام بعد أن تعرضت لكل هذا التشويه، لكن يمكن للمسلمين أن يكونوا مثالاً وقدوة للسلام والطمأنينة في المجتمعات التي يعيشون فيها”.