«إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو تنظيم تابع للمخابرات السورية، ويتلقى دعماً لا نظير له من إيران وحزب الله، وتتحكم فيه دوائر مخابراتية دولية، وذلك لأجل القيام بأعمال عدوانية ضد المدنيين العُزّل لتشويه ثورة الشعب السوري". هذا الخبر ليس مصدره وكالات الأنباء العالمية بل هو من نسج خيالي إلا أنه يتقاطع مع العديد من الوقائع والتحليلات التي تقرُّ بأن هذا التنظيم لا علاقة له بالثورة السورية وفصائلها لا من قريب ولا من بعيد.. ماذا لو كان هذا الخبر يعبر عن الحقيقة؟، وماذا سيقول أولئك المحللون المختصون في حركات الإسلام السياسي الذين ملأوا شاشات التلفزيونات ضجيجاً وصخباً؟، يستحضرون من خلاله تاريخ الحركات الإسلامية مع العنف والقتل والدمار، فيخلطون الكثير من الحقائق، ويزيّفون الوقائع، من أجل أن يصلوا في التحليل الأخير إلى أن الحركات الإسلامية هي حركات عنف وإرهاب لأنّها تستمد مرجعيتها من المطلق الديني، لذلك لا بد من الوقوف في وجه هذا المشروع التدميري القاتل لروح التعايش بين البشرية. لا بدّ من إقرار حقيقة مهمّة في هذا الشأن، وهي أن التطرف صفة لصيقة بكل جماعة إنسانية سواء اتخذت من الشرائع السماوية قانوناً للحياة، أو اتخذت من قوانين الأرض منهاجاً للعيش، لذلك فعندما نستدعي التطرف وعلاقته بالجماعات الإنسانية من الأفضل ألاّ نسقطه على دين إلهي أو قانون أرضي بالمطلق، لأن الدين أو القانون ما هو إلا منظومة تعمل على تنظيم حياة الناس ومعيشتهم، أما التطرف فهو سوء الفهم للنص الديني أو القانون الإنساني، هذا أولا. ثانيا، إن هناك حملة شعواء ضد الإسلام وتعاليمه من طرف العقل الديني والسياسي الغربي منذ اللقاء الأول الذي أدى، كما هو معروف تاريخياً، إلى الصدام، حيث سجل المسلمون انتصارات معتبرة، يعتبرها المسلم فتحاً جديداً ويراها الغربي غزواً، وذلك بغية إثبات حقيقة واحدة في الأخير، وهي أن الإسلام هو دين العنف، ومعتنقيه هم الذين يزرعون الإرهاب في كل مكان من العالم، أو أن الإسلام يمثّل حدود الدم مع غيره بما يحدث من أعمال عنف وتدمير كما علق المفكر الأمريكي "صموئيل هنتنغتون" في كتابه المشهور "صدام الحضارات"، للأسف انتقلت الرؤية الغربية للإسلام من الخارج الغربي إلى الداخل الإسلامي، فأصبح العقل السياسي العربي يصف الإسلام بالإرهاب، ويتعامل مع أحداث العنف الجارية فيه بأنها إفراز للجماعات التي تتخذ من تعاليم الإسلام منهاجاً في الفكر والسياسة، والأنظمة العربية بهذه الرؤية التي تريد تسويقها في إعلامها تحاول أن تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تريد أن تقول للغرب بأن معركتها معه واحدة وهي ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي يزرع الموت من خلال الانتحاريين والسيارات المفخخة والطائرات الملغومة في كل مكان من العالم، وتغطي في المقابل عجزها في التنمية والبناء في الداخل لأنها تخوض حرباً ضد الإرهاب الذي يريد إفساد حياة الناس. السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: لماذا يتشارك العقل السياسي الغربي مع العقل السياسي العربي في حربه ضد الإرهاب؟، إن كنا نتفهم عداء الغرب المسيحي للإسلام بحكم دواعي التاريخ وضرورات الجغرافيا، هذا العداء الذي استمر رغم تطليقه عوالم الدين منذ صيحة ديكارت المدوية "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وإعلان نيتشه ب "أن الله قد مات"، إلا أنه ورث عنه التعلق بالأشياء وحبه للسيطرة، إذن فمبررات الغرب واضحة لأنه يريد من خلال هذه الحرب تدمير الأعداء الذين يقفون أمام طموحه في السيطرة والهيمنة على العالم، وبما أن الإسلام يشكّل قوة كبرى تستطيع أن تقف في وجه أي قوة تريد السيطرة لما يحمله من قيم ومبادئ وتعاليم تمجّد الاستقلال وتتشوق للحرية وتناصر المظلومين وتعلي من قيمة الإنسان، فهذه القيم مغايرة لمنهج الغرب في الحياة ونظرته للوجود. لذلك كله، فالغرب في كل مرة يحاول صناعة الأعداء من أجل تمرير مشروعه منذ أن تخلص من الاتحاد السوفيتي، ولأن هذا المشروع لا يمكن أن يستمر إلا بوجود أعداء حتى ولو كانوا وهميين، فهو يسعى لصناعة هؤلاء الخصوم من خلال سياقه المعروف، صورة واحدة، صوت واحد، وخطاب واحد، وكلنا يتذكر الكذبة الأمريكية عن العراق وقوته وعلاقة نظامه بالقاعدة وامتلاكه للأسلحة النووية، وبعد الغزو ثبت أن ما سُوّق هو مجرد كذب في كذب، وتبين أن الهدف الحقيقي هو النّفط ومحاولة زعزعة المنطقة بمزيد من التدخلات وإثارة الفوضى والقلاقل، فالذي يكذب عن العراق وقوة نظامه سيتجرأ مرة أخرى ويصنع عدواً آخر، وليكن هذه المرة عدواً ليس له مكان معروف وغير مرتبط بدولة بعينها، وينتقل من مكان إلى آخر، لذلك فمن حق أمريكا زعيمة العالم الحر أن تتبع هذا العدو للقضاء عليه، فأعلنت الحرب على أفغانستان من أجل ملاحقة "أسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة الذي صار بين ليلة وضحاها يؤرّق أمريكا أكبر قوة عسكرية في العالم، وهل يعقل أن شخصاً يعيش في جبال تورا بورا يخيف أمريكا التي يرتعد منها حكام دول وتهابها جيوش العالم في الشرق والغرب؟، لا نقول هذا الكلام هكذا اعتباطاً، فالتاريخ القريب يخبرنا من خلال الوثائق المسربة من المخابرات الأمريكية بأن الكثير من التقارير عن قوّة الاتحاد السوفيتي مزيفة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فقد اعتمدت هذه المؤسسة سياسة تضخيم العدو بغية تمرير مشاريعها في الهيمنة والسيطرة. إذا كانت هذه مبررات الغرب في عدائه للإسلام والمسلمين، فما لا نتفهمّه ويجعلنا نقع في حيرة ودهشة هو هذا العداء لكل ما هو إسلامي من طرف الأنظمة العربية التي تكتب في ديباجة دساتيرها "الإسلام هو دين الدولة"، قد يقول البعض بأن المقصود من الإسلام هو تلك الممارسات المتطرفة من طرف أقلية من المسلمين تشوّه الدين السمح الذي يدعو إلى التعايش والحب والرحمة والسلام، للأسف هذا ما يقوله الغرب أيضا عندما يوجه سهام حرابه للمسلمين، فأمريكا خلال حملاتها الحربية تقول بأن الهدف من الحرب هو الإسلام المتطرف لا الإسلام المعتدل الذي يمثله في رأيها حكام العرب، فبشار الأسد مثلا عندما أراد الوقوف في وجه ثورة شعبه السلمية التي نادت بالقليل من الكرامة والقليل من العزة والقليل من العدل والمساواة واجهه بالسلاح، وقدم نفسه للغرب بأنه جندي في صفوف الناتو يحارب جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية تريد أن تنّغص حياة السوريين وتعيدهم إلى عصور التطرّف والظلامية، وهدد إسرائيل وهو المقاوم والممانع بأن أمنها من أمن سوريا، نفس الشيء يقوم به الجنرال عبد الفتاح السيسي عندما فشل في تثبيت نظامه الانقلابي، فهو يصنف الشعب حسب هواه ويحدد من هو الشريف ومن هو غير الشريف، ويلصق صفة الإرهاب على من يعارضه حتى ولو كان هذا الذي يعارضه لا يشاركه في الوطن الواحد، لذلك صارت حركة حماس المقاومة للكيان الصهيوني إرهابية لأنها تريد زعزعة أمن مصر واستقرارها، والكل يعلم أن هذه الاتهامات باطلة الهدف منها هو التقرب إلى إسرائيل ومن ثم إلى الغرب، كما أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عندما أراد أن يقضي على اعتصام أهالي الأنبار المظلومين والمكلومين استدعى نفس الأسطوانة المشروخة وهو محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي فجهز الجيش وطلب الدعم من المجتمع الدولي وهو الآن يقتل نفوساً بريئةً أرادت أن ترفع الظلم عن كاهلها، بأن تعامل كغيرها من شعوب العالم بكرامة واحترام، هذا هو المشترك الوحيد الذي تتفق فيه أنظمة العرب من المحيط إلى الخليج، فكلها مشغولة بحرب مقدسة ضد الإرهاب، هذه الحرب التي ستكون حتماً على حساب حياة الشعوب ورفاهيتهم وحريتهم. السّمة المشتركة في هذا العدو الذي يطلق عليه مسمى "الإرهاب" سواء في الغرب أو في الشرق هي إسلاميته، حيث يحمل أفكاراً إسلامية ويتزين بلبوس إسلامي حتى ولو كان تاجر مخدرات أو تبغ أو سلاح، زد على ذلك أنه يحمل في بطاقة هويته "مسلم سني"، لأن الشيعي صار بقدرة قادر صديقاً للغرب وحليفاً للشيطان الأكبر، وهذا ما تدعوه ضرورات المرحلة في جعل المسلم الشيعي في حالة مواجهة مع المسلم السني وفق رؤية "برناد لويس"، مما يثير الشكوك ويخلق الظنون بأن المقصود من هذه الحرب ليس الإرهاب أو التطرف أو التعصب كما يشاع ويذاع بل المقصود منها الإسلام وتعاليمه وقيمه. نعود إلى السؤال السابق لماذا يتحالف الأضداد في العالمين الغربي والشرقي ضد الإسلام؟. يتواطأ الأضداد، على حد تعبير المفكر اللبناني "علي حرب"، في محاربة الإسلام، لأن هذه الأنظمة لا تستمد شرعيتها من شعوبها بل من رضا ذلك الغربي الأجنبي الذي يوفر لها الدعم والحماية في مقابل ذلك مساعدته على بسط نفوذه وهيمنته على المنطقة، ولا يتسنى له ذلك إلا بمحاربة من يعكر صفو هذه السيطرة، كذلك أن الأمن والاستقرار في المنطقة يضع هذه الأنظمة على المحك، ويجعلها مجبرة على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية تقوي الجبهة الداخلية وتعمل على تحرير نفسها من قوى الاستبداد والطغيان الذي هو مقدمة للتحرر من الهيمنة الخارجية. لذلك لا بد على الغيورين على الإسلام وشعوبه وعلى جغرافيته أن يرفعوا لواء الدفاع عنه من هذا الباب، أي تحديد مفهوم الإرهاب، حتى لا يكون مطية في يد كل ديكتاتور يتخذه مبرراً لاستمراره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يشمل الإرهاب أي عنف يمارس ضد حياة الإنسان وأمنه مهما كانت ديانة وشريعة من يمارسه حتى لا يكون مقصوراً على المسلمين فقط، فلا بد أن يشمل أيضا ذلك الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين بدم بارد، أو ذاك المسيحي الذي يخلق الرعب في أوساط الأمنيين دولا وأفراداً، كما أنه يجب أن يشمل إرهاب الدول فما يفعله بشار الأسد في حق شعبه الآن هو إرهاب بعينه لا يختلف عما يفعله الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، أو الاحتلال الأمريكي عند غزوه العراق أو أفغانستان..إن لم يفقهُما فدحاً وشناعةً، لأن إرهاب الدول يفوق إرهاب الأفراد.