البرامج الدينية في الفضائيات تطل علينا الفضائيات الدينية هذا العام في رمضان مليئة بعدد من الدعاة من مختلف الدول العربية، في محاولة منها لجذب أكبر عدد من الجمهور من خلال التركيز على الإيمانيات والروحانيات، ولكنها لم تغفل الجانب الفكري. * فقد حرصت حملات دعائية خاصة ببرامج مشايخ ودعاة، الترويج لظهورهم بأنه حصري، الأمر الذي لفت أذهان المتابعين، خصوصاً أن إعلاناتهم الحصرية، تكون في أماكن قريبة من إعلانات أبطال المسلسلات وبطلاتها، سواء في الصحف أم في الشوارع أم على شاشات تلك القنوات أيضاً، فيما دخلت على الخط داعيات وفقيهات. * في البداية أكد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن القائمين على القنوات الفضائية التي تقدم مفتين جهالاً ليسوا من أهل العلم، آثمون وعليهم أوزار من أُفتى له بغير علم، معرباً عن أسفه لما تبثه القنوات الفضائية خلال رمضان من عرض المسلسلات والبرامج الهابطة الفاسدة طمعاً في صرف الناس عن العبادة وقراءة القرآن واغتنام الليالي والأيام الفاضلة. * وقال المتحدث "نحن أمة مسلمة يجب أن يكون إعلامنا موزوناً بميزان العدل والحق". * * التمرد الأول * بعد موافقة إدارة قناة "روتانا خليجية" الغنائية على شروطه للظهور على شاشتها، قرر الداعية السعودي الدكتور غازي الشمري اقتحام القناة ببرنامج دعوي يعرض خلال شهر رمضان، لكن قرار الشمري بتقديم البرنامج الذي يذاع يوميا قبل الإفطار تحت عنوان "همسة" أثار جدلا في الوسط الدعوي بالمملكة بين مؤيد ومتحفظ على تلك الخطوة. * لكن الشمري المتمرد الأول على النخبة الدينية الحاكمة في السعودية ذهب إلى أبعد من التمرد عليها حين قال: "إنه لا يهتم كثيرا بأصوات المحافظين التي تهاجمه، بسبب ظهوره في قناة غنائية، فالداعية يجب أن يظهر في كل مكان ويزاحم الباطل"، مؤكدا أنه لو دُعي إلى "قناة يهودية وليست غنائية لظهر بها، ما دام أنها تحقق شروطه". * * المشكلة * يعتذر كثيرا بعض الشيوخ عن عدد من القنوات الفضائية التي لا تمنح الضيف مقابلا ماليا لما يصوره على الشاشة الصغيرة، وفي الوقت نفسه تفتح الميزانيات لنجوم الفن ليحصلوا على ما يريدون بآلاف الجنيهات أو الدولارات. ووجدت الفضائيات نفسها في حاجة شديدة إلى الشيوخ، ولهذا قررت تحديد مبالغ مادية لهم نظير مشاركتهم، وبدأت بورصة الشيوخ على شاشات المحطات التلفزيونية تختلف من محطة إلى أخرى. * وتتراوح أجور الشيوخ والدعاة في هذه البرامج بين خمسمائة دولار الى ألف دولار حسب مكانة الشيخ وأهمية البرنامج، فهناك أكثر من 50 شيخاً وداعية وفقيهاً عربياً، يظهرون على عشر قنوات شهيرة، إذ تختار القنوات أوقات ما بعد العصر واللحظات التي تسبق الإفطار أو أثناءه وبعد صلاة التراويح، لتقديم برامج مشايخها للمشاهدين، حيث تقترب قيمة الإعلانات التي تظهر قبل برامجهم وبعدها، من قيمة الإعلانات في المسلسلات التلفزيونية الشهيرة. * وكشف منتج برنامج عربي، أن أجور بعض المشايخ خلال حلقة واحدة تقترب من العقود الموقعة مع أبرز الممثلين العرب لتمثيل حلقة واحدة في مسلسل رمضاني. * * خط الاعتدال * يعتبر الدكتور الشيخ سلمان العودة والشيخ عائض القرني، والداعية عمرو خالد، والدكتور طارق السويدان، والشيخ محمد العريفي، والشيخ عمر عبد الكافي والشيخ محمد العوضي والشيخ محمد عبده يماني والشيخ عصام البشير من أشهر المشايخ والدعاة الذين يزيد الطلب على مشاهدة برامجهم في شهر رمضان وهم الأكثر تلقياً للعروض الكبيرة. وحسب العارفين بخبايا الأمور، فإن الفضائيات تلجأ إلى هؤلاء الشيوخ لكونهم يمثلون خط الاعتدال والذين يعارضون التطرف في العالم العربي ويدعون إلى التوافق مع الأنظمة العربية ويرفضون نظرية الاحتجاج على الحكومات، ويصادمون الحركات الإسلامية المقاومة مثل حزب الله وحركة حماس، فيما تستفيد غالبية المشايخ والدعاة من الوسائل التكنولوجية المتاحة للوصول إلى الجماهير، إلا أن أكثر الوسائل جلباً للمادة هي الظهور على برامج تلفزيونية في شكل حصري، وبعدها يأتي استخدام رسائل الموبايل المكتوبة والصوتية والمرئية، التي صارت تدر دخلاً جديداً وكبيراً لهم، خصوصاً في رمضان. وأخيراً، التسجيلات الصوتية على الأقراص المدمجة والمؤلفات. * * منافسة النساء * شهر رمضان هذا العام يشهد دخول الداعيات والفقيهات، خصوصاً المصريات، وبقوة لمنافسة الدعاة الرجال، إذ أفرد لهن عدد من القنوات الدينية وغيرها، أوقاتاً لا تقل مساحتها عن أوقات المشايخ، مثل لينا الحمصي في برنامج "فقه المرأة" وبثينة الإبراهيم في برنامج "يا رب الساعة" وحنان القطان في برنامج "تراويح الساعة" ونوارة هاشم في برنامج "سبعة يظلهم الله". وتشترط إدارات القنوات فيمن تستضيفهن من الداعيات أن يكن من خريجات الأزهر أو الجامعات الإسلامية الكبيرة وممن تتوفر فيهن ثقافة دينية كبيرة. * * تكتم وانزعاج * يتحفظ المشايخ عن الإفصاح عن المبالغ التي يتقاضونها خلال ظهورهم على تلك القنوات أثناء شهر رمضان، وقد انتفض الشيخ عائض القرني في مقال ساخن جدا رافضا ما نشرته المجلة الأمريكية "فوربس" حول أرقام دخل الدعاة على القنوات الفضائية وهي خيالية، حيث رد القرني بشدة وأورد مجموعة من المبررات التي تجعل هذه الأرقام عادية ومستحقة لأصحابها، وختم بالقول: "نحن لا نأخذ من جمهورنا ولا محبينا ريالاً واحداً وإنما هذا الدخل من جهات ثريّة تجمع الأموال من الدعاة ومن غيرهم، بينما المباريات وقاعات الغناء والفن يتم حضورها ببطاقات مدفوعة الثمن. والحمد لله إن دخل الدعاة الذي أُعلن في مجلة أمريكية ليردّ على من قال: إننا حصلنا على مئات الملايين من جهودنا الدعوية، وبإذن الله سوف يستمر حضورنا في المساجد والقنوات والصحف والمجلات، فأكرم البشر رسول الهداية دعا إلى الله في المسجد والنادي والسوق والحضر والسفر وخاطب الملوكَ وراسل أممَ الأرض وأسمعَ رسالته الخالدة للعالم كله".