من المبكر الآن تقييم البرامج التي تقدمها قناة اليتيمة وحتى الفضائيات العربية خلال شهر رمضان المبارك، بما فيها المسلسلات الدرامية، التي عادة ما تكون الوجبة الأساسية التي ينتظرها المشاهدون في هذا الشهر الفضيل، غير ان المتتبع لهذه البرامج خلال الايام الاولى من رمضان يمكنه اطلاق حكم الراداءة عليها. ربما لأن قناة اليتيمة كما الفضائيات العربية أصبحت محطات تجارية بالدرجة الاولى، الامر الذي انعكس على جودة الانتاج، وبالتالي صارت هذه المحطات تسعى من أجل تغطية ساعات بثها بانتاج وشراء الأعمال الفنية دون مراعاة لمستوى الجودة الفني أو الطروحات الفكرية، أو الثقافية.. ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا في كل دورة رمضانية جديدة نلاحظ مدى الانحدار الذي آلت إليه الكثير من المسلسلات الدرامية والبرامج المنوعة والمسابقات وغيرها مما لايمكن احصاؤه. برامج اليتيمة تحتضر كل العيون كانت محدقة بالشاشة انتظارا وترقبا لهذا البرنامج الرمضاني الجديد خاصة ما تعلق ببرامج ما بعد الافطار الذي تنتظره العائلات الجزائرية بشغف كبير على قنوات اليتيمة. لم يطل الانتظار طويلا ليطل علينا الحاج لخضر مباشرة بعد الحفل الذي يلي آذان الإفطار، في الجزء الثاني من سلسلته الفكاهية ''عمارة الحاج لخضر'' السلسلة التي كتب لها السيناريو لخضر بوخرس والتي يؤدي فيها ايضا دور البطولة، لم تختلف كثيرا عن الجزء الاول لا في المحتوى ولا في المضمون، اذ لم يكن في الحلقة ما يبهج، او حتى ما يضحك. ولعل ما زاد من سذاجة السيناريو هو صلابة اداء بعض الممثلين الذين حولوا هذه السلسة من كوميديا الى مشهد كاريكاتوري هزلي. لذا ظهرت الحلقة بدون هدف واضح وكأن طاقم العمل اهتم بالبحث عن الابتسامات السطحية على حساب المضمون. والحقيقة لم نكن نتوقع من لخضر بوخرس، وهو الذي امضى عدة سنين يجتر امجاده في افلام قديمة كفيلم ''كرنفال في دشرة'' ان يقدم عملا موازيا له في القيمة، وكنا نعتقد أن بوخرس الذي رسب في امتحان الجزء الاول من ''عمارة الحاج لخضر'' سيحفظ ماء وجهه، بدفع هذه السلسلة في جزئها الثاني باتجاه منافسة جديدة تتجلى في ابراز صورها الكوميدية، غير أن السلسلة أكدت أن بوخرس الممثل لا يمكنه ان يكون كاتب سيناريو. يليها المسلسل الجزائري ''قلوب في صراع'' للمخرج نزيم قايدي، تبدأ الحلقة، لوهلة يخيل الى المشاهدين ان الايام اصلحت ما صنع الحداد بينه وبين اطباق التلفزيون الجزائري المعدة خلال الشهر الفضيل، غير ان سحب الحيرة سرعان ما تتبدد حين يرفع الستار على احداث المسلسل الذي اسندت فيه دور البطولة للمثل الصاعد ''مصطفى لعريبي '' الذي سبق وان تألق في أول ظهور له في المسلسل الرمضاني السابق ''الامتحان الصعب'' الذي جسد فيه دور المدمن باتقان، غير انه لم ينجح في دوره في المسلسل الجديد ''قلوب في صراع'' حيث يجسد دور الشاب العاقل، ربما لان لعريبي لا يتقن اداء ادوار الشخصيات الهادئة المتزنة، ناهيك عن سيناريو المسلسل الذي كانت قصته ساذجة لا تترجم الواقع المعيش بالشكل المرجو، ضف الى ذلك الوجوه الجديدة التي أقحمها المخرج قايدي في هذا المسلسل والتي لم تتقن اداءها بشكل مناسب حيث تشعر وانت تتابع أحداثه ان آداء الممثلين كان جامدا. مسلسل''البذرة ''2 هو الاخر لم يرق الى ذوق المشاهد الجزائري الذي كان ينتظر المفاجة بعد الايجابيات التي حققتها بعض حلقاته في الجزء الاول. الجزء الثاني شهد نجومية كل من الفنان ارسلان ؛نور الدين شلوش، رانية سيروتي وهو يحكي قصة اجتماعية مستوحاة من الواقع المعيش، الا أن ضعف الفكرة لم يسهم في ايجاد عمل درامي مكتمل الجوانب، بل أن تلك البداية المتواضعة جعلت المشاهد الواعي يشعر بأن محمد عجايمي بطل المسلسل الذي عودنا على الجرأة في طرح ومعالجة القضايا قد تقهقر الى الوراء واصبح يدور في فلك مغلق بين فكي التكرار والسطحية، ولنا ان نتساءل هل أصبح منتجونا في معزل عن معترك الحياة وهموم المجتمع أم ان تلك القضايا لا تتسع لحركات عجايمي، وأسماء جرمون، وفتيحة بربار وعدسة المخرج .. الدراما العربية في الإنعاش من جانبها عرفت الدراما العربية انتكاسة غير مسبوقة خلال رمضان هذه السنة بعد ان كانت تعرف أوج تسويقها خلال الاعوام الفارطة. لم تنحصر هذه الانتكاسة على دراما بلد معين بل أنها طالت كل الاقطار المعروفة بانتاجها الرفيع للدراما على غرار سوريا ومصر والكويت والامارات، اذ لم يجد المشاهد العربي في مختلف القنوات ما يسد به الفراغ النفسي بعد ان كانت تطل عليه برامج ترفيهية . بعد ان احتلت الدراما السورية الصدارة لمدة طويلة على الفضائيات العربية خلال الشهر الكريم يشهد الانتاج الدرامي السوري تراجعا كبيرا حيث لم يتجاوز عدد المسلسلات المنتجة 30 عملا في حين بلغ عدد الاعمال المنتجة في أشهر رمضان الفارط اكثر من 50عملا. ويرجع البعض تراجع الانتاج الدرامي السوري الى عدة أسباب في مقدمتها عدم وجود الية مشتركة بين شركات الانتاج الدرامي السوري للترويج وتسويق اعمالها، حيث تعتمد بعض الشركات الكبرى في تسويق اعمالها في عدد من الفضائيات حتى قبل بدء انتاجها معتمدة على علاقاتها الواسعة في هذا المجال. ومن بين الاعمال السورية المبرمجة ضمن خارطة الدراما لهذا العام، المسلسلات التاريخية التي تتحدث عن فترة معينة في التاريخ الإسلامي أو غيرها، ومنها مسلسل ''خالد بن الوليد'' و''الأمين والمأمون'' هذا الاخير أثار ردّة فعل غاضبة لدى بعض الأوساط التي تتهمه بكونه يقدم أفكارا مغلوطة عن عائلة هارون الرشيد. ويقول المنتقدون إنّ المسلسل يقدم الرشيد على أنّه شخصية تفضل النساء على القيام بأعباء الدولة. كما ينحون باللائمة على المسلسل لكونه يقدّم ''الأمين'' ابن هارون الرشيد على أنه من مثليي الجنس، فضلا عن ''العباسة'' شقيقة الرشيد والتي قدمها المسلسل على أنّها حملت من سفاح. ولا يتوقف الامر عند هذا الحد بل التنافس بين المسلسلات العربية وصل الى حد النزاع مثلما حدث مع مسلسل ''فنجان الدم'' الذي كان مقررا عرضه خلال الشهر الفضيل غير ان كثرة المشاكل بين المنتجين حالت دون عرضه بعد ان اتخدت إدارة mbc قرار تاجيله لاسباب امنية.هذا القرار صحبه ردة فعل عنيفة من قبل الفنانين، وحتى النقاد الذين وصفوا المسلسل بضحية لعبة قذرة لاغتصاب الفن. الدرامة العربية ببدلة قديمة أمام التنافس الذي باتت تعرفه الفضائيات ومحاولاتها لحيازة الاعمال التي تستقطب الجمهور. فإن المشاهد العربي وجد نفسه أمام وجبة دسمة من الاعمال العربية، منها الاردنية والمصرية والسورية والسعودية، الكويتية والاماراتية، لكنها فارغة في محتواها. رغم الكمّ الكبير الذي تقدمه الدراما الخليجية هذا العام الا ان جل اعمالها تميزت ب''نمطية'' الرؤية الفنية والفكرية لهذه الأعمال، التي لا تخرج عن إطار الديكور البديع شكلا وأفكارا وعفا عنها الزمن مضمونا، إلا أنّ عملين شدّا الانتباه. فامام الانتشار الذي عرفه مسلسل '' طاش ما طاش ''14 السعودي الشهير، الذي ينتقد، بشكل أو بآخر، طبيعة المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمع الخليجي بشكل عام، من خلال حلقات منفصلة يقوم ببطولتها النجمان السعوديان ناصر القصبي وعبد الله السدحان. الا انه كان هدفا لحملة انتقادات من أوساط دينية، التي ترى أنّه ''استهزاء برجال الدين.'' ولكون المال الخليجي بات هو المسيطر على قطاعات واسعة من الفنّ، فقد كان من الطبيعي أن تتوجه أغلب المسلسلات إلى جمهور الخليج لاغير، وهو ما أثّر على شعبية تلك الأعمال لأنها لا تهمّ سوى بضعة ملايين من العرب. فمن أبرز الاعمال الاردنية، عودة ابو تايه ، عيون عليا، ومن الاعمال السورية، باب الحارة في الجزء الثالث، الحصرم الشام. اما الاعمال المصرية، فتنوعت بين شرف فتح الباب، ونسيم الروح، أسمهان، في أيد أمينة، بطولة يسرا، وكلمة حق، راجل وست ستات. كعادتها تقوم المسلسلات المصرية مع حلول شهر رمضان بغزو الشاشة الصغيرة بعشرات المسلسلات وضاعفت مصر انتاجها ب 30 اي ما لا يقل عن 44 عملا غير ان كثرة الانتاج لا يعني الجودة دائما حيث المتتبع لهده المسلسلات يلاحظ انها لا تختلف لا من ناحية السيناريو ولا ممن ناحية الاخراج عن باقي المسلسلات التي الفناها سابقا الامر الذي يؤكد أن المصريين لا يجتهدون في تغيير بدلاتهم الانتاجية . برامج الفضائيات .. حروب من أجل الربح شهر رمضان صار موسماً للجميع، الصراعات المريرة بين جميع أقطاب الانتاج الفني من أجل أن تكون لهم حصة في برامج رمضانيات واضحة للعيان. المسألة صارت تخضع لآلية السوق من عرض وطلب، وحين تكون المنافسة شديدة والطلب أقل، ينعكس ذلك على جودة الإنتاج. وهكذا ما كنا نلاحظه في السنوات الماضية، وبالتالي صارت المحطات الفضائية تسعى من أجل تغطية ساعات بثها لشراء الأعمال الفنية المنتجة دون مراعاة لمستوى الجودة الفني أو الطروحات الفكرية، أو الثقافية وغيرها.. ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا في كل دورة رمضانية جديدة نلاحظ مدى الانحدار الذي آلت إليه الكثير من المسلسلات الدرامية والبرامج المنوعة، فبعد الحرب التي شنتها فضائيات خليجية على مصر بسبب رفضها شراء أكثر من مسلسل مصري واحد مقابل شراء عدة مسلسلات سورية، بل واشتراط عدم عرض ما تشتريه بعض الفضائيات على فضائيات أخرى ما تسبب في خسائر مالية كبيرة. ويقول المنتجون إن هذه الحرب جزء من حرب مسلسلات شرسة بين المسلسلات المصرية والسورية شاركت فيها فضائيات خليجية وعربية، بعدما استمرت فضائيات الدراما المصرية في تجاهل المسلسلات العربية المنافسة خصوصا السورية. وأثار تكهنات لدى المنتجين من أن تكون هذه ''ضربة درامية'' موجهة من الفضائيات العربية للدراما المصرية، ردا على منع رئيس نقابة الممثلين المصرية مشاركة أي ممثل عربي في أكثر من عمل سينمائي أو درامي واحد في مصر فقط سنويا.