لم أترك صاحبي تحت ثقل مشاعر الخوف من زوابري وأتباعه، الذين عكروا صفو الجزائر بقنابلهم التقليدية، وسياراتهم المفخخة، رغم أن رائحة دخان الانفجارات لازالت تحل محل عبق الريحان وشذى الياسمين... كما لايجب أن أتركه تحت هوس الرعب من موس الجزارين الذين لايتورعون أبدا، إذا سنحت لهم الفرصة، أن يمرروا موسهم الحاد على رقبته، وأن يدسوا لحمه في لحم الخرفان، وتشتريه العجائز دون علم ولا خبر، ويكون في شوربة رمضان، ويصبح حمار الحكيم في ذمتنا. لم أرد ترك صاحبي رهن الوساوس والأحلام المزعجة، وهو الذي ترك مصر من أجل الجزائر لقضاء رمضان هادئ، فيه فكر ونقاش وحرية رأي؛ ولو على وقع التفجيرات ورائحة الموت... اقترحت عليه أن نغير طريقة حواراتنا، وأن نترك المقهى لزيارات ميدانية، نتعرف من خلالها على أحياء العاصمة ونكتشف بعض جمالاتها وجانبا من مزاياها، قبل أن نتنقل إلى مدن أخرى ومناطق لاتقل جمالا عن العاصمة ومناطقها،... وقلت له: نحن على مقربة من حي القبة الذي يعتبر من أعرق أحياء العاصمة الجزائرية... ففرح وقال: دي فكرة حلوة أوي أوي... ودون انتظار، وبعد دقائق كنا أمام بلدية القبة... وقلت له: نحن الآن في قلب حي القبة، ذلك الحي العريق الذي كان وقت الاستعمار حي النخبة من الفرنسيين وقلة قليلة من الجزائريين، وبلدية القبة هاهي من أهم بلديات العاصمة، إن لم تكن أجملها من حيث البناء والتخطيط، وانظر بقايا الكنيسة التي كان الفرنسيون يقومون بمراسيم الزواج الديني فيها أمام القسيس، ثم يصطحب العريس عروسه للبلدية لتسجيل الزواج وسط جموع الأهل والأحباب... قال الحمار: ودي الوقت بيعملوا فيها إيه؟ قلت للأسف لم يستغل مسؤولو البلدية هذا البناء كما يجب، وكان هناك مشروع تحويله لمكتبة... قال الحمار دا شيء عظيم، وأرجو أن أرى فيها كتب توفيق بيه... فقاطعته وقلت: بالتأكيد تريد أن ترى كتاب: حمار الحكيم وكتاب: حماري قال لي، لتتذكر حواراتك مع توفيق الحكيم، أليس كذلك؟؟ قال: يعني... هذه الكتب وأخرى تعيد لي ذكرياتي مع توفيق بيه... الله يرحمو... قلت: لكن للأسف لايزال المشروع تعيقه بعض الصعوبات والعراقيل.. قال أريد أن أقوم بزيارة البلدية، لقد أعجبني بناؤها أوي... أوي... فاعتذرت له وقلت: لا يمكن الآن... والسبب أن أعوان الأمن لم يألفوا دخول الحمير للبلدية... فلو كنت كلبا أو قطا أو حتى قردا... لوجدنا طريقة تزور بها البلدية... أما زيارة حمار؟؟؟