قبل أيام قليلة عن موعد الامتحانات النهائية للتعليم الثانوي، أطلّت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط على التلاميذ وأولياء الأمور،هدّدت وتوعّدت كل من تسوّل له نفسه الأمارة بالسوء أن يفسد عرس البكالوريا بالغشّ، وقبلها سبقتها مصالح الأمن بالإعلان عن استعدادات حثيثة لمواجهة المحاولات المفترضة للغشّ عبر استعمال التكنولوجيات الجديدة والهواتف الذكيّة، ويجرى الحديث على نطاق واسع لأجل تعطيل شبكة النتّ خلال فترة الامتحانات، ولو لمدّة نصف ساعة الأولى من عمر الاختبار في كلّ مادّة! في الساعات الأخيرة من العدّ التنازلي لساعة الامتهان أو الإكرام، يفترض أن يتوجّه المترشحون لترتيب أوراقهم نفسيّا بالأساس، حيث يستثمرون ما بقي من زمن فاصل عن الاختبارات المصيرية في الترويح قليلا عن النفس، والتركيز في تنظيم المراجعة الأخيرة بحسب توجيهات الأساتذة المبنية على الأسئلة المحتملة، قياسا على طبيعة البرامج المقرّرة ومنوال الحوليّات السابقة، لأنّ قطف ثمرة البكالوريا هو حصاد موسم كامل من الجدّ والاجتهاد، وليس ضربة حظّ، أو فرصة مسروقة في آخر لحظة . لكن العادة السيئة التي صارت عليها الأمور خلال السنوات الأخيرة، والتي تعصف بما تبقّى من رمزية الشهادة وقيمة العلم، هي أنّ التلاميذ في غالبهم، إلا من رحم ربّك، قد تبرمجوا على ترقّب تسريبات "الفيس بوك"، وما يُروّج على أنه أسئلة مهرّبة من ديوان المسابقات أو مراكز الامتحانات، ورغم أنّ التجربة أثبتت مرارا أنها مجرّد خدعة وأوهام من السراب، إلّا أنّ الطمع القاتل يدفع للاعتقاد بصحتها، على قاعدة "إذا لم تنفع فلن تضرّ شيئا"، مع أنّ هذا المنطق فاسد في الحقيقة، لأنّ مثل هذه الأساليب ما هي في النهاية سوى تحضير نفسي للغشّ ونوايا مبيّتة لاقترافه مع سبق الإصرار والترصّد، فضلاً عن آثارها السلبية في التشويش على مخزون الذاكرة وثقة التلميذ في إمكاناته الخاصّة. قد يقول البعض، إنّ هذه الظاهرة، ما هي إلا نتيجة منطقية من مظاهر المرض العام الذي ينخر المنظومة التربوية، لأنّ التلميذ في هذه الحالة، يشتغل وفق نظرية "التحدّي والاستجابة"، فطالما أنّ الوصاية نفسها وأجهزة الدولة برمّتها، لا رهان أمامها سوى التصدّي للغشّ، مثلما يظهر في خطاباتها وسلوكاتها، بدل برمجة الرأي العام على الرفع من قيمة الاستحقاق التعليمي، من خلال محاربة كافّة سيئات التعليم الذي نزل إلى الحضيض، فمن الطبيعي أن يفكّر التلميذ في مجابهة هؤلاء، بإثبات القدرة على الإفلات من دوائر وأدوات الرقابة، لتحقيق النجاح دون جهد ولا تعب، فهو يرى أن العمل ليس معيارا للمرور نحو المستقبل، بل "الشطارة والقفازة" هي جسر الأمان في تحصيل الأماني!