استقبلتني حماتي بوجهها كوجه القطة التي تلد: أسمع...أنا زوجت لك مرا، مش بقرة! بنتي ماتجيش عندي غير في رمضان؟ تمنعها تخرج من دارها، حتى باش تشوف باباها وأمها؟ والله أنت ما راجل! قلت لها: يانسيبتي العزيزة.. يالحاجة (وهي لم تحج سنة ولا يوما، أفعى رقطاء، حية تسعى!): بنتك ما تقدرش تخرج، لو كان ما ندمروهاش كالكاميو نتاع "دي طن"ما تنوضش، الباب ما يخرجهاش! يخصها بورطاي! 5 شهور وهي داخل الدار على خاطر باب برة اللي يتحل غير على دفة وحدة وهي ما تقدرش تخرج بدفة واحدة! بغيتني نهرس باب الدار باش هي تخرج؟ وكي تدخل.. نعاود نزيد نهوّد البورطاي؟ اتق الله! وإلا نخرجها مع الطاقة؟ حتى دارت الريجيم شوية باش سلك الباب من التهراس وإلا والله كنت غادي نطلب من البلدية يهدموه وندير ريدو ميطاليك! لم ترغب في السماع، صوتها كان أعلى من ابنتها، يصل مداه إلى غاية السوق، بعد ربع ساعة من الهدرة والتنقريش استقرّ الأمر، وبدأ الصمت يعمّ، انتظارا لرفع المؤذن صوته لأذان المغرب، قلت لهم لكي أخرجهم من الهوشة التي فرضتها حماتي على الحاضرين: هاو، فقط آذان المغرب اللي يسكتكم! واحد فيكم ما سمع بآذان العصر أو الظهر! ردّوا عليَّ جميعا: نسمعوا، نسمعوا آذان الفجر في رمضان! قلت لهم: غير في رمضان؟ على خاطر باش تصوموا.. الإمساك؟ وإلا واحد ما يسمعش به في الشهور الأخرى! قال لي صهري: أنت هو الأول بعدا! كانش نهار نضت وصليت فيه الصبح في وقته أو حتى صليته قبل الظهر؟ قلت له: مرات كي نكون مع جماعة وينوضوني بالسيف! الله غالب، النعاس يغلبني! نكون سهران حتى يجي الفجر ونرقد! رد علي صهري: ههيهيه.. قول الشيطان ما يجبرش الطواليت محلولة، يجي لعند وذنيك.. وطشششش! صهري ما يحشمش! يقولها قدام الناس! ثم أضاف: وأنت وقتاش صليت بانتظام؟ عمري شفتك رايح للجمعة! قلت له: كل واحد وعنده حوايج خاصين به وعقلية ودين وثقافة.. وأنا الثقافة نتاعي نتاع الدين تخليني ناخذ الموعظة من جهات أخرى اللي تتماشى مع وجهة نظري. قال لي: أحنا عندنا قدوة واحدة نتبعها، هي سنة نبينا وسيدنا رسول الله. قلت له: وباقي الأنبياء ما ناخذوش منهم العبرة والمثل الأعلى؟ قال لي: ناخذوا منهم العبر. قلت له: حتى أنا ومن معي في الدار ناخذوا العبرة من أنبياء الله! قال لي: شكون هم هذا الأنبياء؟ قلت له والمغرب يقول الله أكبر: أسيادنا أهل الكهف.. من الرقاد للرقاد..! من القول للقول.. رد علي أو رد على الآذان لا أدري: الله اكبر! وما إن قال صهري الله أكبر بعد أول تكبيرة للمؤذن، حتى كان الجميع من على المائدتين: مائدة للرجال وأخرى للنساء، ينقضّون على "أم درمان" (أسمي المائدة هكذا!).. هذا يدرم هذا يعض هذا يسف هذا يروّن.. هذا يشدق، هذا يغمس هذا ينهش هذا يسكف هذا يكرع هذا يقردب هذا يلفلف هذا يتفتف...! فلا تسمع إلا أصوات الأواني والملاعق كقراع السيوف في معركة حامية الوطيس!.. ولا تسمع إلا صمتا، ولا حتى همسا! قلت لهم وأنا اضرب الملعقة: خلاص ما بقاش كلام بعد الله أكبر! وما إن أكلت التمرات وكأس اللبن، حتى قام صهري وبعض من أهله لصلاة الجماعة في البيت يؤمّهم صهري! ولم نبق إلا نحن الخمسة وحماتي واثنين من بناتها الصغيرات يقضمن ويقرقبن في الأواني! ينبشن عن قطع لحم متوارية خلل حجاب الدسم.