تتسابق هذه الأيام مئات العائلات العاصمية القاطنة في الأحياء الشعبية التي تحتوي سكناتها على غرفة واحدة في شراء كباش العيد بأسعار خيالية لا تقل عن ثلاثة ملايين ونصف سنتيم، قصد التباهي والفوز بمعارك الكباش الطاحنة التي تحاول من خلالها كل عائلة الترويج لاسمها المقرون بقوة وصلابة الكبش الذي تشتريه وتختاره في المبارزة. * الكبش الذي يخسر المعركة يباع بأبخس الأثمان ويعوّض بآخر * جالت "الشروق اليومي" العديد من الأحياء الشعبية بالعاصمة التي بدأت تعرف شوارعها و"حوماتها" مباريات ومبارزات ومقامرات لا تنتهي لكباش العيد التي بدأت تجوب الأحياء شهرا قبل يوم النحر، وهي متبوعة بعشرات الأطفال الذين يردّدون شعارات وهتافات تروّج للكباش المبارزة وتمجّد العائلات التي تشتريها على غرار "تاع دار فلان". * والغريب أن جل هذه العائلات التي تتسابق لشراء كباش العيد بأثمان خيالية هي عائلات بسيطة المدخول تقطن في شقق من غرفة واحدة ومنها ما دون ذلك تتحاشر في بيوت قصديرية لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار مربع، لكن حب المباهاة جعل هذه الأسر تحرم أطفالها من المأكل والملبس وتصرف الملايين في كباش يتطلب نقلها ومأكلها ومبيتها في مستودعات خاصة أزيد من 15 ألف دينار شهريا. * قصدنا حي ديار الشمس بالعاصمة الذي يتجاوز تعداد سكانه 25 ألف نسمة، عمارات متلاصقة تحتوي شقق من غرفة واحدة مساحتها لا تتجاوز 27 متر مربع، عشرات البيوت القصديرية تتوسط العمارات، عدد كبير من "بوطات الڤرط" تملأ مختلف زوايا الحي استقدمت وشرع أصحابها في بيعها شهرين قبل عيد الفطر المبارك مما حول الحي إلى إسطبل كبير. * كباش سمينة متواجدة في كل مكان، فالكل يريد أن يكون كبشه متميزا ومعروفا، بعض المحلات توقفت عن نشاطها التجاري وتحولت إلى إسطبلات تبيت فيها الكباش بمبالغ تتراوح بين 50 و150 دج لليلة الواحدة فالمبلغ يختلف حسب الخدمات المقدمة والتي تتميز عادة بإطعام الكبش وتنظيفه. * بعض العائلات رغم ضيق سكنها فهي تفضل أن تقحم الكباش في المبيت معها فمنها من يختار المرحاض مأوى للكبش ومنها من يستضيفها في المطبخ، والجدير بالذكر أن غالبية الشباب الذين يقدمون على شراء الكباش أشهرا قبل العيد هم من البطالين الذين يجعلون من مباريات الكباش والقمار بها مصدرا لربح بعض الأموال، ومن تعرض كبشه للهزيمة أكثر من ثلاثة مرات يعرضه للبيع بنصف ثمنه وفي مناطق بعيدة عن الحي الذي هزم فيه للتمكن من بيعه. كما تحول بعض الشباب إلى "موّالين" واستقدموا عشرات رؤوس الماشية من مناطق بعيدة على غرار الجلفة وسوق هراس وتيسمسيلت، ولكنها ليست في متناول الجميع فهي متخصصة في المبارزة ومن يحب التباهي عليه أن يدفع أكثر. * وفي حديثنا مع بعض هؤلاء الشباب، أكد لنا "عمراني" الذي يملك مستودعا لبيع كباش المبارزة في حي الياسمين بالعاصمة أنه باع عددا كبيرا من الكباش بأثمان تتراوح بين 30 و70 ألف دينار ومنهم من أعيد بيعه بضعف الثمن نظرا لما حققه من صلابة وربح في المبارزات التي خاضها، العائلات التي تتسابق في شراء الكباش مدة طويلة قبل العيد باتت معروفة للعوام فهي منذ أعوام تحافظ على هذا التقليد لكن الجديد هذه السنة هو اتساع رقعة هذه العائلات التي زرنا بعضها واطلعنا على علاقتها الحميمية مع الكباش عائلة "ل. و" التي تتكون من 10 أفراد فضّلت تقاسم بيتها الذي لا يتجاوز مساحته 27 متر مربع مع الكبش التي استقدمته منذ 10 أيام من الجلفة بملغ 35 ألف دينار وهي تراهن أن يكون بطل "حي ديار الشمس بلا منازع"،الأم تعتني به عند نهاية اليوم والأطفال يزينونه ويتبعونه أينما حل، بينما كريم ذو 33 سنة يحضر لبرنامج المباريات التي سيجريها كبشه طيلة الشهر وهو يأمل ألاّ يخسر أي معركة وإلا عرضه للبيع. * ظاهرة التباهي بشراء الكباش مدة طويلة قبل العيد بين العائلات العاصمية وإقحامها في المبارزة والقمار هي ظاهرة قديمة في العديد من الأحياء الشعبية لكن رقعتها توسعت لتصبح تقليدا سنويا يستقطب مئات العائلات الفقيرة والبسيطة، ورغم تحريم الدين لهذه المظاهر وخطب أئمة المساجد التي تدعو للترفع عن هذه العادات إلا أن العائلات تصر على مواصلتها إلى درجة القمار بالكباش التي لا حول لها ولاقوة إلا أن تنصاع إلى رغبات أسيادها.