صورة من الارشيف أزيد من ثلاثة ملايين عائلة جزائرية تعتمد في تأديبها للطفل على العقاب الجسدي على غرار الضرب بشيء يلقى على الطفل كالحجر أو الحذاء، الضرب على المؤخرة باليد المفتوحة، القرص، الضرب على الرأس الوجه والأذنين، لي الذراع، شدّ الشعر، هذا ما أكده تحقيق ميداني شمل 1700 عائلة أشرف علية الدكتور مصطفى عشوي باحث في علم الاجتماع بجامعة الجزائر إلى جانب العديد من المدربين والأساتذة. * وحسب الباحثين، فإن نتيجة هذه العقوبات غالبا ما تخلف جروحا ورضوضا خطيرة على مستوى الوجه والأطراف. كما تستعمل الأسرة في كثير من الأحيان عقوبات غير جسدية تتمثل أساسا في العقاب النفسي كالتخويف وإشعار الطفل بالذنب والخجل أو منع المكافأة، ويعتبر التعنيف والزجر والصراخ ومنع الطفل الأشياء المفضلة على غرار النقود واللعب ومشاهدة التلفاز من أكثر العقوبات النفسية ممارسة من طرف الأولياء، كما يعد الإهمال من أكثر وسائل العقاب غير المباشر التي تعتمدها العائلات الجزائرية ضد أطفالها. * وبيّن التحقيق أن الأم أكثر ضربا للأطفال من الأب وذلك بنسبة 30 بالمائة مقابل 23 بالمئة عند الأب بينما مورس الضرب من الوالدين معا بنسبة 19 بالمائة، أما الأشخاص الآخرون الذين يضربون الأطفال في الوسط الأسري كالجدين والإخوة والأخوات فلم تتعد نسبة 3 بالمئة. ولعلّ الاحتكاك المستمر للطفل بالأم هو الذي يؤدي إلى تعرضه للضرب أكثر على يديها حسب الدراسة. * كما كشف ذات المصدر أن 23 بالمئة من الأطفال تلقوا أول عقوبة جسدية في الوسط الأسري قبل بلوغهم السادسة من العمر، أما أكبر نسبة لتلقي العقوبة فهي عند الفئة العمرية من ست إلى عشر سنوات بنسبة تفوق 32 بالمئة. ولعلّ خروج الطفل في فضاء المدرسة والاحتكاك مع الرفاق والجيران في هذه السن هو الذي يؤدي بالطفل إلى ارتكاب أكبر عدد من الأخطاء حيث يعمد أهله غالبا إلى تصحيحها بالضرب. * وفي استبيان أجرته الدراسة لمعرفة دوافع العقاب الجسدي للأطفال داخل الأسر ومدى فاعليته في التربية، صرح 64 بالمئة من الأولياء والطلاب والمربين أنه لا ينبغي أن يسمح بإيقاع العقاب البدني على الأطفال في البيت، بينما عارض هذه الفكرة 24 بالمئة من المشاركين وأكد 55 بالمئة أن للعقاب الجسمي على الطفل في البيت مايبرّره واعتبر 44 بالمئة أنه ضروري كوسيلة للتربية، في حين أكد 75 بالمئة أنه ينتج عن ركل وصفع الأطفال عواقب وخيمة يجب إيقافه. * ويرى الباحثون أن العديد من الدوافع الوراثية والثقافية تكون سببا للاعتماد على التعنيف والعقاب في التربية حيث بيّنت الدراسة أن كلمة »ضرب متداولة بشكل كبير في الأمثال والعبارات الجزائرية مثل (أضربُ يعرف مضرب، الفاهم بالغمزة والغبي بالدّبزة)". كما بينت الدراسة أن الجهل والأمية من أهم دوافع ممارسة التعنيف ضد الأبناء، حيث تبيّن أن 70 بالمئة من الأطفال الجزائريين الذين تعرضوا للعقاب البدني داخل الأسر مست الأمية 46 بالمئة من أمهاتهم و60 بالمئة من آبائهم. * * أساتذة يلقنون تلاميذهم أساليب السبّ والشتم ويشبهونهم بالحيوانات * ويُلقّن تلاميذ صغار، في العديد من المؤسسات التربوية، كل جديد ومبتذل في عالم السّب والشتم والإهانة من قبل أساتذة ومعلمين يفترض أنهم قدوة لهم في حياتهم وتعليمهم، غير أنهم كثيرا ما يسيئون توجيههم ويحيدون بهم عن الهدف الأساسي الذي وجدت لأجله المدرسة وبدل أن يرفعوهم إلى مستويات أخلاقية وتربوية أعلى يتدحرجون بهم إلى أسفل السافلين! * ليس هذا تجنٍّ على من علّمونا بالأمس القريب حرفا فصرنا بفضلهم، بعد فضل الله، على مانحن عليه، بل إنه واقع مؤلم يحزّ في نفس كل من يراه أو يسمع عنه. ويكفي فقط أن نتنقّل إلى أقرب مدرسة من حيّنا أو نسأل أي تلميذ عن تعامل بعض أساتذته معه، فنكتشف حجم خطورة الظاهرة التي تسيء إلى مكانة المعلم، وقد استهجن العديد من الأولياء ما ينقله له أبناءهم من ألفاظ قبيحة يصفهم بها أساتذتهم من تشبيه لهم بحيوانات غبيّة وفي بعض الأحيان ألفاظ غير أخلاقية تهين وتجرح الكرامة وألفاظ أخرى مبتذلة يخجل الفرد من ترديدها بينه وبين نفسه. * حورية، تلميذة في السنة الثانية متوسط بإحدى إكماليات بلدية الشراقة، أظهرت في البداية خجلا كبيرا عندما طلبنا منها أن تردد لنا ما تسمعه من بعض أساتذتها، وبعد إلحاح ذكرت لنا عبارات وصفتها بغير المألوفة لديها... استغربت لها كثيرا في البداية غير أن ما طمأنها كما قالت هو أن المعلمة التي كانت تتلفظ بها لم تكن توجهها للنجباء والمؤدبين من التلاميذ، بل فقط للمشاغبين، أمّا أسماء التي التحقت هذه السنة بالتعليم المتوسط فتقول إنها تفاجأت كثيرا لما باتت تسمعه من أفواه أساتذتها على اعتبار أن معلمها في الابتدائي لم يكن يصدر عنه مثل هذا السلوك، وكان يحثّهم دوما على الالتزام بفضائل الأخلاق. * من جهتهم بعض الأساتذة يحاولون تبرير سلوكهم بالفوضى الكبيرة التي يحدثها التلاميذ والاكتظاظ الذي يسود جلّ الأقسام ما يجعل الأستاذ يفقد السيطرة على نفسه فيتلفّظ بمفردات عامية يدرك أنها غير لائقة لكن الغضب يجعله لا يدرك ذلك حينها، هذا النوع من السلوك وبشهادة تلاميذ عايشوه دفع بعض من سقطوا ضحيته إلى الدخول في ملاسنات مع أساتذتهم لرفع الصفات البذيئة التي أطلقت عليهم ولحفظ ماء وجههم أمام زملائهم لدرء تطاولهم خارج المدرسة على حد تعبير أحدهم وقد يتطوّر الوضع أحيانا إلى إصرار التلميذ على الانتقام من أستاذه فينهال عليه ضربا ورجما بكل ما أتيح له من وسائل وقوة تجعل العلاقة بين التلميذ ومعلمه تأخذ أبعادا أخرى سيما بالنسبة للطور الثانوي. * وحتى طرق العقاب التي دأب على اتباعها بعض الأساتذة حاليا يصفها الآباء بأنها مهينة وتتجاوز حدود المسموح به فكثيرا ما يندهشون وهم يحاولون كفكفة دموع أبنائهم لما لاقوه من أساليب عقابية وقفوا عاجزين عن إيجاد تفسير لها، وفي هذا الصدد ذكر لنا أحد الأولياء كيف أن ابنه عوقب بحجزه داخل خزانة القسم إلى غاية انتهاء الحصة عقابا له على ما قام به من شغب، والأكثر من هذا روى لي أحد التلاميذ بمدرسة تقع بالعاصمة أن ابنه عوقب بطريقة تأسف لها كثيرا واضطرته إلى التنقل للمدرسة لتباحث الأمر مع المعلمة والمدير حيث يتعلّق الأمر كما قال بتجريد ابنه من سرواله على مرأى من زملائه وتحول إلى سخرية الجميع، ناهيك يضيف آباء آخرون عن الضرب المبرح في مواضع حساسة من الجسد يسبّب لهم أحيانا كثيرة عجزا يمنعهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة لأيام. * من جهته رئيس الفيدرالية الوطنية لأولياء التلاميذ، السيد الحاج دلاّلو، كشف في تصريح للشروق، تلقيهم للعديد من الشكاوى وصفها بغير المعتبرة تتعلق بالعنف اللفظي والجسدي بعضها سُوِّيَ مع المديريات والوصاية وبعضها الآخر حوّل إلى العدالة بعد استنفاد كافة الجهود والطرق الودّية، مؤكدا على إدانة ونبذ مثل هذه السلوكات، حيث أن القانون التوجيهي الأخير ينصّ وبكل وضوح على أن العنف اللفظي والجسدي مرفوض وممنوع شكلا ومضمونا ويعرض فاعله إلى عقوبات مبيّنة. * واستطرد محدثنا قائلا، إن ما يصلهم ليس إلا نزرا قليلا مما يسجّله الواقع والسبب في ذلك هو تردد الآباء في الإبلاغ عن ما يتعرض له أبناؤهم خوفا من الضرر الذي يخشون لحاقه، وحول هذه النقطة دعا الآباء إلى كشف جميع التجاوزات وإخطارهم بها فنحن كما قال "محامو التلاميذ، نمتلك طرق الدفاع والتدخل مع السلطات المعنية لرفع الغبن عن التلميذ ماديا ومعنويا، كما أن القانون يكفل للتلميذ جميع حقوقه، وبالإضافة إلى ما يتعرض له الأبناء نوصي كذلك الآباء بالإبلاغ عن الانزلاقات وسوء الاستقبال الذي قد يلاقونه من قبل المدرسة والإدارة".