عبدالقادر حجار ممثل الجزائر لدى الجامعة العربية ارتأت جريدة الشروق العودة بقرائها، وغزة المجاهدة الصابرة والصامدة ليومها الثامن لمقال منشور منذ الصائفة الماضية، بقلم الأستاذ عبد القادر حجار، وهو يخاطب ولده المريض آنذاك والمتوفى منذ شهور رحمه الله، وقد تابع قراؤنا مرثيته المتألمة في حلقات على صفحاتها، وتقتبس اليوم، من المرثية ما جاء فيها على وضعية الأمة العربية، وهو يطلق صرخة مدوية في وجه القادة العرب، حيث كان يومها في قمة الخرطوم، صابا فيها جام غضبه على مواقفهم المتخاذلة تجاه التحدي الصهيوني والأمريكي، معبرا بجرأة ودقة عن خوالج ومواجع الشعوب العربية من قادتهم إزاء العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني الأعزل، ولعل المرحلة الراهنة، وسوء أحوال الأمة العربية وعجزها في مواجهة الغزو العسكري الإسرائيلي تستدعي نشر تلك الصرخة من جديد. وإليكم نص المقال: * كان فكرُ أبيك يومها جادا كادا منهمكا في عمل قومي، ظنا منه أنه يعمل، هو وقادة أمته، لوجود مخارجَ أو وسائل توصل لقمةَ عيش لطفل فلسطيني جائعٍ متضوِّرٍ يبيت على الطوى، أو جريحٍ فلسطيني معفَّرا بدمائه، جرحُه غائر نازف بلا دواء ولا تضميد، فلسطيني مقهورٍ محاصَر من أمريكا والغرب بتحدٍّ سافر، وبعجز ظاهر من العرب أمام مخاطر التهديد والوعيد، أمته مشلولةٌ عن الحركة والفعل، مبهورةٌ أمام تسارع الأحداث وتواتر الحوادث، تخاف على عروشها فتحتمي بجيوشها، لا لرد نوايا الغاصب وهو يتطاول ويعربد، بل لقهر شعوبها مخافة أن تحتج أو تتظاهر، خشية من الوصول إلى قلب الطاولة على الأعداء المحتلين، أو القادة العملاء الخانعين. * ولكن ها هذه الأمة يجتمع قادتها بهالة كبيرة من أضواء العدسات والكاميرات والمكبرات، صورُ العناق منقولةٌ على المباشر، وأحاديثُ الود والمجاملة مبثوثةٌ على الأثير، وألقابُ العظمة رنانةً طنانة، جلالة، وفخامة، وسموا، ومعالي، وسعادة، يتحاورون في قمم كأنما هم يتسامرون، ويتلون بياناتٍ مدروسةً بدقة، حتى لا تتضمن أي حرف أو كلمة تحمل شيئا من النقد للغرب بالتلويح أو التلميح، وتصدر عن قمتهم تلك قراراتٌ هزيلة لكثرة اجترارها في قمم سابقة، لا تُجير مستجيرا، ولا تُغيث مستغيثا، ويتبارى القادةُ في إلقاء خطب بتراءَ عرجاء، مرصوصةً في كلمات أو فقرات تهم بالإفصاح، ولكنها أخيرا لا تُفصح ولا تُبين، فيها كثيرٌ من التورية والاستعارة، وفنون الطباق والجناس، وفيها شيءٌ من فلسفة الغنوص في جلباب الطقوس،ويتسابق سَدَنتُهم لنشر خطبهم في وسائل إعلامهم في أوطانهم، كأنما هم يقولون لشعوبهم، "انظروا لقد تحدثنا باسمكم، وعبَّرنا ما استطعنا عن مواقفكم". * "ولكن، ونحن في هذا الظرف العصيب العطيب، لا تنسوا قوله تعالى: "لا يكلِّف الُله نفسا إلا وسعها"، "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وقد لجأنا إلى هذا لأسلوب الأليق الذي فيه شيءٌ من التقية أو الباطنية، نُعلن غير ما نُخفي، ونُضمر غير ما نُخبر، حفاظا على سلامة واستقرار شعوبنا، وحرمةِ سيادة أوطاننا، خطبنا وتكلَّمنا وذكَّرنا بالقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، ولكن أمريكا لا تُصغي ولا تعي. أصدرنا في قمتنا هذه بنودا كالعهود، صغناها قراراتٍ فيها من التلميح ما يفهمه العدوُ بدون جهد ولا مشقة، فيها من الوضوح والشفافية، ما لا يحتاج لتفسير أو تأويل". "وأكدنا بأننا نحن العربَ متمسكون بمبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت، وأبدينا من جديد استعدادَنا الكاملَ للتطبيع الجماعي من المحيط إلى الخليج مع إسرائيل، وأن استراتيجية العرب الآن، وبعد الهزائم المتعاقبة للعروش والجيوش، هي مسلكُ السلام الدائم والعادل والشامل، وأن الحروب مع إسرائيل عهدٌ ولى وأدبر، لم يعدْ في قاموسنا الحالي ولا القادم لفظٌ من ذاك القبيل". * "وصدعنا، نحن، القادةَ العرب، على مسامع الدنى بمواقفَ من الشجاعة والحكمة ما يُبهر العالم، وكم راح يُكبرنا جذلان نشوان، وهو يرانا ويسمعنا نُدين أيَّ فلسطيني برعما يانعا يتأزَّر حزامَه الناسف، ويفجِّر نفسَه في كوكبة من غُلاة بني صهيون، أو عروسا فلسطينيةً غيداءَ لم تُنهِ دراستَها الجامعية بعد، وتسجِّل على الجهاز المصوِّر شهادتَها قبل استشهادها، وتفضِّل شهادةَ الفداء الممهورةَ بالدماء، على ورقة مختومة من كلية أو جامعة بحبر المداد، وتغدو تتأبَّط قنبلتَها بشوق وحنان، وبرباطة جأش لا يعتريها التردُّد أو الخوف، وتنقطع علاقتُها بزوائل الحياة الفانية، وعند وصولها لمقصدها، تقف شامخةً كلبؤة تزأر في تجمُّعٍ صهيوني، معلنةً: "فلسطين عربية، وتُردف: الله أكبر"، وتضغط على كنزها الثمين، قنبلتِها العطرة، لتتحوَّل في لمح من بصر هي، ومن حولها من الأعداء، إلى أشلاء متناثرة، وشظايا متقاطرة، وبعدها، لا يهمُّها، ولا يهم رفقاءَها الشهداءَ من يصفهم بإرهابيين، ولا من يتبجَّح من العرب بوقاحة، واصفا عملياتِهم الاستشهاديةَ بالحقيرة أو الدنيئة". فالشهيدُ الفلسطيني بهذا الاستعداد للشهادة، وبهذه الطريقة في القربان، أثمن وأغلى وأرفعُ وأشرفُ من أي عربي سياسي دجال، سواءً كان جالسا على قمة مملكة أو إمارة أو جمهورية. * "نعم تلك كانت قراراتُ قمتنا، وعلى غرارها كانت سابقاتُها، فيها من دقة البلاغة والبيان، ظنا منا نحن القادةَ العرب، بأن الصياغاتِ المنمقة، والتورياتِ المبطَّنةَ وحدها كافيةٌ لتجعل إسرائيلَ تسارع للاعتراف بالدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس، وبعودة اللاجئين، وبالجلاء عن أراضي سوريا ولبنان، اعتقدنا أن الدولة العبرية تأتي إلينا لهفى متلهفةً على هذا الاعتراف العربي بوجودها، وعلى تطبيع علاقاتنا بدولتها من المحيط إلى الخليج، كما جاء في ما سميناه "مبادرةَ بيروت". وهذا الاعتراف كأنه كان غير منتظر منها، لا من حيث الظرف، ولا من حيث التوقيت، وكأن ذاك هو الهاجس الوحيد الذي كان يُؤرق إسرائيل، فقدَّموه لها على طبق من ذهب دون أيِّ التزامٍ مسبقٍ منها بالتفاوض أو الوساطة، ودون أي التزام ولو بالتلميح من صانعتها وحاميتها أمريكا. * وليت أصحابَ النخوة والأنفة، يكفيهم التذكير، بأن الرئيس الشهيد الحي عرفات لم يكنْ يومها بينهم، كان محاصرا برام الله، ممنوعا من المغادرة للأرض، ومن المشاركة في الاجتماع، وممنوعا منهم من أن تُلقَى كلمتُه في قمة بيروت في الزمن المطلوب، كانت تلك الصيحاتُ العرفاتيةُ نذيرا مدوِّيا حريا بأن يُفيقهم من غفلتهم، وينتبهوا إلى فعلتهم المشينة في حق أمتهم، وفي تلك المبادرة الخزيِ تحدٍّ صارخٌ بالمصادرة على حق الأجيال القادمة في النضال من أجل قضيتها، وطرد غاصبيها، وتحرير أراضيها، طال الزمن أم قصر، كان المفترض أن تتحرَّكَ في دواخلهم، أمام الصلف الإسرائيلي والعنجهية الأمريكية، حميةُ العروبة ونخوتُها وعصبيتُها لتمزيق تلك المبادرة اللعينة، ورميها فورا إلى سلة المهملات، واستبدالها بقرار، أقلُّه عدمُ الاعتراف بالعدو الصهيوني اليوم وغدا، ويطالبون من الدول المعترفة به أن تسحبَ ذلك وتبادر، وإن عجز هذا الجيلُ الهجينُ، دون تعميم، في استعادة فلسطينَ المجاهدة، فلا شك أن الأجيال القادمة تُكمل المشوار جهادا وفداء وصراعا حتى النصر، على غرار ما فعل الشعب الجزائري في مقارعة الاستعمار، ثوْراتٌ تتلوها انتفاضات، فإن فشلت حركةٌ ما، اندلعت أخرى من هناك لتواصل المسيرَ على درب الكفاح، وكانت الخاتمةُ تتويجا بثورة التحرير المظفرة في غرة نوفمبر 1954، في وثبة عارمة شاملة، قامت بها الجزائرُ الثائرةُ في وجه ما قننته فرنسا: "بأن الجزائر جزء لا يتجزأ من أراضيها"، فواجهت مقابلَ ذلك الادعاء صرخة الشيخ عبد الحميد بن باديس: * شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب * واستفاقت فرنسا المدَّعية على ثورة عارمة جبارة بالحديد والنار، وبالشهادة والافتداء، قام بها شعبٌ أبيٌّ ثائر، يقدِّم من المهج الحرَّى، والدماء الزواكي، قوافلَ تلو القوافلِ من الشهداء ومواكب تلو المواكب من المجاهدين، فكلَّل جهادَه بالنصر والاستقلال، وخرجت فرنسا تجرجر أذيالَ الهزيمة بعد قرن واثنتين وثلاثين سنة، ذليلةً كسيرة، مازالت تلعقُ غصةَ الهزيمة النكراء في حلقها علقما مر المذاق حتى الآن، وستظل حنظلا في لهوات أجيالها إلى يوم الدين. * ولكن لا شك أن الزمن الأمريكي الرديء كان قد فعل فعلتَه في قادتنا ونُخَبنا السياسية والثقافية، ولو بنِسَبٍ متفاوتة، ولكنها مؤطَّرةٌ ومتأثرة، خورا في العزيمة، وامتهانا للكرامة، وعمالة في السياسة، وانبطاحا في المواقف، ووقْرا في الآذان لا تُصغي لصيحات عرفات، وهو محاصرٌ في سجنه من رام الله، "سأموت شهيدا شهيدا شهيدا"، فالقراراتُ التي لا تُسندها قوةٌ ما، مآلها الفشل والانتكاس، والعروضُ العربيةُ الرخيصةُ المقدَّمةُ من دون مقابل، تدل على الغفلة والارتجال، أو على البلاهة السياسية والاختلال، أو على افتقاد الأنفة والحمية وشمائل الرجال. * ولكن ماذا يستطيع أبوك أن يفعل يا نبيل؟ وهو وقلة من بني قومه العرب، ما زالوا يغرِّدون خارج السرب، فقادةُ أمته إمَّاعاتٌ رخوةٌ تحبو على بطونها نحو أمريكا كالزواحف، خوفا على عروشها، والجبنُ منقصةٌ ذميمةٌ في خصال الرجال، ولكنه لحماية الكراسي فضيلةٌ وذكاءٌ ودهاء، أين منه معاوية، وعمرو بن العاص. * وإذا حاججتَ القومَ أو واجهتَهم تعللوا بالقول: "ماذا تريدون منا أيها الحالمون بعروبة الأمة ووحدتها، وهي شظايا متطايرة متناثرة؟ وما تطلبون من قادةٍ لا يجمعهم جامع، أو يقرِّب بينهم تشابهٌ إلا تلك الخناجرُ المسنونةُ المسمومة المخبوءةُ تحت المآزر، والطوايا المتخابثة الناقمة المنطوية على ذلك الكم الهائل من الضغائن والأحقاد نحو بعضهم؟ أتشكُّون فينا نحن قادةَ الأمة بعد ما كتبنا وصغنا وصادقنا على كل هذه القرارات بالإجماع، فالطعن فيها خروجٌ وإضعافٌ لموقف العرب أمام الغرب؟ وماذا نستطيع أن نفعل إذا وجدنا أنفسَنا عند كل مبادرة عاجزين عن الحركة عند تطبيقها بالفعل، وغالبا ما يكون عدمُ التطبيق صادرا منا بالإجماع؟ كفى لوما على قادتكم أيتها الشعوبُ المستنفرة، وهم مشدوهون أمام عولمة كاسحة، براكينُها حِمَمٌ متطايرةٌ في الجو، تُحجب الكواكبَ والسماوات، ونسمع فحيحَها مدويا صاعقا ينتشر في كل بقعة من الأرض، أو في أي موجة من كل محيط، كأنه نفخةُ الصور في يوم النشور". * لذلك قمنا نحن القادةَ تحوُّطا لضررها بكثرة التهويل من أخطارها، حتى ولو كنا لا نعي بالضبط دلالاتِها، ولا ملجأَ في مخيلتنا أمام هذا الغول المتوحش إلا أن نقبعَ بجحورنا، مستعيذين محوقلين متضرعين لخالقنا، وذلك عندما تصلنا الأخبارُ عن شراسة هذه العولمة وقوة فتكها وعصفها بكراسينا، إن نحن قلنا أو فعلنا شيئا يخدش في سمعة مهندسيها ومروجيها ومنفذيها، ونحن نعرف مخاطر ذلك بالتجربة والاستنتاج، بعد ما وقع للعراق وأفغانستان، وما وقع قبلها باغتصاب فلسطيَن من أهلها، وزرع أجسامٍ شاذة غريبة صنعوا منها دولةً وقوة، وجعلوا من مجد العرب جيوشا لا تخرج من نكسة، كنا نظنها عابرة في مواجهة إسرائيل، إلا لتنتهي بهزيمة نكراءَ ماتزال جاثمة على صدور أمتنا، وها نحن رغم مسايرتنا وسكوتنا وقبولنا بتمريغ هاماتنا وقاماتنا جثاةً عند أقدام الغرب رُكَّعا، وأمام عتبات دوره المالية شحْذا وتسوُّلا، وعلى منابره، وأمام عدسات التصوير، نقدِّم صكوكَ الطاعة وأدلةَ الانصياع، ومع ذلك لم يثق في أقوالنا، معتقدا أننا نخادعه، ولم تشفع لديه أعمالنا، ظنا منه أننا نسايره تقيةً إلى حين، خوفا من حين نسترد فيه أنفاسَنا، ونستنهضُ فيه من كبوتنا، ونستحثُّ ما خار من عزائمنا، ونجمِّع ما تفرَّق من قوانا، وتوجُّسُه ربما له ما يبرره من شواهد التاريخ. لذلك، ورغم كل ذلك، سنظل نتعرض لهجمة شرسة من خلال ترسانة إعلامه، تسحقنا حكاما وشعوبا بالخبر المدسوس المدروس، والصور السريعة الباهرة المؤثرة على البصر والسمع، ومن خلالها ذاك الضغط المكثف على العقول والبصائر، وازداد خوفُنا أكثر بتلك العولمة الداهمة الزاحفة، وباقتصاد أمريكي متوحش، لا يبغي شيئا إلا الاستيلاءَ على خيرات شعوبنا، وموارد أراضينا، والسيطرة على مقدَّراتنا، والمساس باستقلالنا وسيادة أوطاننا. * وإذا تجرأ أي حاكم أو شعب، ولاح منه أنه يريد أن يستفسر أو يفاوض حمايةً لبعض القليل من مصالحه، حفاظا على مستقبل أجياله، فإذا بمؤسساته المالية، من الصندوق الدولي، والبنك العالمي، إلى نادي باريس ولندن، تتحرَّك آلةً رهيبةً، فتقوم بالضغوط بدايةً، فتشطُّ في الشروط إجحافا، ثم تنتهي إلى قيود خانقةٍ نهايةً، وإذا الحاكمُ المستفهمُ أو المقاومُ لا يجد أمامه من مندوحة إلا القبولَ بشروط الإذعان، أو تحاك ضده مؤامرةٌ مدبَّرةٌ بإتقان، تُطيح به موتا أو سجنا أو رحيلا، وإذا بالبلد المعني يُفيق على كارثة تتجاوز الاستغلالَ إلى الارتهان، وربما يؤدي هذا وذاك إلى الغزو والاحتلال. هذا هو الهاجسُ الذي يساكن عقولَ قادتنا آناءَ الليل وأطرافَ النهار، ولا أحدَ منهم يستطيع أن يقارنَ نفسه بفيدال كسترو، أو شافيز، أو رئيس بوليفيا الجديد، وهم في خاصرة أمريكا جغرافيا، وعلى بعد أميال من شواطئها، وها هم ما زالوا يتحدَّونها جهارا نهارا بشجاعة مواقفهم المستمدَّة من إرادة شعوبهم. وليتهم، والهواجس تغشِّي أبصارَهم، يتذكرون، وبالأمس القريب فقط، قادةً كانوا أنموذجا في مواجهة الكبار بعزيمة لا تقهر في إدارة الصراع، مع نفس القوى الغربية المتغطرسة المتعنجهة، وكانوا قادةً لنفس الشعوب، وهي يومها جاهلةٌ متخلفةٌ عكس وضعها الحالي، وهي على درجة عالية من الوعي والثقافة والتعليم، ليتهم تذكروا، عبد الناصر، وابن بلة، وبومدين، وحافظ الأسد، ونهرو، وتيتو، ونكروما، وسيكونوري، وغيرهم. ولكن ماذا نقول لهم سوى هذه الصرخة من الأعماق: أيا زمنَ الرداءة والردة ما أتعسَك! أيا زمنَ التخافت والتهافت ما أبشعَك! أيا زمنَ الطوع والصوع ما أقبحَك! أيا زمنَ الهزيمة في القلوب والعقول ما أشدَّ وطأَك وأطولَك!. * كذا ذهب العربُ إلى قمة الخرطوم، وقد اتصلت أمريكا بدايةً بتحويل القمة إلى عاصمة عربية أخرى، ولكنها لم تُفلح، وضغطت على القادة العرب بعدم الحضور، ولكنها لم تنجح كلية، حيث حضر عددٌ معقول رغم الضغوط والتهديد، وكانت أخيرا تريد أن تكون رئاسة القمة لدولة عربية أخرى، كما فعلت مع القمة الإفريقية في الخرطوم، ولا يفوتني تقديم شهادة للقارئ اليوم، وللتاريخ غدا، بأن الرئيس بوتفليقة، وهو يستقبل السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبعد أن أصغى الرئيس بوتفليقة لمحدِّثه، وهو يعرض أمامه مطالبَ القائمة الأمريكية، فكان جوابُه فوريا وسريعا وحاسما :"إن القمة ستكون بالخرطوم، وأن الرئيس البشير هو رئيس القمة العربية القادمة، وإني أحضر شخصيا فعاليات هذه القمة، حتى لا يتكرَّر ما وقع في القمة الإفريقية الأخيرة، ينعقد اجتماعُها بالخرطوم، وتُسنَد رئاستُها إلى دولة إفريقية ثانية. وكنت وعبد العزيز بلخادم حاضريْن هذا اللقاء، وكم كان شعورنا واعتزازنا كبيرا بموقف الجزائر في مثل هذه الملمات، وفي وجه هذه التحديات".