الخبير القانوني عزالدين زعلاني بمناسبة ذكرى التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية اخترنا محاورة مع الخبير القانوني عز الدين زعلاني المكلف بملف التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، والمتابعة القانونية لمشروع القانون الفرنسي الخاص بالتعويضات لضحايا التجارب النووية. * * تفجيرات رڤان تفوق تفجيرات هيروشيما وناغازاكي 24 مرة * * يجب فتح الأرشيف العسكري السري لتحديد مواقع دفن النفايات النووية * * وذلك لمعرفة مستجدات الملف على مستوى التعويضات والتشريعات وكذا السبل الكفيلة بالقضاء على مخلفات هذه الجريمة الانسانية. * * = تداولت -مؤخرا- أوساط إعلامية وسياسية خبر استعداد فرنسا لتعويض الجزائريين ضحايا التجارب النووية، ما حيثيات هذا الملف الذي سيثار بقوة في الأيام والأسابيع القادمة؟ * - حقيقة لا أساس لهذا الخبر من الصحة، وهو أمر خاطئ لعدة أسباب، أهمها أن وزير الدفاع الفرنسي تحدث عن "مشروع قانون" سيحال على البرلمان، وهو تكلم بطريقة عامة عن تجارب الصحراء وعن تعويض محتمل للضحايا المدنيين والعسكريين الذين شاركوا في هذه التجارب، ولم يشر بتاتا إلى الضحايا من المدنيين الجزائريين المصابين ولا عن البيئة الملوثة إشعاعيا لآلاف السنين وعبر مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة في الصحراء الجزائرية، إذن فهو مجرد مشروع قانون سيحال على البرلمان الفرنسي خلال الأسابيع القادمة، وسيستغرق مدة زمنية طويلة من المناقشة، وهو قابل للمصادقة عليه أو تعديله أو رفضه، ثم إن هناك أمرا غاية في الأهمية ينبغي الانتباه اليه فالمشروع لم يستوف المشاورات والنقاش مع الجمعيات الفرنسية لضحايا التجارب النووية في الصحراء الكبرى وبولينيزيا في المحيط الهادئ، وقد عبرت الجمعيات الفرنسية المدافعة عن حقوق الفرنسيين العسكريين والمدنيين ضحايا هذه التجارب مثل جمعية قدماء التجارب النووية عن استيائها من مشروع القانون لأنه لا يلبي مطالب الضحايا. * * = نفهم من كلامكم أن ضحايا التجارب ليسوا جزائريين فقط وإنما هناك فرنسيون أيضا؟ * - حسب إحصائيات وزارة الدفاع الفرنسية فإن 150.000 فرنسي مدني وعسكري شاركوا في جميع التجارب النووية في الصحراء الجزائرية وبولينيزيا، وبين هؤلاء يوجد عشرات من العسكريين المتقاعدين حاليا من الذين أصيبوا بأمراض اعتبرت ناتجة عن تعرضهم لإشعاعات نووية، وقد بدؤوا مطالبة وزارة الدفاع الفرنسية وصناديق التقاعد بالأخذ بعين الاعتبار الضرر اللاحق بهم وتعويضهم عن ذلك، وفي أغلب الأحيان رفضت المحاكم الفرنسية هذه الطلبات لعدم وجود أدلة عن العلاقة السببية بين الضرر والتجارب النووية، كما رفضت وزارة الدفاع الفرنسية فتح هذا الأرشيف تحت مبرر "أسرار الدفاع الوطني" أما عن المدنيين فكان فيهم بعض الجزائريين من الذين شاركوا في تحضير البناءات وأشغال التهيئة في مواقع التفجيرات النووية وفي عمليات دفن النفايات النووية، وقد عرضتهم للإصابة بالإشعاعات النووية حسب الشكاوى التي رفعوها. * * = حسب قولك فإن عدد الجزائريين قليل، إذن أين يكمن الضرر بالنسبة للجزائر حتى تصح المطالبة بالتعويض؟ * - حسبما يبدو فإن الضرر لحق بالجزائريين القاطنين في الصحراء كلها، وحتى في شمالها، نظرا لتنقل وزحف الرمال، وبهذه الطريقة فإن الأعداد ستكون مهولة جدا، ونظرا لأن التجارب والتفجيرات النووية قوية المفعول وبعضها أجري في الغلاف الجو وحدثت انفجارات وانشطارات نووية كما جرى في تجربة "البيريل" -Beryle- حيث خرج الدخان والسحاب النووي (الشتاء النووي) من منطقة "اينيكر" بتمنغاست وعبر حتى الحدود الجزائرية إلى ليبيا، هذا يعني أن تقييم الأضرار البشرية والبيئية لم يستكمل بعد مداه ولم يتم حصره بعد. * يجب في هذا الصدد إشراك الدولة المتسببة في الضرر (فرنسا) والهيآت الدولية المختصة مثل الوكالة الدولية للطاقة النووية، وكذا أن تستعد الدولة الجزائرية لحصر كل أشكال الضرر بشريا كان أو بيئيا أو حيوانيا، لأن كل مطالبة بالتعويض ينبغي أن يسبقها تحديد مستويات الضرر وعدد الضحايا بعد مرور 50 سنة من وقوع التفجيرات. * * = هل يعقل إذن أن نتحدث اليوم في الجزائر عن التعويضات دون تحديد مسبق للمتضررين مثلما نلحظه في الخطاب الرسمي؟ * - لا بد من المطالبة بالاعتراف بالمسؤولية في إحداث الضرر، لكن بالمقابل لا ينبغي على الجزائر أن تطلب من الأفراد الأحياء من الجزائريين التوجه إلى المحاكم الفرنسية للمطالبة بتعويضات بشكل منفرد. ببساطة لن تمنحهم المحاكم الفرنسية حقوقهم، نظرا لانعدام الوثائق القانونية الخاصة والدلائل بالعلاقة السببية بين التفجيرات النووية والأمراض التي أصيبوا بها جراء تواجدهم في قطر عمليات التجارب، وعلى أية حال لا يمكن أن نترك مريضا جزائريا يتخبط في مرضه دون أن تتكفل الدولة الجزائرية به، إن عليها أن تعوضه في انتظار إصدار سلطات أجنبية لقانون لا يخص الجزائريين، إن على الدولة الجزائرية التي أجريت التجارب والتفجيرات النووية في أراض تحت سيادتها أن تتكفل أولا بالضحايا ثم تطالب فرنسا بالتعويضات في فترة لاحقة، أي أن تأخذ الدولة الجزائرية محل الضحايا المتضررين في مطالبتها اللاحقة للسلطات الفرنسية، هذا ما يعرف في القانون باسم أخذ المحل "Subrogation" ثم إن بعض التجارب أجريت بعد الاستقلال وإلى غاية 1967. * * = تقصد أن الجزائر سمحت بإجراء تفجيرات نووية فوق أراضيها.. كيف تم ذلك وكم عددها؟ * - هناك من يقول إن فرنسا أجرت ما بين 12 إلى 13 تجربة نووية في الجزائر بين 1960-1967 وبالتالي فعلى الدولة الجزائرية أن تحل محل الضحايا، وكذلك تمثيل الإقليم الذي هو تحت سيادتها، والذي تضررت بيئته من هذه التجارب التي استمرت من 1960 إلى 1967 حيث أن هناك من يعتبرها نتيجة اتفاقيات إيفيان التي تحدثت حقيقة عن "تجارب علمية" وليس عن تفجيرات نووية، وبالتالي من حق الجزائر التي سمحت بإجراء تجارب علمية استغلها الجانب الفرنسي غطاء لإجراء تجارب نووية وتفجيرات نووية تفوق في عديد المرات تفجيرات هيروشيما وناكازاكي التفجير الواحد ب 24 مرة أن تثير الملف. هذا سيسمح للدولة الجزائرية وبصفة ابتدائية المطالبة الرسمية بفتح الأرشيف للخبراء العسكريين الجزائريين المختصين في المجال النووي للاطلاع على مدى الضرر وأماكن إجراء التجارب ومواقع ردم النفايات النووية، وفي حالة عدم قبول الطرف الفرنسي بتحمل مسؤولياته فإن على الجزائر اللجوء إلى القضاء الدولي للمطالبة بالتعويضات اللازمة مع ما في الأمر من صعوبة قانونية لعدم وقوع التجارب النووية في الصحراء الجزائرية تحت طائل معاهدات دولية مثل معاهدة واشنطن بين فرنسا والولايات المتحدةالامريكية سنة 1959 الخاصة بالانتاركتيك في القطب الجنوبي، ومعاهدة تالاتيلولكو سنة 1967الخاصة بأمريكا الجنوبية، ومعاهدة راروتونغا سنة 1985 التي تخص حظر التفجيرات النووية في المحيط الهادىء، ومعاهدة بانكوك سنة 1995 الخاصة بجنوب شرق آسيا، كما تلاحظ جميع المناطق محظورة ومحمية ضد التجارب النووية الا الصحراء الجزائرية فليس لها معاهدة وهنا تكمن الصعوبة، لكن هذا يعني أن فرنسا كانت تعرف أخطار تلك التجارب ولم تأخذ بمبدأ الاحتياط والوقاية الاستباقية، وهذا من شأنه أن يدينها جنائيا. * * = تتحدث وكأن ثغرات عديدة في الملف منها عدم تحديد حتى الأضرار التي لحقت بالجزائر بعد 50 سنة.. هل هذا معقول؟ * - بالنسبة للأضرار نحن نعلم أنها كارثية ومستمرة، لقد كشفت آلات رصد الإشعاعات النووية أن بعض الحلي والمجوهرات التارقية التي تباع للسياح بها إشعاعات نووية، لأنها صنعت من أسيجة وأسلاك معدنية أصابتها الإشعاعات النووية، هناك مثلا بئر بمنطقة ايينكر لا تبعد سوى مئة متر عن مكان التفجير، وهذه البئر لا تزال القبائل التارقية تشرب منها رغم أنها ملوثة إشعاعيا ثم تنتقل إلى الدول المجاورة ضمن مسار الرحل الممتد على عدة بلدان مجاورة، كما أن حبة الرمل الواحدة تخزن في ذرتها الإشعاع النووي مدة 24000 سنة، وإذا علمنا أن هناك ظاهرة لزحف الرمال فإن الخطر كان و لا يزال متحركا وليس ثابتا كما يمكن اصابة الشخص بمجرد استنشاق غبار وحبيبات الرمل، وحتى التقديرات بأن التفجير النووي محدد ب 700 كلم غير دقيق بعدما اثبتت التجارب النووية الفرنسية في موروروا أن إشعاعاتها امتدت إلى غاية جزر التاهيتي على مسافة 1500 كلم، أي أقل من المسافة الفاصلة بين رڤان في الجنوب والجزائر العاصمة في أقصى الشمال، لكن مع كل هذا فنحن في الجزائر لا نملك جردة حساب حقيقية لحجم وتداعيات الأضرار. * * = إذن لماذا المطالبة السياسية والإعلامية بالتعويضات عن جريمة نصفها بأنها جرائم حرب مثلها مثل جرائم الاستعمار دون أن نقوم مسبقا بإحصاء المتضررين والمناطق المتضررة بشكل واضح ودقيق؟ * - ينبغي التعريف أولا بجرائم الحرب وجرائم الاستعمار والتفريق بينهما وبين الأضرار الناتجة عن التجارب النووية، كل رجال القانون يعرفون قاعدة قانونية تقول "لا جريمة دون نص قانوني ولا جريمة دون قانون" الاستعمار لا يزال في الجزائر غير مجرم ولا يعتبر بالمضمون القانوني جريمة، لأنه لا يوجد لحد الآن قانون جزائري يجرم الاستعمار، ثانيا ووفقا لما سلف لا يوجد في الجزائر ما يمكن اعتباره جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أثناء الحقبة الاستعمارية، إذن كل هذه المسميات ليست مقننة وتفتقر للنصوص القانونية، ولا يوجد نص قانوني كذلك يعطي الحق للمواطنين الجزائريين أو الجمعيات أو المؤسسات الجزائرية في الشروع في متابعات قضائية ضد المتسببين في الجرائم مثل قتل المدنيين في عملية المنظار جيمال ومجازر 8 ماي 1945، ولا يوجد قانون يجرم حتى الإشادة بالاستعمار ويعتبره جريمة ويسمح بمتابعة صاحب الإشادة على غرار القانون الأوروبي الموجود حاليا الذي يعتبر الاستعباد جريمة ضد الإنسانية، وكذا المحرقة اليهودية الهولوكوست جريمة، والإشادة بالنازية جريمة... فما الذي منع ويمنع الدولة الجزائرية من تجريم الاستعمار في حد ذاته وتجريم الإشادة به وتشريع قوانين تسمح بالمتابعة القضائية سواء في المحاكم الجزائرية أو الدولية، أما قضية التفجيرات النووية فهي قضية منازعات بين الجزائروفرنسا تخص التعويضات، فهي ذات طابع مدني أولا، ومن الصعب أن نثبت طبيعتها الجزائية في غياب محاكم مختصة، بل حتى المحاكم المختصة مثل المحكمة الجنائية الدولية تختص في القضايا الحاضرة والمستقبلية وليس في القضايا السابقة فهي غير ذات أثر رجعي. * * = بالمختصر المفيد، هل يمكن للقانون الفرنسي المرتقب أن يتكفل بالتعويض عن التفجيرات النووية للطرف الجزائري كما قيل؟ * - في الظرف الحالي وحسب المشاريع المقدمة للدراسة التي اطلعت عليها فإن مشروع القانون يتحدث مثلا عن الأشخاص "المدنيين" و"العسكريين الذين تواجدوا في مكان التفجيرات أو أقاموا فيها، وهذا يعني أن القانون يشمل فقط المشاركين العسكريين والمدنين الفرنسيين وبعض العمال الجزائريين الذين شاركوا في أشغال بناء بالموقع، هذا يؤكد بصريح العبارة أن المشروع القانوني يقصي السكان المجاورين والرحل، لأن الكل يعلم أن المناطق التي أجريت فيها التجارب كانت خالية من السكان، كما أن مشروع القانون يخص هذه المناطق بالذات بغض النظر عن التفجيرات التي أجريت في الغلاف الجوي لسماء المنطقة والتي تمتد إشعاعاتها على آلاف الكيلومترات المربعة وغير المحدودة لحركة الرياح مثلما وقع في حادثة تشرنوبيل، كما أن مشروع القانون الأخير قلص المدة الزمنية بالنسبة للمصابين بتحديده التعويض للمتواجدين والمقيمين في المركز الصحراوي للتجارب العسكرية بين 13 فيفري 1960 و31 ديسمبر1961 والفترة ما بين 7 نوفمبر 1961 و31 ديسمبر 1967 بالنسبة للمتواجدين والمقيمين في مركز الواحات للتجارب العسكرية، وبالتالي فهو لم يشمل كافة المصابين المقيمين بالصحراء ولم يتحدث عن الضرر اللاحق ببيئة الصحراء ولا حتى عن الذين أصيبوا بعد استخدام أدوات ووسائل تركتها فرنسا بعد الجلاء، وأما بالنسبة للضحايا المدنيين فأغلبيتهم الساحقة كانوا لا يعلمون بوجود تجارب نووية من هذا النوع في الصحراء، لذلك فقد كانوا يعتبرون إصابتهم بأمراض خبيثة وسرطانية قضاء وقدرا وحتى عندما كانوا يرزقون بأطفال مشوهين كانوا يقومون بدفنهم بسرعة لاعتقادهم أنهم ولدوا مشوهين بالطبيعة، حدث هذا منذ 50 سنة ناهيك عن تداعياته بسبب الانتقال الوراثي عبر البصمة الوراثية والجينات إلى الخلف والأبناء على مدار الأجيال دون حساب الضرر الذي لحق بالبيئة، لأن صحراءنا ليست الربع الخالي ففيها أراضي فلاحية تنتج مزروعات وغلالا وفيها حيوانات وواحات وفيها مياها جوفية، إذن ينبغي تحديد حجم الضرر في كامل أشكاله وعدد المتضررين سابقا ولاحقا، ينبغي أيضا الكف عن الأساليب الفولكلورية والغوغائية في المطالبة بالتعويضات والشروع الفوري في سن القوانين والبدء في الإجراءات القانونية والإدارية حتى يكون المطلب مؤسسا وقويا ويمكن فرضه بصفة رسمية وجدية وعلنية سواء في إطار ثنائي بين الجزائروفرنسا أو باللجوء للهيآت الدولية المختصة للنظر في معالجة هذا الملف بغرض ادراجه في خانة "المنازعات بين البلدين". * * = أخيرا، وفي انتظار أن يقوم الطرف الجزائري بواجباته في التشريع القانوني وتقدير الضرر، ما هي طبيعة حقوقه في التعويضات؟ * - هناك تعويضات مادية ومعنوية ووقائية، على الجزائر أن تتكفل ماديا بالضحايا، وأن تقوم بهذه الخطوة لفائدة مواطنيها سلفا ثم تطالب الدولة الفرنسية بالتعويضات المادية لاحقا، الطرف الفرنسي له إمكانيات ومؤسسات صحية لرصد وكشف الأمراض المتنوعة الموجودة في الصحراء الجزائرية، وحتى إذا ما تعلل الجانب الفرنسي بعدم معرفته لحجم الأخطار والأضرار المتوقعة من تلك التفجيرات فإنه مسؤول من ناحية أنه أخذ احتياطاته عندما قام بتجارب في الأراضي الجزائرية وفي بولينيزيا بعيدا عن بلده، وقد سمحت تلك التجارب للدولة الفرنسية أن تكون دولة نووية وذات قوة عالمية ذات هيبة على "ظهر" مواطنين جزائريين كالطوارق والسكان العزل، بإمكان الدولة الجزائرية أن تطالب بالحق في الاستفادة من تعويض مادي ومعنوي بكل ما أفادت به هذه التجارب من الناحية العلمية كالحق في الوصول الى التكنولوجيا النووية، تقنياتها ومزاياها. *