سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مدانون بالملايير لدى البنوك والضرائب: مكاتب للتصدير والإستيراد باسم أموات ومجانين وحمّالين ورعاة غنم! *400 قضية أمام العدالة.. حمّال مدان ب 100 مليار ومجنون رأس ماله 200 مليار
مجانين.. لكنهم رجال مال وأعمال بين عشية وضحاها يجدون أنفسهم مدانون بالملايير، مع أنهم لا يملكون قوت يومهم، أو هم من هؤلاء الذين ينتمون إلى زمرة من رفع عنهم القلم، استغلتهم بارونات المال والأعمال وأصحاب "الشكارة" الذين يتحوّلون إلى أثرياء تفوق ثرواتهم ثروة "روكفيلر"، وجدوا ضحايا لا حول ولا قوة لهم، وجعلتهم سلما سريعا للوصول إلى الربح، مستعملين أسمائهم وسجلاتهم التجارية، ضاربين عرض الحائط، ما سينجر عن ذلك من نهب وابتزاز للمال العام. * * محور العملية ينطلق من بيع الحقوق القانونية ثم "الوكالة"على السجلات التجارية والتي سمحت بتحويل هذا الأخير إلى مفتاح سحري للثراء، يلجأ إليه المستوردون المزيفون، والتي ارتبطت لسنوات بكل التجاوزات التي استهدفت الضرائب وأدت إلى اتساع ظاهرة الإقتصاد الموازي. * الخطوة بحد ذاتها بسيطة للغاية، فيكفي أن تقنع شخصا أو تغذيه وترشيه لاستخراج سجل تجاري باسمه، ثم توقيع وكالة لدى الموثق لشخص ثالث، وهو المستورد أو التاجر المزيف، رغم أن الأحكام التي تضمنها قانون 04/08 يعاقب كل شخص زور شهادات التسجيل في السجل التجاري، إلا أنها تبقى بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش. * فالمسألة إذن تنطلق من خلال الأدوات القانونية للسجل التجاري، سواء المحلية أو سجلات الإستيراد، أي أن الخلل موجود في نسيج التجارة الداخلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يبعث الشكوك والاعتقاد أن الهدف من هذا الخلل مقصود، وهو تغطية عمليات المضاربة وتسهيل قوانين تحويل العملة الصعبة، والتي تدخل بطبيعة الحال في صميم الموارد الحيوية للتهرب الضريبي، كما أن الخلل القانوني في السجل التجاري، يستخدم للتهرب من كل القوانين التي تنظم التجارة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالإستيراد وهو الشيء الذي يسمح للكثيرين بتوظيفها وتأويلها لصالحهم. * وبطبيعة الحال، فإن المستفيدين يعرفون جيدا القوانين المتعلقة بالإستيراد، وبالنظر لتغييب المعلومات يجري الإتصال بين بنك الجزائر الخارجي، الجمارك والبنوك الأجنبية المستقبلة للتحويلات المصرفية وبالعملة الصعبة، المستوردون المزورون يتقدمون بملف قانوني لا غبار عليه إلى بنك الجزائر، وتتم عملية التحويل الوهمية، تبعا للقيمة المطلوبة للبضائع المستوردة، حسب القوانين، وهكذا يتمكن المستوردون المزورون من تحويل الدينار إلى العملة الصعبة دون الوقوع تحت الإلتزامات التجارية والضريبية. * * مفتاح المال السحري * كثيرون هم الذين وقعوا ضحايا استخراج السجل التجاري من فئة "استيراد وتصدير" ثم كرائه ليجدوا أنفسهم مدانون بالملايير، على شاكلة ذلك الحمّال المدان ب100 مليار سنتيم، المدعو "زيدان" -ليس اللاعب الدولي بطبيعة الحال- لكن حبه لزيدان جعل الناس يلقبونه بهذا الاسم، اضطرته الظروف الاجتماعية إلى التشرد ومقاطعة الدراسة، ليعمل بعدها في عدة مهن ك "قهواجي"، وغيرها من المهن الحرة إلا أن مهنته الأخيرة كانت"حمّالا" عند أحد التجار، بدأت قصته مع الملايير التي لم يرها في المنام، فقد اقترح عليه أحد المتعاملين تكوين ملفا للحصول على سجل تجاري يسمح له بتشغيله في عمليات تجارية مقابل الاستفادة من نسبة معينة من الأرباح. * وبتاريخ 20 جويلية 2002 بدأت العمليات التجارية بشكل منقطع النظير، وبأموال ضخمة وأغلبيتها كانت مع شركة في صناعة المواد الكهرومنزلية والتي بلغ رقم الأعمال معها من طرف نفس الشخص خلال سنتي 2002 و2003 فقط قيمة 705.440.87100 أي ما يفوق السبعين مليارا، وتواصلت بعدها العمليات بنفس الوتيرة وظلت الأجهزة الإلكترومنزلية تباع وتشترى إلى أن فاق رقم الأعمال مع الشركة 400 مليار سنتيم، وإدراج المدعو "زيدان" في قائمة التجار الكبار، حيث سوّقت بضاعته في مختلف جهات الوطن انطلاقا من شارع"دبي" بالعلمة. * كل هذه العمليات تمت وصاحب السجل التجاري في سبات عميق، إلى غاية تفاجئه بتوجيه استدعاء له من طرف السيد وكيل الجمهورية لدى محكمة سطيف، للمثول أمام العدالة كمتهم بالغش والتهرب الضريبي، حيث تأسست المديرية الولائية للضرائب كطرف مدني. * وهو الشيء ذاته عرفه "راعي غنم" الذي استغلته مجموعة أشخاص لا يهمهم إلا جمع المال بأي طريقة، والمهم أن لا يتابعوا من طرف الدولة، فراعي الغنم وجد نفسه مدان بعشرات الملايير، ولم تتمكن مصالح الضرائب من استرجاع أموالها، لأنها لم تجد عند هذا الأخير إلا عصاه التي يتوكأ عليها ولا يوجد ما يمكن أخذه لحجزه. * هذه المافيا لم ترحم المجانين، فمن ضمن القصص الأكثر غرابة ومرارة في نفس الوقت، قصة أقحم فيها شخص ينتمي إلى زمرة من رفع عنهم القلم، حيث تم استغلاله بحنكة بالغة فأخرج من عالم الجنون وأدخل عنوة إلى ميدان التجارة إلا أن فاق رأس ماله 200 مليار سنتيم، فكان اسمه وراء إدخال حاويات وتسويق بضائع على طريقة التجار الكبار، إلى أن بلغت قيمة الضرائب المسجلة عليه نحو 20 مليار سنتيم، عجزت مصالح الضرائب عن تحصيلها حتى لو كان بواسطة العدالة، لأنها وجدت نفسها أمام تاجر مليادير في درجة مجنون، لكن وراءه عقلاء بمرتبة محتالين. * وخلال إجرائنا لهذا التحقيق، اكتشفنا وجود مؤسسة خاصة معروفة على المستوى الوطني، تستغل مجموعة من الفقراء والمتسوّلين والأرامل الذين يلجأون إلى بيع حقوقهم القانونية وتغريمهم بمبالغ معتبرة، وحسب مصادرنا فإن هذه المؤسسة تقوم بشراء أكثر من 25 سجلا تجاريا في السنة، ويكسب وراء كل سجل واحد فقط، ملايير من الدينارات، إضافة إلى تهربها الجبائي طبعا، وفي نفس السياق، أكدت لنا مصادر متطابقة تقديم أكثر من 400 تاجر مزيف أمام العدالة مؤخرا.