بعدما تباكينا كثيرا على الواقع الإسلامي المُحزن في فرنسا بسبب انتشار الإسلاموفوبيا التي حمل لواءها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه وثلة من سدنة العلمانية التي تحولت من مبدأ للتسامح والتعددية إلى أيديولوجية توازي أو تفوق المعتقدات الدينية، تصنع سويسرا اليوم الحدث بسبب تصويت الأغلبية السويسرية لصالح قرار يقضي بحظر بناء المآذن، وسط ذهول الصحافة السويسرية نفسها التي لم تفهم كيف انساق السويسريون "المحايدون" إلى حملات الكراهية والدعاية التي تُشوِّه صورة المسلمين. * * لا يوجد في سويسرا كلها سوى أربع مآذن، لكن الحملة التي استهدفت إزالتها لم تكن تعتبرها مجرد "منارات" يرتفع منها صوت الأذان، وإنما لكونها رمزا إسلاميا يكشف تزايد أعداد المسلمين الذين أصبحوا يشكلون، في سويسرا وبقية أوروبا، مصدر تهديد وقلق تدرس الحكومات الأوروبية الطرق المثلى للتعامل معه، لاسيما وأن الجاليات المسلمة في أوروبا تغرق في صراعات فوضوية تعكس انتماءاتها القُطرية أو الأيديولوجية، وهو ما يجعل صوتها مبحوحا وصورتها مشوهة . عندما تقوم بعض الجماعات في العالم الإسلامي بتشويه الإسلام باختزاله في صورة "مشوهة" عن الجهاد، وعندما تعتبر أن مشاهد التفجيرات وتقطيع الرؤوس هي خير ما يُصيب "أعداء الله" بالرعب ولهذا تحرص على نقلها عبر وسائل الإعلام العالمية، فإن النتيجة الحتمية لهذا هي خلق صورة عن الإسلام تربط بينه وبين الإرهاب والقتل والإجرام بطريقة تفتح على المسلمين في الغرب أبواب الجحيم، حيث يصبحون في نظر الغربيين مجرد سفاكين للدماء لا علاقة لهم بالحضارة ولا المدنية ولا التعايش، وستسقط كل دعاوى احترام حقوق الإنسان في التعامل معهم، على حد تعبير أحد مستشاري توني بلير سابقا : " نحن نتعامل وفق حقوق الإنسان فيما بيننا، ولكننا نتعامل وفق قوانين الغاب مع غيرنا " ! المشكلة الرئيسية في هذه النظرة السويسرية للإسلام، وفي النظرة الفرنسية للحجاب والشعائر الدينية، إضافة إلى ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، تكمن في الطريقة التي نعرض بها الإسلام، في الضفة المقابلة لهذه الضفة الأوروبية، حيث يُختزل ليُصبح مزيجا متجانسا من الفوضى والجهل والتخلف والإرهاب، قبل أن تتحرك آلة الدمار الإعلامية في أوروبا والسينما الهوليوودية لاستكمال المشاهد المتبقية من اللوحة، حيث تُختزل كل حضارتنا وإسهاماتنا المعرفية وتعاليمنا الدينية السامية في صورة مشوهة ما كان لها أن تكون لو لم نُعط لها نحن ذرائع الوجود . سويسرا أصبحت تخشى من الإسلام، كما فعلت أمريكا وفرنساوألمانيا قبلها، وكما ستفعل الدول الأوروبية مستقبلا، والبحث عن تحسين الصورة ينطلق منا نحن، عندما نُقدّم الأمثلة الصحيحة عن الدين الذي نؤمن به، وعن الحضارة التي رفعتنا على رؤوس العالم قرونا، وعندما نكون أول مطبّق لتعاليم نؤمن بها نظريا لكننا نجعلها وراء ظهورنا عمليا .. لن نتساءل بعد اليوم عن سبب انتشار عدوى " الإسلاموفوبيا " لأننا نحن من صدّرنا الفيروس أول مرة .