الصورة أبلغ من كل تعليق ! تم بولاية سطيف تسجيل تدخل فريد من نوعه من أجل إنقاذ عائلة مكونة من الأم وخمسة أطفال لم يخرجوا من الكوخ الذي يقطنون به منذ 8 سنوات عاشوها على طريقة أهل الكهف إلى أن كادوا أن يخرجوا عن فئة البشر.. فلم يعرفوا من الغذاء سوى الخبز والحليب والغريب أنه عندما قُدّم لهم الموز أكلوه بقشوره، ولما سُلمت لهم حبات حلوى فزعوا منها وكأن الأمر يتعلق بأناس ينتمون إلى العصر الحجري. هذه العائلة تحمل لقب عباس، جاءت منذ حوالي 8 سنوات من ولاية باتنة واستقرت بكوخ بمنطقة العوازقة التابعة لبلدية بازر سكرة الواقعة جنوب شرق ولاية سطيف، ويومها كانت العائلة مكونة من الوالدين وثلاث بنات، أكبرهن لا تتجاوز يومها الست سنوات. نزل الجميع بعفوية بكوخ مبني بالطوب لا يصلح لإيواء الحيوان، وقد جاء هذا الرحيل بعدما توفيت والدة الأب، الجدة، واضطر والد الأب، أي الجد، إلى الزواج من امرأة ثانية فتغيرت حياة الأسرة وقرر الوالد الاعتماد على نفسه، فوجد نفسه مرغما على الاستقرار بالكوخ المذكور. وبعد فترة من البطالة واللااستقرار، كان يتوجه من الحين إلى الآخر إلى العلمة ليعمل كحمال عند تجار السميد مقابل دراهم معدودة لم تكن تكفيه سوى لشراء الحليب والخبز لعائلته.لكن أمام بلادة هذا الوالد وانهياره النفسي كان كلما يتوجه إلى العمل يغلق الكوخ على عائلته بالمفتاح ويخبئه فوق الباب خوفا من أي طارئ، فكان أشبه بالقطة التي تأكل أبناءها خوفا عليهم، والغريب أن هذه الحال استمرت لمدة 8 سنوات كاملة والأغرب أنه خلال هذه الفترة أنجبت الأم طفلين آخرين بهذا الكوخ فأصبحت العائلة تتكون من الأب، 43 سنة، والأم، 38 سنة، وخمسة أطفال هم على التوالي إيمان، 14 سنة، كريمة، 12 سنة، صورية، 9 سنوات، نسرين، 5 سنوات، و الطفل نبيل، 4 سنوات. مع العلم أن الطفلين الأخيرين ولدا بالكوخ بطريقة تقليدية والأطفال الخمسة غير مسجلين في الحالة المدنية ولا يملكون أي وثيقة إدارية تثبت ميلادهم.كل هؤلاء الأفراد يعيشون في كوخ يتكون من غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها الستة متر مربع بجوارها فناء صغير والكل محاط بنبات القصب الذي طغى على المكان فلا يكاد أحد يكتشف هذا الكوخ. حتى أن العديد من السكان القريبين من المنطقة الذين سألناهم لم يكونوا يعلمون بوجود هذا الملجأ الذي لا يعقل أن يأوي البشر. وبطبيعة الحال لا وجود أصلا للكهرباء ولا الغاز ولا حتى لقنوات الصرف، حيث يضطر أفراد العائلة إلى قضاء حاجتهم البيولوجية في حفرة بالفناء.والأغرب من كل هذا أن العائلة تفترش التبن، فلا فرق بينها وبين الأنعام، وعند النوم يلتحف الجميع ببطانية واحدة رثّة ازداد سمكها من كثرة الأوساخ، فكان الأفراد السبعة ينامون جنبا إلى جنب بين التبن والبطانية الخشنة، وهي الحال طيلة أيام السنة وحتى في الشتاء البارد المعروف في سطيف وبتساقط الثلوج. إيمان لم تنزع فستانها منذ 8 سنوات ونبيل لم يرتد السروال منذ أن ولد! أما الكوخ من الداخل فهو موحش ينبعث منه الفزع، جدرانه الأربعة اسودّت من الرطوبة ولا توجد به سوى نافذة صغيرة والمكان ككل تنبعث منه رائحة كريهة لا تطاق، وكل ما تملكه العائلة في هذا الكهف لا يعدو أن يكون سوى البطانية المذكورة وقطع أخرى من القماش الرث ودلو يعبّئه الوالد كل يوم بالماء الشروب وأواني بسيطة من الألمنيوم اشتد سوادها (حتى الملاعق غير متوفرة) وقطعة مرآة مكسورة... نعم هذه هي كل الممتلكات التي تستحق الذكر. والأدهى من كل هذا أنه لا وجود أصلا لفرن أو "طابونة"، مما يعني أن العائلة لم تتناول وجبة ساخنة منذ سنوات والأم لم يسبق لها أن حضرت طعاما، فكان عشاؤهم كل ليلة قطعا من الخبز وكمية من الحليب التي يحضرها الوالد في كل المساء، فيوميات هذا الأب تختصر في التوجه صباحا لملء دلو الماء وبمجرد أن يضعه داخل الكوخ يخرج ويغلق الباب بالمفتاح الذي يخبئه في مكان يعلو المدخل ويتوجه إلى العلمة علّه يحصل على عمل يسترزق به، فأحيانا يقوم بحمل أكياس الدقيق وأحيانا أخرى لا يجد عملا ويعود بخفي حنين.أما الأم وأطفالها الخمسة فيظلون طيلة النهار محبوسين في ذلك الكوخ الموحش ولا يرون النور إلا من خلال الفناء الصغير الذي لا يتسع للعب الأطفال، مع العلم أن هؤلاء لم يخرجوا إطلاقا ولا يعرفون حتى إن كان لهم جيران أو أناس يقطنون بجانبهم، فلا شغل للأم إلا مراقبة أبنائها والبكاء على حظها الذي رمى بها في هذا السجن العائلي. وبما أن الماء غير متوفر إلا للشرب، فإن الأطفال لم يستحموا طيلة السنوات الماضية. والملفت للانتباه أن الطفلة الكبرى إيمان البالغة من العمر 14 سنة التي لم تلتحق بالمدرسة نهائيا، ظلت ترتدي نفس الفستان منذ أن كان عمرها ست سنوات إلى درجة أنه اليوم تمزّق فوق جسدها، ونسرين لا تغطي من جسدها إلا الجهة العلوية، أما الطفل نبيل البالغ من العمر 4 سنوات فمنذ أن وُلد لم يرتد السروال وليس لديه أي فكرة عنه. أطفال لا يعرفون أسماء الأشياء ولا ينطقون إلا بكلمات الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن الأطفال الخمسة لا يعرفون أسماء العديد من الأشياء ولا يسمعون إطلاقا بما يحدث في العالم الخارجي، لدرجة أن النازل بالمكان يحس بأنه سافر عبر الزمن وعاد إلى العصر الحجري، فحياة هذه المخلوقات اختصرت بين أربعة جدران ولا علم لها إطلاقا بما يحدث خارج الكوخ، حتى الحديث بينهم مختصر لا يكاد يتعدى بعض الكلمات.للأمانة، فإن هذه العائلة اكتشفها أولا زميل بأسبوعية كواليس المحلية الذي اصطدم بهذه المخلوقات صدفة، فكلمته الأم من وراء الباب ولما وقعت عينه على المفتاح المخبأ فوق المدخل فتح عليهم الباب وفزع لما رأى الأم والأطفال الخمسة في مشهد يشبه صورة الإنسان البدائي ولما أحضر لهم الطعام لم يعرفوا كيف يؤكل الدجاج المشوي بل إن الطفلة صورية ذات التسع سنوات وأختها نسرين أكلتا حبات الموز بقشورها ولم تتعرفا على ماهية هذه الفاكهة، ولما سلمت للأطفال حبات الحلوى فزعوا منها ورموها لأنهم لم يروها من قبل.هذه هي إذن حالة عائلة من أهل الكهف تعيش بيننا في سنة 2008 والتي تم اكتشافها عن طريق الصدفة، وقد تدخّل في هذه القضية النائب البرلماني عباس صفصاف الذي أخبر بدوره والي ولاية سطيف وخرجت على إثر ذلك لجنة من مديرية الشؤون الاجتماعية التي تنقلت رفقة النائب ورئيس بلدية بازر سكرة إلى عين المكان واطلع الوفد على حال العائلة وسط جو من الفزع والحيرة، إلى درجة أن كل الحضور كانت أعينهم تفيض من الدمع لما رأوا من مشاهد لم يسبق أن عرضت إلا في أفلام السينما. وقد تم على الفور نقل الأم والأطفال إلى دار التضامن بسطيف، حيث شرع فريق طبي في تفحصهم، في حين سارع بعض المحسنين إلى التبرع لهم ببعض اللوازم، في انتظار تحرك السلطات لإيوائهم، لتكون بذلك عائلة عباس قد انتشلت من عصر غير عصرنا وهي الآن بحاجة إلى بعض الوقت لتستعيد حياة البشر بصفة عادية.