يُحكى أن قبيلتين كبيرتين تنتميان إلى بطن واحد من بطون العرب قديما كان بينهما تغاير دائم، ولكن هذا التغاير الطبيعي بين الأنداد لم يقطع يوما وشائج القرابة والتواد ولم ينس تآزرا جعله الأجداد نهجا ضد نوائب الدهر ومطامع الغازي، حتى صارا - كلاهما - ضمانة لوجود وحصانة غيرهما من القبائل الأخرى من بني عمومتهما... * ولكن ذات يوم مشين سيئ الطالع اندلعت بينهما حرب ضروس شارك فيها الرجال والنساء والشيوخ والشباب والأطفال حتى كاد قش خيامهم وشعرها ووبرها ينطق فيقول ها أنا للكريهة قادم، لم يكن السبب المباشر لهذه الحرب عديمة الشرف أمرا ذا بال إذ لم تغز قبيلة منهما أخرى ولم يقم أحد من هذه القبيلة بقتل آخر من تلك مما يستوجب الرد أو الثأر في الحالتين كما كان حال العرب قبل الإسلام. كما لم تحاول إحدى القبيلتين منازعة الأخرى في السبق لمحمدة كبيرة كتوحيد القبائل الأخرى مثلا لتكوين مجد عربي كبير بين الأمم أو تكوين تحالف الفضول ضد فساد أو خيانة استشرت بين القبائل مما أثار القبيلة التي لم تبادر فافتعلت الحرب لتوقف المجد على الجميع. لا لم يكن السبب نوعا من هذه الأسباب المنطقية بل كان السبب أمرا بسيطا يتعلق بحادثة هامشية في حياة الناس آنذاك لا تتطلب قرع الطبول وحشد الجيوش أو هتك القرابة وكفران الفضل، كان الأمر ببساطة يتعلق بسباق بين جوادين فحلين أصيلين ماهرين ينتمي كل واحد منهما لقبيلة من القبيلتين ووقع في أجواء المنافسة من التهارش والتلاسن والهمز واللمز بين المتفرجين ما حدث مثله قرونا خلت في المنافسة بين الخيول في تاريخ العرب، وفي الأخير فاز أحد الجوادين وتأخر الثاني فثارت ثائرة زعماء قبيلة الفرس المتأخر إذ ظنوا أن قبيلتهم الأوفر عددا لا يجب أبدا أن يهزم فرسها وطفق شعراؤهم وخطباؤهم ينظمون من شعر الهجاء اللاذع في حق قبيلة الحصان الفائز وتاريخها وعرضها وأصلها ما جعل بني عمومتهم في القبيلة الأخرى يثورون ثورة لم ير لها مثيل من قبل حتى اختلط الحابل بالنابل وصار لا يُرى بين القوم هنا وهناك فرق بين حصيف ومتوتر ولا حليم وغضوب إلا ما ندر من الأصوات التي لم يلتف لها أحد ولم يكن لها أثر، اشتد القتل واستحر الطعن حتى كاد القوم يفني بعضهم بعضا وضاع ما كان بينهما من تجارة وتبادل وتقطعت السبل وتمزقت الأرحام حتى تنكرت الزوجة من القبيلة المغايرة لزوجها وعادت لأهلها، وأخرج الزوج زوجته من الربع الآخر وأعادها لأمها، وفي خضم هذه المعركة المجنونة التي لا تشبه شيئا يمكن للعاقل تفسيره تحركت قبائل أجنبية معادية تريد اهتبال الفرصة لتنقض على الطرفين أو لتدخل على الخط فتديم الصراع وتنهك القوى وربما تفتك بالقبائل الأضعف في ساحة العرب. * ولما وصل الأمر إلى هذا الحد تحركت نخوة الأحرار هنا وهناك واستطاعت أصوات العقل أن ترتفع في ساحة الوغى فوق صليل السيوف وصفير النبال لتقول للناس كفى قد بلغ السيل الزبا! سمع القوم النداء أخيرا وانتبهوا من سكرتهم وندموا على فعلتهم وراح الجميع يبحث عن سبل ترميم الوشائج الممزقة وتطبيب الجراح النازفة وتحصين القلاع المهدمة، ولكن كان لا بد من مبادرة تكسر الجمود وتدخل البهجة وتنسي الماضي القريب الدامي، وهم كذلك على تلك الحال يفكرون كيف تكون الخطوة الأولى للتصالح إذ بفكرة إبداعية تبرز تدعو الجميع للعودة لساحة البدء، ميدان سباق الخيول، لتنظيم حفل كبير هناك يحضره الجميع، عنوانُه مسابقة أخرى بين الجوادين الفحلين الأصيلين الماهرين اللذين بسببها امتشق الناس السلاح ومضوا نحو الخصام، على أن يفرح الجميع بالحصان الفائز مهما كان وأن يعتبروا المهر المحظوظ مهرهم ولو كان لبني عمومتهم وأن يكرموه جميعا معا، وهكذا كان الحال وكانت المسابقة الأخيرة بهجة وسرورا وفرحة وحبورا وفاز أحد الجوادين واحتفى به الجميع احتفاء قل نظيره في مآثر العرب وعادت بذلك المياه لمجاريها وسكنت النفوس واطمأنت القلوب وتفرغ الناس بعد هذا اللهو المشروع النبيل الهادف لإنجاز ما يجب عليهم إنجازه خدمة لمصالحهم المادية والمعنوية بما يجعلهم أرقى وأقوى وأمنع بين الأمم. * لست أدري هل هذه القصة العربية التي حبكتها بتصرف وقعت فعلا أم لا، ولكن بكل تأكيد فيها من العبر والدروس ما يذكرنا بالوضع البائس القائم بيم مصر والجزائر بسبب كرة القدم، وقد جعلني انتبه إلى هذه الأسطورة العربية المواجهة الجديدة المرتقبة بين الفريقين في مباراة نصف النهائية لكأس أمم افريقيا في انغولا. هل ستكون هذه المقابلة عرسا كرويا بين أشقاء يتأهل فيه في كل الأحوال فريق عربي للمقابلة النهائية فيبتهج الجميع بالفريق الفائز وينصبوا خيام الأفراح ويقرعوا طبول المرح كما فعل أجدادهم في القصة المروية أعلاه ثم يعود كل فرد في البلدين لإتقان عمله وتشريف مسؤولياته لتكون الجزائر ومصر كلاهما دولتين متطورتين قويتين يُعز بهما الإسلام وأهله و يُرفع بهما الغبن عن المظلومين من بني العرب خصوصا في فلسطين، أم أن المواجهة المرتقبة ستعمق الشرخ الحاصل وتديم العداوة المستشرية وتعطل المصالح المتبادلة بما يجعل الشعبين في تيه طويل المدى وذهول عما يصنع المجد والعلا ليطول سلطان الظلم والفشل والطغيان. إن هذه الصورة صورة مأساوية لا يجب قبولها، لا بد أن تكون هذه المقابلة فرصة للمصالحة. ولا ضير أن يتمنى كل طرف النجاح لفريق بلده فهذه غريزة بشرية لا يمكن جحودها ولا كبتها، إن مسابقة التصالح بين الجوادين الأصيلين الماهرين في القبيلتين المذكورتين افتعلتها إرادة المصالحة التي نادى لها العقلاء أما المواجهة بين الفريقين المتميزين المبهرين لمصر والجزائر ساقتها الأقدار الربانية فلنفر من قدر الشؤم فيها إلى قدر البر ولنملأ أجواء المباراة قبلها وبعدها بحديث الفأل الحسن والخير العميم، وكم تكون الصورة جميلة لو تبدأ المقابلة بمصافحة حارة وطويلة بين الشيخ سعدان والمعلم شحاتة وبصورة جماعية للفريقين الشقيقين، وتنتهي بابتهاج جماعي بالفريق الفائز كائنا من كان.. ليس هذا مستحيلا!