عندما تستمع لانتقادات مختلف فئات ضحايا المتضررين من المصالحة الوطنية، تجزم أن هذا الملف لم يحقق النجاحات التي نسبت إليه في منابر السياسيين ومقالات بعض الإعلاميين.. البعض يشكو ويتألم من ضياع حقه في قانون صوت عليه الجزائريون بنسبة لا غبار عليها بلغت 97 بالمئة وقطعت لسان كل خطيب.. "الشروق" أعادت فتح هذا الملف بمناسبة حلول الذكرى التاسعة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وسألت المعنيين بهذه القضية، التي يعتبرها البعض مثالا جزائريا خالصا في تجاوز الأزمات، فيما يعتبرها البعض الآخر تهريبا للمأساة نحو المستقبل، في ظل عدم الحسم فيها نهائيا، بما يجعل بعض الأطراف تطالب باستكمال الميثاق بعفو شامل، في وقت يتوقع فيه البعض لجوء رئيس الجمهورية إليه حسب ما تتيحه له صلاحياته ضمن الميثاق، بينما يحذر آخرون من هذا العفو أو تعميمه. "أطفال الجبل" والمساجين السياسيون والمفقودون والمغتصبات مكاسب تحققت.. وملفات مفتوحة تنتظر التسوية انقضت 15 سنة من عمر قانون الوئام المدني، وتسع سنوات على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ومع ذلك لاتزال الكثير من الملفات عالقة، سيما ما تعلق منها بالمفقودين، المساجين السياسيين، الأطفال الذين ولدوا في الجبل، النساء المغتصبات، جنود التعبئة.. وإذ نجحت السلطة بفضل التشريعات التي قننت إعادة إدماج الآلاف من المسلحين في المجتمع، فإنها فشلت في الإحاطة بكل ضحايا "المأساة الوطنية"، كما اصطلح عليها المشرع في قوانين المصالحة، فقد ميزت في تطبيق القانون الذي استفتي فيه الجزائريون، بين فئة وأخرى، بالرغم من أن الفئات المستثناة، محصورة في العناصر التي تورطت في عمليات القتل الجماعي وانتهاكات العرض والتفجيرات. وبينما يؤكد مصطفى غزال، منسق ما يعرف ب"عائلات المساجين السياسيين"، أن الكثير من هؤلاء المساجين، قد تم اعتقالهم قبل اندلاع الأزمة الأمنية، وأن جلهم -برأيه- غير متورطين في عمليات القتل والاغتصاب والنهب، لكون إيقافهم جاء قبل الأحداث الدامية التي شهدتها البلاد بعد شتاء عام 1992، إلا أن عناصر هذه الفئة لايزالون خلف القضبان. واللافت في الأمر، هو أن قضية "المساجين السياسيين"، لم تأخذ حقها من الاهتمام الإعلامي والسياسي، إلا عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذين لم يطلق سراح سوى اثنين منهم، مرضى وكبار سن، بعد المشاورات التي قادها رئيس الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، حول "الدستور التوافقي" في شهر جوان المنصرم، إثر تدخل من قبل القيادي السابق في الحزب المحل، الهاشمي سحنوني ورئيس ما كان يعرف ب"الجيش الإسلامي للإنقاذ"، مدني مزراڤ. القضية الأخرى التي لاتزال تضغط على مشروع المصالحة، تتمثل أيضا في قضية المفقودين، واحدة من أعقد الملفات التي مرت على كل الدول التي شهدت ما عاشته البلاد. ومما زاد القضية إثارة وحضورا في المشهدين السياسي والإعلامي، هو استماتة أمهات المفقودين من أجل معرفة حقيقة أبنائهن، ورفض الكثير منهن قبول التعويضات المالية التي قررها ميثاق السلم والمصالحة، قبل معرفة حيثيات الاختفاء. ومن بين القضايا التي أثرت أيضا على ميثاق المصالحة، قضية الأطفال الذين ولدوا في الجبل، والذين يقدر عددهم بنحو 500 طفل، الكثير منهم بلغ سن الرشد، غير أنهم لا يتوفرون على وثائق هوية، تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية على غرار أقرانهم.. فالحالات التي تمت معالجتها لحد الآن، لم تتعد نسبتها العشرة بالمائة فقط، لاعتبارات موضوعية، لكن أيضا بسبب التعقيدات الإدارية. وعلى الرغم من أن قانون المصالحة، حسم في إدماج "أبناء الجبل" في الحياة المهنية، إلا أن مدني مزراڤ، أكد في تصريح سابق ل"الشروق"، أن هذه الفئة محرومة من الالتحاق ببعض المؤسسات الرسمية، لكن غير المستساغ هو امتداد هذا الإجراء إلى الإدارة وبعض الشركات الكبرى، كما جاء على لسان مزراڤ، ليبقى "أطفال الجبل" يعيشون على هامش المجتمع. كما لاتزال أيضا قضية النساء المغتصبات وكيفية تعويضهن تطرح كقضية عالقة، إلى جانب قضية تعويض جنود التعبئة في التسعينيات، والذين حولوا ساحات العاصمة، إلى فضاءات لاحتجاجاتهم المتكررة للمطالبة بحقوقهم.
رئيس خلية المساعدة على تطبيق ميثاق المصالحة ل"الشروق": هكذا يتم تعويض "النساء المغتصبات" وتسوية ملفات "أبناء الجبل" كشف، رئيس خلية المساعدة لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، مروان عزي، عن رفع تقارير جديدة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لاستكمال تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أبرزها قضية "جنود التعبئة" الذين طالبوا بتعويضات مادية، مع إعادة النظر في منح ضحايا الإرهاب وجعلها "دائمة" لا تسقط بسني الرشد والتقاعد. وأكد، عزي، في تصريح ل"الشروق"، أن كافة الملفات التي لم تسو لحد الساعة، توجد حاليا على طاولة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وسيتم اتخاذ قرارات وتدابير بشأنها على اعتبار أن الإرادة موجودة، وكشف، رئيس الخلية، أن هيئته استقبلت شكاوى جديدة لضحايا المأساة الوطنية، ويتعلق الأمر بفئة "جنود التعبئة"، وهم الجنود الذين أعيد استدعائهم خلال الفترة بين 1992 و1995، مؤكدا بأنهم قد رفعوا تقارير يطالبون فيها بمنحهم تعويضات مادية عن السنوات التي تمت فيها إعادة تجنيدهم، على اعتبار أنهم منذ حوالي سنتين قد أقدموا على تشكيل "مجلس وطني" للتعبير والمطالبة بحقوقهم المادية. رفعنا تقارير لرئيس الجمهورية بهدف استكمال تدابير ميثاق السلم والمصالحة وفي نفس السياق، تطرق، المحامي مروان عزي، بالشرح والتفصيل إلى الملفات التي عولجت واتخذ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بشأنها قرارات، في انتظار تطبيق "إجراءات تكميلية" لتعزيز ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ويتعلق الأمر بفئة الأطفال المولودين بالجبل البالغ عددهم 500 طفل على المستوى الوطني، بحيث أوضح بأنه من أصل 100 ملف تم استقباله تمكنت الخلية من معالجة 37 ملف، لتوفر الشروط فيهم وهي حضور الأبوين، أين تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بشأنهم من خلال إثبات نسب هؤلاء الأطفال، غير أن بقية الملفات المقدر عددها ب 63 استحال معالجتها وفق القواعد العامة المتمثلة في قانون الأسرة لعدم وجود أحد من طرفي العلاقة الزوجية، خاصة الأب المتوفي، ولاستكمال تدابير السلم، قد تم اقتراح العمل بتقنية "الحمض النووي" لإثبات النسب.. .. بالإضافة إلى فئة ضحايا الإرهاب أين تم التقدم باقتراح لرئاسة الجمهورية لإعادة النظر في القيمة المالية للتعويضات الممنوحة لهم وجعلها تتماشى ومستوى المعيشة، وكذا جعلها "دائمة" لا تسقط بسني الرشد والتقاعد. وكذا ملف استحداث "هيئة" جديدة تكون إما تابعة لكتابة الدولة وملحقة برئاسة الحكومة أو تكون تابعة لرئاسة الجمهورية تتولى معالجة ومتابعة كل الملفات. وعن فئة النساء المغتصبات، اللواتي صدر بحقهن المرسوم الخاص بتعويضهن ماديا، والذي أحالهم على المراسيم الخاصة بالتعويض عن ضحايا الإرهاب، أوضح محدثنا بأنه لا بد عليهن أن يكتسبوا صفة "ضحايا الإرهاب"، حتى يحصلوا على تعويضاتهن، إضافة إلى تقديمهن لما يعرف "بمحضر الاغتصاب"، غير أن المرأة المغتصبة، التي لا تتوفر على هذا المحضر، لكنه سبق لها وأودعت "شكوى" لدى مصالح الأمن، توضح فيها بأنها قد تعرضت للاغتصاب، فإنه يمكن لها الحصول على المحضر ودن أي عراقيل، والذي بواسطته يمكن لها أن تحصل على التعويض.
قال أن لخادم وعد به على لسان الرئيس..قمازي ل "الشروق": "تطبيق المصالحة بحاجة لقرار سياسي" دعا القيادي السابق بحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، كمال قمازي، السلطة إلى الوفاء بما تبقى من التعهدات التي قطعتها على نفسها في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وأكد على ضرورة الذهاب ل"عفو شامل" يتوج مشروع المصالحة. وقال ڤمازي: "في العام 2004 وعشية الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس بوتفليقة بعهدة ثانية، تحدث بلخادم في العديد من خطاباته في الحملة الانتخابية، عن قرار الدولة بالذهاب لعفو شامل، ومما قاله بهذا الخصوص أن الرئيس بوتفليقة لم يتمكن من تطبيق كل شيء في عهدته الأولى، ووعد بأنه في حال فاز في تلك الانتخابات سيذهب إلى "ّعفو شامل". وتأسف المؤسّس التاريخي للحزب المحل لكون الرئيس بوتفليقة وصل إلى العهدة الرابعة غير أن خيار "العفو الشامل" لم يتحقق بعد، وتساءل قمازي عن مصداقية تصريحات بلخادم، التي تمت باسم الرئيس؟ وأكد القيادي السابق ب"الفيس" في تصريح ل "الشروق" أمس: "بوتفليقة وخلال شرحه لمشروع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أكد للجزائريين أن ما تمكن من تمريره بخصوص المصالحة الوطنية، كان بما سمحت به التوزانات في هرم السلطة، وأنا أقول هنا، إن تطبيق المصالحة بحاجة إلى قرار سياسي شجاع". واستغل المتحدث الفرصة ليرد على رئيس الخلية المتابعة لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، قائلا: "إذا كان السيد مروان عزي قد تحدث عن تطبيق المصالحة بنسبة 95 بالمائة، فأنا أقول "إن العكس هو الصحيح". وشرح قمازي تصوره للعفو الشامل: "لا يمكن الذهاب لعفو شامل دون القيام بمصارحة ومكاشفة، تحدد فيها المسؤوليات، على غرار ما حدث في دول عاشت أزمة مثل تلك التي عاشتها البلاد، كجنوب إفريقيا ورواندا والأرجنتين.. عندها نذهب لعفو شامل بعدما نكون قد تجاوزنا الضغائن والأحقاد"، غير أنه شدد على أن العفو الشامل لا يعني البتة انسحابه على المتورطين في جرائم اقتصادية أو أولئك الذين استفادوا من قروض ويبحثون عن الهروب من تبعاتها. وأشار المتحدث إلى وجود تجاوزات فرقت بين الجزائريين في تطبيق المصالحة، وضرب مثالا بعدم استفادة الكثير من الذين كان يفترض أن يشملهم قانون المصالحة، من تعويضات مالية كما هو الحال بالنسبة للذين سجنوا بالصحراء، وممن لهم الحق في العودة إلى مناصب العمل، بل إن هناك من لا يزال لم يستفد بعد حتى من حق الخروج من السجن، وربط قمازي بين هذا القصور في التطبيق، وبين ما اعتبره تشخيصا خاطئا للأزمة، طالما أن "القضية سياسية لكنها عولجت بقرارات قضائية"، كما قال.
قال إن الفكرة مطروحة على مكتب الرئيس فاروق قسنطيني: العفو كان الحل النهائي لجميع الأزمات قال رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني إن فكرة العفو الشامل مازالت مطروحة، وبإمكان رئيس الجمهورية أن ينادي بها في أي وقت، مشيرا إلى أن القضية تحتاج إلى قرار سياسي، كونها الحل النهائي لأي أزمة شبيهة بتلك التي عاشتها الجزائر في التسعينيات. وذكر قسنطيني في تصريح ل"الشروق" أن التجارب السابقة للأزمات الداخلية وتجارب البلدان التي سبقت الجزائر، أكدت كلها أن العفو الشامل هو الحل، وكلهم مروا بتجربة العفو الشامل على حد تعبيره. وحسب رئيس الهيئة الحقوقية فإن القضية بحاجة لقرار سياسي، والذي من الممكن أن ينادي به رئيس الجمهورية باعتباره القاضي الأول للبلاد، وأضاف "العفو الشامل بقدر ما هو عملية عظيمة ومهمة، فهو أيضا عملية بسيطة في نفس الوقت".
فيما ارتفع عددهم إلى 164 سجين بعد تناول الصحافة لقضيتهم إدارات السجون تحقق مع المساجين السياسيين وتبحث في "مشاريعهم المستقبلية" شرعت مصالح إدارات السجون في استدعاء المساجين السياسيين، للتحقيق معهم حول وضعيتهم الصحية، والاجتماعية، والعائلية، ومعرفة وجهات نظرهم حول مشاريعهم المستقبلية في حال مغادرتهم للسجون. وأوضح مصطفى غزال، منسق عائلات ما يعرف ب"السجناء السياسيين"، أن إدارات السجون شرعت في استدعاء المساجين السياسيين، والتحقيق معهم حول مختلف الظروف التي يعيشونها وأفكارهم حول مستقبلهم في حال مغادرتهم للسجون، واعتبر غزال أن الأمر ينبئ بالخير وبإمكانية الإفراج عنهم على غرار سابقيهم، مشيرا إلى استفادة اثنين منهم من الإفراج. وأبرز مصطفى غزال، منسق عائلات السجناء السياسيين، أن عددا من السجون العسكرية يقبع فيها عشرات السجناء السياسيين منذ أكثر من 20 سنة، بعضهم حوكم في المحاكم العسكرية رغم أنهم مدنيون "وكانت أحكامهم ظالمة اعتمدت على أدلة غير موثقة وغير ملموسة من قبيل تهمة التآمر والتخطيط لأمر معين"، فيما تمت محاكمة البعض الآخر بالمحاكم الخاصة وبقوا رهن السجون رغم أن تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية تنطبق عليهم، كون عمليات سجنهم تمت قبل انطلاق أعمال العنف عام 1993. واستغل غزال الفرصة لمناشدة الرئيس بوتفليقة إصدار قرار بالعفو عن المساجين والإفراج عنهم لقضاء العيد رفقة عائلاتهم خصوصا وأن من بينهم مصابون بأمراض مزمنة، "غالبيتهم مرضى ومصابون بأمراض مزمنة كما أنهم قضوا من حياتهم ما يفوق العشرين سنة في السجن"، وأضاف بأن عائلاتهم كلفته بنقل انشغالهم إلى الرئيس ومطالبته بإطلاق سراحهم. إلى ذلك، كشف غزال عن ارتفاع عدد المساجين السياسيين إلى 164 شخص، بعد أن تلقى اتصالات من عائلاتهم تؤكد أنهم كانوا ضمن الموقوفين الذين حوكموا في بداية العشرية السوداء، حيث تعمل التنسيقية على الاتصال بهم لمعرفة ظروفهم، وكانت الهيئة تحصي 140 سجين موزعين على السجون بكل من بشار، وهران، البرواڤية، البليدة، الحراش، باتنة، عنابة، ورڤلة، يواجهون أحكاما بين المؤبد والإعدام. وفي السياق، تحضر التنسيقية للاستعانة بعدد من الحقوقيين والشخصيات الوطنية للتوسط لدى مصالح رئاسة الجمهورية من أجل الإفراج عن المساجين السياسيين، في مبادرة سيتم الشروع في تنفيذها مباشرة بعد عيد الفطر المبارك.