اختلفت آراء السياسيين ورجال القانون حول حق العناصر السابقة لما يعرف بالجيش الإسلامي للإنقاذ في العودة إلى النشاط السياسي، مستندين في مرافعتهم على بنود قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية، حيث اعتبر بعض المتدخلين في ندوة "الشروق" التي تناولت "خلفيات وأبعاد إعلان مدني مزراق تأسيس حزب سياسي"، أن جميع الأفراد المنضوين سابقا في صفوف "الأياس"، أصبحوا يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية، وذلك بمقتضى المادة 41 من قانون الوئام الصادر في جانفي 2000، والتي خصّتهم بالعفو الشامل، ما يعيد لهم كافة الحقوق، لكن المعترضين على هذا الرأي، يتشبثون بإقصاء من وصفوهم ب"المتسببين في المأساة الوطنية" من النشاط السياسي، وفق نصّ المادة 26 من ميثاق السلم المصادق عليه في 29/09/2005 . وفي ذات السياق، توافق فريق المؤيدين في فعاليات الندوة الإعلامية المفتوحة، على أن حديث المسؤولين في الحكومة عن المنع غير مؤسس، بل هو - حسبهم- متعارض مع نصّ وروح المصالحة، ولا يخدم الاستقرار، بل يدفع في اتجاه التمرّد وغلق الأفق السياسي أمام الأشخاص، في ظل تنامي "الفكر الداعشي" بالمنطقة العربية، غير أن الطرف الثاني، يعتقد أن فتح الفضاء أمام المسلحين السابقين يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويثير حفيظة شرائح واسعة من المجتمع. لكن وبالمقابل، يرى هؤلاء المدافعون عن حق جماعة مدني مزراق في طلب اعتماد حزب سياسي، أنّ قيادة الحزب المحظور، وبرنامجها وخطابها التاريخي المعروف، قد تجاوزه الواقع، وعفا عنه الزمن، مشدّدين على أنّ الأجيال الجديدة قد تغيرت قناعاتها، وصارت أكثر انفتاحا على تطورات العصر وتجاربه، ما يعني أن عودة "الفيس" ليست بعبعا مثلما يتوهمه البعض.
الحقوقيون يرفضون مسعى مزراق: قسنطيني: القانون واضح .. والمادة 26 تحظر عودتك يا مزراق عزي: قانون الأحزاب يحظر على المتسببين في المأساة الوطنية ممارسة السياسة قال فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، إن نص المادة 26 من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية كان واضحا بخصوص اعتبار كل من تسبب في المأساة الوطنية محظورا من العمل السياسي، مضيفا أن هذه الأخيرة لا تزال سارية المفعول ولا يمكن تجاوزها إلا بتعديل في هذه المادة. واعتبر الحقوقي فاروق قسنطيني أن المادة 41 من قانون الوئام الصادر في جانفي 2000، والتي يتحجج بها هؤلاء كونها تعفيهم من المتابعات القضائية، لا يمكن أن تسقط المادة 26 التي كانت واضحة ونصت على أن كل من تورط أو تسبب في المأساة الوطنية ممنوع من العودة إلى العمل السياسي، وأضاف قسنطيني في اتصال مع "الشروق" أن هؤلاء يمكنهم العودة في حالة واحدة وهي تعديل هذه المادة، مضيفا أن نص المادة 26 كان واضحا عند صياغته فبرغم من كونها تحمل صبغة سياسية تطلبتها تلك الفترة، إلا أن الجدل الدائر حول هذه القضية لا يزال قائما بين من يعتبر أن المادة عادلة أو العكس في حق هؤلاء، غير أن الحقيقة تؤكد أن هذا النص موجود ولا يزال ساري المفعول ولا يمكن تجاوزه. وهو نفس الاتجاه الذي سار فيه الأستاذ عزي مروان، محامي متخصص في ملف المصالحة الوطنية ومكافحة الإرهاب، في تصريح سابق ل"لشروق" أكد فيه أن مواد قانون المصالحة الوطنية كانت واضحة، لاسيما المادة 26 التي تؤكد أن كل من يتسبب في فتنة أو يستغل الدين لنشر الفتنة محظور من النشاط السياسي، موضحا أن قانون الأحزاب يحظر على هؤلاء المتسببين في المأساة الوطنية من ممارسة النشاط السياسي عبر المادة الرابعة التي كانت واضحة ولا تبيح ذلك بتاتا، مضيفا أن منشور المصالحة الوطنية لم يتضمن أي مواد تسمح بعودة هؤلاء إلى النشاط أو استفادتهم من العفو في إطار العفو المدني، معتبرا أن الملف يبقى بيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وأن الرئيس هو المخول الوحيد لإباحة عودة هؤلاء إلى النشاط السياسي. وصرح عزي مروان أن المادة 47 من قانون المصالحة الوطنية تمنح للرئيس صلاحيات واسعة لاتخاذ التدبير الذي يراه مناسبا لرفع حظر النشاط السياسي عن هؤلاء وفق تفويض استفاد منه وإعادة تنظيم استفتاء شعبي للفصل في الملف، معتبرا أن ميثاق المصالحة الوطنية يمنح صلاحيات واسعة لبوتفليقة للتحرك إذا رأى أن الوضع مناسب.
حميد فرحي: عودة الفيس إلى الساحة السياسية مستحيلة قال رئيس حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية "الأمدياس" حميد فرحي، إن عودة التيار الديني على -حد وصفه- إلى الساحة السياسية من الأمور المستحيلة التي يرفضها الشعب وحزبه كون هذه الأخيرة تورطت في جرائم إرهابية ضد الشعب الجزائري . واعتبر حميد فرحي عودة الفيس إلى الساحة السياسية من الأمور المرفوضة التي لا نقاش فيها، قائلا في تصريح ل"الشروق": يستحيل أن يعود التيار الديمقراطي "الديني" إلى الساحة السياسية بعد ما اقترفه من جرائم إرهابية في حق الشعب الجزائري، وبعد الكوارث التي ما يزال يتسبب فيها في العالم العربي".
حبيب راشدين: عودة "الفيس" بالون اختبار لجس نبض السلطة وصف حبيب راشدين المحلل السياسي، عودة مدني مزراڤ زعيم ما يسمى بالجيش الإسلامي المحل للساحة السياسية وإعلانه عن إنشاء حزب، ما هو سوى بالون اختبار يراد من خلاله جس نبض السلطة السياسية في البلاد، والتيار الاستئصالي على وجه الخصوص الرافض لعودة الإسلاميين، غير أنّ المتحدث وصف تصريح مزراڤ باللاّحدث، باعتبار أن صاحب المبادرة لم يتقدم بعد بملفه لوزارة الداخلية. قدم الكاتب الصحفي حبيب راشدين مجموعة من القراءات، قال أنها أحد الدوافع التي جعلت زعيم ما يسمى بالجيش الإسلامي المحل مدني مزراڤ يعود للساحة الوطنية بكل ثقة، بالرغم من علمه المسبق بحضر نشاطه السياسي، ومن بين الأسباب التي ساقها ضيف" الشروق" هي حصول مدني مزراڤ على ضمانات وتشجيع من طرف أشخاص موجودين في السلطة، أعطوه الشجاعة والضمانات اللازمة للإعلان عن حزب جديد، واصفا مبادرته في نفس الوقت باللاحدث، لأنها لا تزال مقتصرة على فكرة ولم تنتقل بعد لتطبيق، ليعطى لها الحجم الذي أخذته، خاصة بعد خروج الوزير الأول عبد المالك سلال ليقطع الشك باليقين، ويؤكد استحالة عودة من تورطوا في المأساة الوطنية للعمل الحزبي، وهو مااعتبره ضيف "الشروق" بالخطأ الذي تورطت فيه السلطة، والذي يدل على بقاء ذهنية التسعينيات في التعاطي مع الملفات الحساسة، على حدّ قوله. و قال المحلل السياسي حبيب راشدين أن السلطة في البلاد لا تزال تتعامل مع الأحداث على أساس خطاب التسعينيات، الذي يدل على جمود رهيب في أعلى هرمها، خاصة بعد التصريحات المتسرعة التي أعقبت إعلان مدني مزراڤ عن رغبته في إنشاء حزب سياسي، مضيفا أن السلطة في البلاد يجب أن تتجاوز "عقلية" الماضي وتتعامل مع المبادرات السياسية على أساس المصلحة وما ستقدمه للبلاد، وليس فقط على أساس قانوني قابل للجدل، لأن الممارسة السياسية والمصلحة العامة على وحد قولهو تقتضي تجاوز المصالح الضيقة، لذلك لا يجب أن ننظر لهؤلاء نظرة إقصاء كونهم أصحاب دم وساهموا في المأساة الوطنية، لأن الوضع العام الذي يعيشه العالم أصبح مخيف، وأي إقصاء لهؤلاء يمكن أن يستغل في ظل انتشار الفكر التكفيري أو ما يعرف "بداعش"، التي أصبحت تبحث عن مكان لها وأشخاص يتبنون فكرها .
في قراءة قانونية لاعتزام مزراڤ تأسيس حزب سياسي: بشير مشري: العفو الرئاسي لعام 2000 أعطى التائبين جميع الحقوق أكد المحامي بشير مشري على أن القانون يعطي لمدني مزراڤ الحق في تأسيس حزب سياسي، لانعدام أي مادة دستورية تحرمه من حقوقه السياسية والمدنية، باعتباره مواطنا جزائريا مثله مثل جميع المواطنين. قال المحامي التاريخي لقادة الفيس، لدى نزوله ضيفا على منتدى "الشروق"، "حول أبعاد وخلفيات حول إعلان مدني مزراڤ تأسيس حزب سياسي"، "أن هذا الأخير يتمتع بجميع حقوقه السياسية والمدنية، لأنه غير محروم من تلك الحقوق، بنص المادة 9 من قانون العقوبات، وغير خاضع لأحكام المادة 9 مكرر، و9 مكرر1 من نفس القانون، وبالتالي له كل الحق مثله مثل جميع المواطنين، بل له نفس الحقوق التي يتمتع بها رئيس الجمهورية". وذكر الوسيط التاريخي بين "الأياس" والمخابرات أثناء الأزمة التي مرت بها الجزائر في التسعينات، أن البيان المتضمن للمرسوم الرئاسي المؤرخ في 10 جانفي 2000، المتعلق باستعادة السلم والوئام المدني، يتيح لكل الأشخاص مثل مدني ومزراڤ ومن كان معه في الجبال أثناء العشرية السوداء عفوا شاملا،أي أنّ لهم جميع الحقوق والواجبات، وبالتالي إسقاط جميع المتابعات المذكورة في القانون المذكور، ونتيجة لما سبق ذكره، قال بشير "إن مزراڤ له الحق في النشاط السياسي وإنشاء حزب والترشح للانتخابات مثله مثل الأشخاص والسياسيين الذين ينشطون في الساحة السياسية الآن". وعاد المحامي مشري إلى المفاوضات التاريخية بين جماعة جيش الإنقاذ وقيادة الجيش آنذاك بقيادة المرحوم إسماعيل العماري، والتي استمرت حسب قوله 6 سنوات، ليكشف أن مدني مزراڤ أبلغه بأن التقارب الحاصل حول نزول عناصره وجنوحهم إلى السلم مرهون بإلغاء المادة 38 من مسوّدة قانون الوئام، لأنها بحسب قراءة مزراڤ التي أسرّ بها للمحامي، ستنسف كل جهود الهدنة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التجسيد، بعدما أعلنها قائد "الأياس" من جانب واحد في 1997. وأضاف المتحدث أن مدني مزراڤ كلفه بتبليغ رفض "جيش الإنقاذ" نص المادة 38 للسلطات العسكرية والمدنية آنذاك، مؤكدا انه قام بإبلاغ الرئاسة بالمشكلة عن طريق عبد العزيز بلخادم، حيث تم بناء على ذلك، إلغاء تلك المادة، وتعويضها بالبند 41 من القانون الذي استفتي فيه الشعب نهاية 1999، وبالتالي نجح مدني مزراڤ ومجموعته في استعادة حقوقه السياسية والمدنية. وفي سياق متصل، أنكر الوسيط التاريخي بين جماعة الإنقاذ وقيادة الجيش علمه بوجود بنود سرية بين الطرفين، خارج ما هو منصوص عليه في قانون الوئام و وميثاق السلم، معترفا بوجود تفاهمات شفوية، لكنها تجسّدت في نصوص وروح المصالحة الوطنية.
سليمان شنين: "الفيس" ليس بعبعا.. نخبتنا تريد التجديد .. وأخطاء السلطة تعيدنا للصفر صنف مدير مركز الرائد سليمان شنين، الجدل الدائر حول "نية" زعيم من كان يسمى بتنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ بممارسة السياسية في خانة " الإلهاءات"، التي تهوى جهات في السلطة ممارستها لإبعاد الرأي العام عن حقائق ومشاريع إستراتيجية كبرى، عادة ما تصنع الحدث داخل مؤسسات الدولة، على غرار تعديل الدستور، وإعادة هيكلة بعض المؤسسات الحساسة في البلاد، وأجندات دولية يتم الترتيب لها في ظل المحيط غير الآمن الذي تعيشه الجزائر. وأكد المحلل السياسي سليمان شنين في ندوة" الشروق"، بفندق السلطان بالعاصمة، أن "بعبع" الفيس" تجاوزه الزمن، بحكم أن المجتمع بات يميل إلى الانفتاح، ويريد أفكارا جديدة تقودها النخبة التي بدورها تختار من يحكم المجتمع، وعلق: "الجزائر في مرحلة صعبة وتحتاج إلى نفس جديد وليس الرجوع إلى الوراء". رغم ذلك، يعتبر سليمان شنين، أن "الفيس" جزء من تركيبة المجتمع ولا يمكن تجاهل الواقع والحقائق التاريخية، وتطرق في ذلك إلى نشاطات قياداته السياسية، بعد أن انقسمت بين الوقوف في صف المعارضة المطالبة بانتقال ديمقراطي ممثلة في كمال قمازي، وعلي جدي، وبين من يريد التحاور مع السلطة كمدني مزراق، الذي شارك في مشاورات تعديل الدستور، وهو أمر يحدث أمام أعين السلطة في مرات عديدة. ولفت ضيف "الشروق"، إلى وجود خلافات حادة بين القيادات التاريخية للحزب المحل، في من يمثل من؟، حتى أن هناك بعض الانتهازيين من القيادة السياسية التاريخية الذين يراقبون تحركات مزراق وردة فعل السلطة من تصريحاته ونواياه في العودة إلى ممارسة السياسة قبل ركوب الموجة، ولهذا لم تصدر لحد الساعة بعض القيادات موقفها من مبادرة مزراڤ بتأسيس حزب سياسي. وتابع ضيف "الشروق"، أن القيادة السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، لم تشارك في التهدئة كما يعتقد البعض، بل اختارت "موقف اللاموقف" ولم تتحمل مسؤوليتها في رفع الغطاء السياسي عن لغة السلاح، بداوعي أنها ليست على علم بما يجري، رغم أن التواصل كان موجود داخليا وخارجيا. بالمقابل، انتقد المتحدث تعاطي السلطة مع ملف "الفيس"، في ظل مشهد يتسم بالضبابية وعدم وضوح الآفاق، معتبرا أنها مصرة على استنساخ تجارب الماضي، رغم الوضع الإقليمي المتأزم، وهنا لفت شنين أنه كان حريّا بالحكومة التعاطي بنوع من الحيلة والدبلوماسية مع مدني مزراڤ.