نمتُ على وقع محاكمة "الطريق السيار"، لأجد نفسي أنا هو القاضي وقد وقف أمامي بعض المتهمين في قضية "الأوطوروت". قلت للمتهم الرئيسي، وكان مجرد مهندس مبتدئ، أعطي له المشروع وهو لم يتخرّج بعد من الجامعة: فهّمني كيفاش بنيت قنطرتين ونفق و30 كلم من الأوطوروت في الشطر المخصص لك بكل هذا المبلغ؟ 6 ملايير دولار؟ قال لي: أنا ما طلع لي سوى مليار سنتيم. البقية اسألوا عنه كبار القوم والوسطاء! قلت له: زيادة على ذلك، الطريق السيار فيه انزلاق تربة وتصدّعات على مستوى القناطر التي انشقت وأذنت لربها وحُقت، والأنفاق، على ما أنفق عليها، نفَقَ فيها 30 مواطنا أجنبيا. ولو كانوا غير جزائريين ما عليهش بحر عليهم.. أجانب! قال لي: الخطأ في الزلزال الذي ضرب المنطقة. قلت له: الزلزال ضرك ندخلوه للحبس ونخرّجوك أنت. سألت المتهم الثاني، وكان عاملا في الأسمنت المسلح: أنت عندي عليك ملف عريض وثقيل قد راسك، علاش كنت تغشّ في البيطون؟ عوض 3 شكاير سيما كنت تدير غير وحدة في البرويطة؟ قال لي: الشاف هو اللي قال لي. قلت له: شحال كنت تخلص؟ قال لي: مليون في النهار. قلت له: الله ينعل جدك. عفّط عليّ، جيبولي المتهمين الآخرين في الطريق السيار شرق غرب. أدخلوا عليّ مجموعة عمال جزائريين وشنوي معهم. الشنوي كان يتكلم بالعربية أحسن من الجزائريين، أفهمني أنه مجرد مترجم وأن هؤلاء العمال طُردوا من العمل بسبب عدم تطبيق الأوامر في العمل. قلت لأحدهم: أنت علاش طردوك؟ قال لي: فمّي مشرّك! قلت له: زيد شرّكه مليح، باغي نسمعك! قال لي: الوزير هو اللي أعطاهم الأمر باش يكملوا المشروع في شهر، وبداو غير يباكليو في الخدمة. وطلبوا منا نباكليو معهم. أحنا كعمال ما بغيناش نباكليو. قلت له: كيفاش هذه تباكليو؟ قال لي: كوّر واعط للأعور! قلت له: كيفاش هذه كور وأعط للأعور؟ "أدهن السير يسير".. قلت للمترجم الصيني: فهمني أنت بالعربية الفصحى واش يحب يقول هذا "الحيّة"؟ قال لي: سيدي القاضي.. يحب يقول "التشيبا"، كول ووكّل! جابوا الحديد من أوكرانيا نتاع تشرنوبيل مشبّع بالإشعاع النووي، اشتروه مجانا، وفي الفاتورة كتبوه بأسعار خيالية. "الڤودرون" فوق التراب، الحديد راشي، السيما ميتة، مع ذلك الفاتورة بعشرة أضعاف، والوسطاء النافذون هم المستفيد الأكبر. نظرت إلى الجميع ورفعت المطرقة لتهوي على الطاولة: محكوم عليكم أنتم كعمال، كلكم بخمسين سنة سجناً قابلة للتجديد..."فرعت" الجلسة وأغلق ملف "الفصاد" نهائيا.
وأفيق وقد سقطت على رأسي حبة "بريك" من جدار "الفصاد" وأنا نائم تحت البالكون!