عادت مسوّدة تعديل الدستور إلى الواجهة بمجرد ترأس بوتفليقة، اجتماعا استشاريا مصغرا، جمع كبار مسؤولي الدولة بشأن هذا المشروع المؤجل منذ قرابة تسع سنوات، وتلته خرجة الأمين العام للأفلان عمار سعداني، الذي قَربَ موعد الإفراج عن المسودة إلى جانفي المقبل دون تقديمه إضافات أكثر. ويجري الحديث عن قرب الموعد في سياق التغييرات التي تشهدها مؤسسات الدولة والتوجه الجديد في بناء "الدولة المدنية"، فهل ستشهد 2016 ميلاد تعديل الدستور الذي ظل ملفا يراوح مكانه وتتقاذفه الطبقة السياسية دون أن يخرج إلى العلن، أم إن المشروع لا يزال ملفا مؤجلا؟ الأكيد أن الإفراج عن تعديل الدستور لن يكون عسيرا بالنظر إلى التفاؤل والتشاؤم اللذين يطبعان الطبقة السياسية تجاه هذا الملف بالذات، إذ يذهب الأرندي، ثاني أكبر حزب موال للسلطة إلى اعتبار أن المؤشرات التي أرسلها الرئيس عن تعديل الدستور الجديد تبعث على الارتياح، وتؤكد أن بوتفليقة الذي يحوز هو فقط، صلاحية البث في تعديله وبالآلية التي يرغب بها، سيرسي دعائم ديمقراطية في جميع المجالات عبر تعزيز دور المعارضة وتمكينها من إخطار المجلس الدستوري، وإقامة لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات . ويؤكد شهاب صديق، الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي ل"الشروق" أنه لا يمكن الحكم على تعديل الدستور الجديد دون الاطلاع على "نسخة الرئيس" التي ستحمل جديدا -حسبه- يكون للجميع حصة فيها. على النقيض من ذلك، ترمي أحزاب المعارضة تعهدات الرئيس في إرساء دستور "توافقي" في الماء بل تتمسك بموقفها المشكك في بعث إصلاحات عميقة، ويذهب رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله إلى التأكيد أن مشروع الرئيس ولد "ميتا" بعد أن استنزف الكثير من الوقت، وضيع على الجزائر أشواط الإصلاحات، ويرى جاب الله في حديثه إلى "الشروق" أن مسودة تعديل الدستور "في انتظار الرسمي" لن تحمل إلا هامشا جديدا لمناورات السلطة بل يجزم قاطعا أن الذي ينتظر تعديلا عميقا واهم، بحكم التجارب السابقة التي عودت الشعب على مقولة "لا أريكم إلا ما أرى". ولا يختلف زميله في التنسيقية ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، كثيرا في الرأي، ويؤكد أن مسيرة "تعهدات الرئيس" بالإفراج عن الدستور الجديد لم تكتمل، بل اكتملت الأركان الثلاثة الخادشة للمصداقية السياسية، الأولى عندما وعد الرئيس بوتفليقة في بداية 2011 بأنه سيبادر إلى تعديل الدستور لكنه لم يف بوعده"، ليأتي بعدها الوعد الثاني بأن الدستور سيكون الحلقة الأخيرة في مسار الإصلاحات، وهو ما لم يحدث في نظر مقري بل الذي وقع قوانين إصلاحات "مزعومة" أفرغت من مضامينها الإصلاحية.. بظهور سلسة فضائح الفساد وانكسار كبير لمختلف مؤسسات الدولة وتغول تام للجهاز التنفيذي"، أما الوعد الثالث عندما قيل إن الدستور سيكون توافقيا، ولم يتم الوفاء بالعهد بل يصاغ الدستور بإرادة أحادية ويعرض للمصادقة من قبل جهة نيابية واحدة وهي الجهة الموالية "يقصد الآفلان الذي صرح أن الدستور سيكون شهر جانفي".