في الوقت الذي يعرف الإسلام حملة لم يسبق لها مثيل في دول الغرب وحتى عندنا في العالم الإسلامي ما بين متهم لهذا الدين الحنيف بالدعوة للإرهاب والظلامية، وما بين نابش بطريقته الخاصة للتاريخ الإسلامي وسيرة خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، تعيش الأوساط الدينية ورجالات الدين في غالبية البلدان الأوربية مؤخرا حالة استنفار قصوى... بسبب الفضائح المتتالية التي طفت إلى السطح في الآونة الأخيرة، وتورط فيها رجالات دين وقائمون على كنائس معروفة ومشهورة جدا بكل من ألمانيا وايطاليا، إذ تفجرت فضائح أخلاقية جنسية كانت مسرحا لها الكنائس الكاثوليكية على وجه الخصوص، وبدرجة أقل الكنائس البروستانتية، وراح ضحيتها مئات الأطفال من مختلف الأعمار، في دول كانت إلى وقت قريب يشهد لها بالباع الطويل في مجال حقوق الإنسان وتكريس مبادئ الإنسانية وما إلى ذلك من الشعارات المزيفة التي سقطت بموجب العواصف الأخلاقية التي تهز مؤخرا كامل إقليم القارة العجوز، عقب اكتشاف تورط بابوات الكنائس الكاثوليكية في الإخلال بالمنظومة الجنسية لمئات الأطفال، الذين يقصدونها لتعلم مبادئ الديانة المسيحية، وأعقبت هذه الفضائح ردود فعل متباينة من مختلف شرائح المجتمع الأوربي، التي سارعت فيها غالبية العائلات إلى منع أطفالها من الالتحاق بالكنائس، في الوقت الذي انطلقت فيه موجة واسعة لعرض الأطفال على الأطباء موازاة مع حملة تحقيقات كبرى بالكنائس من قبل البرلمان الأوربي، في حين انتقدت فيه عدة أطراف سياسية بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، الذي اتهموه بالتستر على مجمل هذه الجرائم والفضائح الأخلاقية التي طالت أبناءهم. ولم تجد الكنيسة تبريرا لما وجه لها من تهم، سيما وأن الغالبية في أوربا كانت تشن مؤخرا حملة شعواء ضد الإسلام والمسلمين وكل ما يرمز للديانة الإسلامية كالحجاب والنقاب الإسلامي في بلجيكا والمآذن بسويسرا وحضر بناء المساجد بايطاليا واقتراح للأضواء بدلا عن الآذان في مارسيليا، وقد تجعلها هذه الأحداث الخطيرة المسجلة بالكنائس تتراجع عن النظرة السيئة التي تحملها ضد المسلمين، لأنه لم يسبق وأن سجلت اعتداءات من هذا النوع بالمساجد في أوربا، أو في البلدان الإسلامية، اللهم إلا أحداث معزولة من مرضى نفسيين في بعض الحالات، أما أن يقوم أئمة المساجد بما قام به بابا الكنائس من اعتداءات فظيعة وبالجملة في حق الأطفال والطلاب، فذلك أمر مستحيل الحدوث، ووضعت هذه الفضائح بابا الفاتيكان في وجه الإعصار الذي قد يطيح بالسمعة التي كانت تتمتع بها الكنيسة الكاثوليكية في الأوساط الدينية بأوربا، والأخطر في القضية، أن ملف الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال لم يتوقف عند حدود ألمانيا التي اتهم فيها شقيق البابا باستغلال الكنيسة لاغتصاب 150 طفل، بل امتدت لتشمل العالم المسيحي بصورة رهيبة، فيما وصف بانفجار الملف المسكوت عنه، إذ تم الوقوف على حالات اعتداء جنسي مشابهة على الأطفال بالكنيسة الكاثوليكية من الولاياتالمتحدة إلى إيرلندا ومن المكسيك إلى كندا، والنمسا وألمانيا، واضطرت الكنيسة إلى دفع عشرات ملايين الدولارات لتعويض الضحايا والحيلولة دون الملاحقات القضائية. وسبق أن أرغم الكاردينال برنارد لاو المتهم بحماية كهنة اعتدوا جنسيا على أطفال على الاستقالة من أسقفية بوسطن، شرق بالولاياتالمتحدة في 2002، وعام 2004 توصل تحقيق جنائي إلى أن عدد الكهنة الذين اعتدوا على أطفال بلغ في الولاياتالمتحدة 4400 بين 1950 و2002، وأن عدد الأطفال الضحايا بلغ 11 ألفا، مما وصف بالرقم الرهيب جدا، الذي لا يمكن له أن يحدث حتى في أفقر الدول الإفريقية. وفي كندا اضطرت الكنيسة الكاثوليكية وكنائس أخرى إلى جانب الحكومة الكندية إلى دفع مليار دولار كندي كتعويضات في العام 2002 لضحايا الاعتداءات الجنسية بالكنائس. أما في إيرلندا، غطى مسؤولون في أسقفية دبلن العاصمة فضائح جنسية ارتكبها كهنة بحق مئات الأطفال، ويتجاوز عدد الضحايا 14 ألفا، وعرض أربعة أساقفة تقديم استقالاتهم. في المكسيك اضطر مؤسس "فرق المسيح" ما يسمى الأب مارسيال إلى التخلي عن كل مناصبه في 2006 على إثر فضائح بالاعتداء الجنسي على الأطفال، وفي النمسا استقال أسقف فيينا الكاردينال هانز هرمن في 1995، ثم أسقف بوزنان ببولندا يوليوس بايتو في 2002، لاتهامهما بالتحرش الجنسي. وفي ألمانيا تتعرض الكنيسة الكاثوليكية منذ جانفي الماضي لمجموعة من الاتهامات، وجهها أشخاص كانوا تلامذة في مدارس عادية ومدارس داخلية في السبعينات والثمانينات، مما أثار غضب الحكومة. إذ أعلنت النيابة العامة في بادربورن فتح تحقيق مع مدير سابق لمدرسة كاثوليكية داخلية للصبيان يبلغ من العمر81 عاما، ويشتبه في أنه اعتدى جنسيا على تلميذ في عام 1980، وجرى التنديد باعتداءات جنسية على أطفال في 19 أبرشية من أصل الأبرشيات الكاثوليكية ال27 في ألمانيا. ومن بين الأمور التي كُشف عنها اعتداءات جنسية حصلت مع منشدين أطفال في جوق راتيسبون التي كان يقودها جورج راتزينغر، شقيق البابا بين عامي1964 و1994، وطالت الفضائح أيضا الكنيسة البروتستانتية التي أعلنت فصل خمسة من العاملين في مدرسة داخلية بسبب حالات مشابهة جرت في الستينات. وفي هولندا جمعت في خلال شهر مارس الجاري فقط، 350 شكوى تتعلق باعتداءات جنسية في حق أطفال ارتكبها رجال دين في الخمسينات والستينات والسبعينات. أما في إيطاليا فتناقلت وسائل الإعلام مؤخرا فضائح جنسية بشعة بالكنائس، منها رواية تلميذ سابق عن الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها من جانب رهبان في دير قرب بولزانو شمال غرب إيطاليا، وتشمل تحقيقات هذه الفضائح بلدانا أخرى، على غرار إسبانياوفرنساوبلجيكا، حيث انتقد المؤتمر الأسقفي المنعقد مؤخرا هذه الظاهرة التي تشمل بعض الكهنة، واعترف الأب فيديريكو لومباردي المتحدث باسم الفاتيكان في تصريحات إعلامية بحر الأسبوع الفارط بعمق الأزمة الأخلاقية الشعبية التي تمر بها الكنيسة بعد ظهور ادعاءات جديدة في الأسابيع الأخيرة بشأن انتهاكات جنسية واسعة من جانب رجال دين في ألمانيا والنمسا وهولندا، فيما أنكر ما وصفها بالادعاءات ساقها وزير في الحكومة الألمانية بأن الفاتيكان تواطأ للتستر على انتهاكات جنسية للأطفال، وزعمت تقارير الشهر الماضي أن قساوسة كاثوليك استغلوا جنسيا أكثر من 100 طفل في المدارس هناك، وقال لومباردي لراديو الفاتيكان "ارتكبت أخطاء من جانب المؤسسات وأعضاء في الكنيسة وهناك لوم مستحق خاصة بالنظر إلى المسؤولية التعليمية والأخلاقية للكنيسة". ومن جانب آخر، قالت الكنيسة الكاثوليكية الهولندية يوم الثلاثاء الفارط إنها ستطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في أكثر من 200 تقرير عن مزاعم بانتهاكات جنسية من جانب قساوسة، وذلك ردا على ظهور مزيد من الضحايا، وغضب الألمان بسبب تقارير عن إساءة معاملة من جانب القائمين على المدارس اليسوعية وادعاءات بالضرب وانتهاكات جنسية في ثلاث مدارس كاثوليكية في بافاريا، من بينها واقعة ذات صلة بجوقة راقية أدارها شقيق بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر من 1964 إلى 1994 حملات تبشيرية بالجنس ولأجل الجنس حتى حملات التمسيح التي تصرف لأجلها الحكومات الغربية ملايير الدولارات في دول المشرق العربي وإفريقيا آسيا والتي تسمى مجازا حملات التبشير لم تسلم من هذه الأعمال اللاأخلاقية البشعة، وقد أخذت في المدة الأخيرة طابعا جنسيا بحتا حيث لا يتردد بعض المبشرين في التحذير من الدين الإسلامي الذي يمنع الحرية الجنسية، ويوصل رسائل غير مباشرة للمتلقي على أساس أن المسيحية لن تمنعه من ممارسة الجنس في الوقت الذي يريد وأينما يريد ومع من يريد ولو كان مثليا أي من ذات الجنس .. ورغم أن القنوات التبشيرية العديدة لا تدعو إلى ذلك صراحة، إلا أنها جميعا بما فيها التي يسيّرها عرب من لبنان ومن مصر ومن الأردن تقوم بمهاجمة الإسلام والقول بأنه يعاقب الزناة ظلما, مما يعني أن المسيحية ستفتح لداخلها الأبواب على مصراعيها، واستغل بعض القساوسة الفرصة لممارسة شذوذهم خاصة في إفريقيا، حيث يذهبون إلى المناطق الفقيرة والمعدمة التي يعاني أهاليها من الجوع ويتسترون بحكايات التبشير للمسيحية، ويقومون بتحويل الأطفال الصغار وحتى الرضع إلى أوربا بدعوى إدخالهم في المسيحية وإنقاذهم من الهلاك وتدفع الجمعيات الإنسانية والخيرية وحتى أثرياء العرب الملايير لأجل هذه الأعمال التي يقال إنها إنسانية فيجد الطفل نفسه منذ أن يعرف النور عرضة لاعتداءات جنسية متكررة، ويوجد العشرات من القساوسة متابعين من أولياء أفارقة وجدوا أبناءهم الصغار وبناتهم فاقدين لحلاوة العيش القويم بعد الاعتداءات الجنسية الكثيرة والمتكررة من رجال دين مسيحيين جعلوا البراءة غلمانا وجواري لهم في حرمهم المقدس بعيدا عن الأعيان وبمباركة حكوماتهم التي لا تدري وربما تدري. وخير مثال على ذلك ما حدث في ماي 2001 في فرنسا وكان بطله القديس الفرنسي فرانسوا ليفور الذي عاش خارج القانون آمنا في بيته بالرغم من جرائمه الأخلاقية في حق أطفال مسلمين من السنغال ومن بعض الدول الإفريقية تتراوح أعمارهم مابين 10 و15 سنة وبعض من ضحاياه يبلغون الآن من العمر 30 سنة، إلا أن شكاويهم رمتها فرنسا, وعندما قام الإعلام السنغالي بتذكير فرنسا بقديسها الشاذ الذي اعتدى على الأبرياء جنسيا، قامت جريدة فرانس سوار بالبحث عن الأعذار للقديس، فحاورته وأقسم لها بمذهبه الأرثودوكسي أنه لم يهتك أي عرض، ولم يفكر أبدا في مثل هذه الأعمال الشاذة، وقال إنه يأخذ الأطفال إلى الفنادق الفخمة وهو ما يثير الغيرة لدى آبائهم، وخلصت فرانس سوار إلى أن القديسين لا يكذبون إذا أقسموا؟ والغريب أن هذه الصحيفة زنها لم تستجوب الاطفال الذين صاروا رجالا في السنغال رغم أنها تمتلك مراسلا في هذا البلد الإفريقي المسلم.. وتكمن غرابة القصة في كون هذا القديس الفرنسي هو في الأصل طبيب مختص، وقام ببعث جمعية تحارب الشذوذ الجنسي، وله زيارات لبلدان عديدة، بما في ذلك تونس والمغرب للدفاع عن حقوق الطفل، إتضح أنها من أجل اصطياد الأطفال الأبرياء.. وكانت فرنسا نفسها بفضل شرطتها قد اقتحمت بيت هذا القديس ووجدت عدة أشرطة ومجلات خليعة تصور كل الوضعيات المخلة بالأخلاق ولكنها برأته، وأكثر من ذلك قامت صحيفة "لاكروا" بمنحه جائزة حقوق الإنسان .. وفرنسا مشهورة بمثل هذه الدفاعات في غير محلها على رجالات دينها بحثا عن مكان آمن في المنظومة المسيحية العالمية.. ولها في حقبتها الاستعمارية سقطات كثيرة من هذا النوع على أبرياء كتموا الألم وماتوا به خوف من موت الفضيحة. المشكلة أنهم "هم" مثلنا يخطئون ويصيبون، لكنهم محاطون بكومة من القوانين والمنظمات الدولية وإعلام قوي.. يقزّم زلاتهم ويعملق هفواتنا، فيصبحوا "هم" ملائكة مهما تشيطنت أعمالهم ونصبح نحن شياطين مهما تملّكت أعمالنا.