الحلقة الأولى اللغة الفرنسية مستعمرتي الجديدة، هكذا صرحت وأضيف إنها أيضا مستعمرة جيلي من الكتاب الذين تخرجوا من المدرسة الجزائرية، أبناء الاستقلال. * * رأيت فيما يرى الصاحي: * استعدت عبارتي هذه وأنا أقرأ إحصائية تناقلتها بعض الصحف الجزائرية والتي مضمونها أن نسبة عدد الجزائريين في فرنسا بلغت 13 في المائة من عموم سكان الإكساغون.. دون شك هذا رقم مخيف للسيد جان ماري لوبان رئيس الجبهة الوطنية، ولعموم القوى العنصرية الأخرى التي ترفض التنوع والاختلاف، المصابة بمرض المغاربفوبيا والعروبفوبيا والإسلاموفوبيا. * على حافة السرير كنت أفكر، ثم دارت في ذهني مجموعة من هذه الأفكار التي قد تبدو غريبة ومثيرة ولكنها تحتاج إلى تقليب وقراءة. وإذ تسللت إلى سريري، بصعوبة خطفني النوم وأنا في قلق هذه الأفكار، ما بين الكابوس والحلم، فرأيت فيما يرى النائم. * رأيت فيما يرى النائم: * اليوم هو الخامس من جولية عام 2830 تأكدت من ذلك جيدا جدا على أجندة فيها التاريخ الهجري والغريغوري والأمازيغي، كانت قبالتي معلقة بوضوح وإفصاح، رأيتُني في شارع واسع بأقواس النصر وأكاليل الزهور في مدينة عصرية ونظيفة تشبه باريس. ورأيت، سبحان الله ما لا يرى في مكان مثل هذا المكان، رأيت الأعلام الجزائرية بأخضرها وأحمرها وأبيضها ونجمتها وهلالها، رأيتها ترفرف في الشرفات وعلى المنصة الرسمية وفوق السيارات الرسمية وفي أيدي الأطفال المصطفين على الرصيف بعيون زرق وخضر وسود وشهل.. وما خلق الله. * رأيت فيما يرى النائم، في الحلم أم في الكابوس. * اليوم تحتفل الجزائر العظيمة بمرور ألف سنة على استعمارها من قبل الفرنسيس ومرور ثمانية قرون وثمان وستين سنة على استقلالها. ورأيتني في هذه المدينة التي لا تشبه الجزائر العاصمة ولا تشبه وهران ولا قسنطينة ولا باتنة ولا سطيف ولا بجاية، مدينة تشبه باريس ولا تشبهها سوى باريس؟ * استفقت على جرس صوت الآيفون وأنا الذي قبل أن أنام أضعه دائما على نظام الصامت، اليوم نسيت. لا يهم. مددت يدي عشوائيا في اتجاه الجهاز، قبل أن أعثر عليه كان قد صمت. * أأنا في حلم أم في كابوس أنا؟ * لعنت الشيطان وبسملت ثم خرجت من النوم لبعض دقائق معدودات ثم انزلقت، وإذا بالنوم يجرني إلى كابوسه أو حلمه ثانية. أعود إلى جولتي. * و أرى فيما يرى النائم: * تظاهرات للاحتفال باستقلال البلاد في مكان غريب علي وأنا الذي أدعي أنني أعرف الجزائر وما وسعت، بمدنها وقراها جميعها: من باب العسة إلى الطارف، ومن تيبازة إلى برج باجي مختار. * تُراني أجلس هكذا، في المنام، على حافة جسر أو ركن ممر أو كرسي في حديقة عمومية مرتبة ومنظمة. لست أدري؟ و أقرأ: * الجزائر بلاد علولة وعثمان بالي وأبو القاسم سعد الله وبوجدرة والشيخ غفور ونجيب أنزار والسيكتور وياسمينة خضرة وآيت منڤلات وعلي مغازي و سليمى رحال ورضا دوماز وكمال قرور وقائمة أسماء أخرى لم أتمكن من تذكرها أو التعرف على أصحابها، سامحوني فقد ضعفت ذاكرتي وقد بلغت من العمر عتيا: كمال صنهاجي وبوبكر زمال وسليم بوفنداسة وكمال داود وهزار الزاوي وحسام حرز الله وخديجة نمري وحكيمة خلوف وعبد الله الهامل و... وغيرهم ممن كتبت أسماؤهم بالحرف التيفيناغ، فلم أتمكن من قراءته لأميتي الفادحة بلغتي الوطنية، هذه الجزائر تعاقب عليها خلال قرون الاستقلال عدة أنظمة سياسية متناقضة: اشتراكية علمية واشتراكية جزائرية واشتراكية إسلامية وليبرالية أوروبية وليبرالية إسلامية وتعاقب عليها مئات الرؤساء منهم العرب والبربر والتوارق وتعاقبت عليها اللغات من الفرنسية التي زاحمت العربية إلى العربية التي زاحمت الأمازيغية إلى إن أصبحت للبلاد لغتان وطنيتان ورسميتان العربية والأمازيغية ... كل ذلك تعاقب عليها ولم تيأس ولم تيبس. * ورأيت فيما يرى النائم: * رأيت أستاذا جامعيا عالما شبهته بأبي القاسم سعد الله وأبو القاسم سعدالله عاش منذ قرون وكان عالما قضى حياته في كتابة التاريخ الثقافي للجزائر، حتى أنني قلت في نفسي هذا لن يكون إلا حفيدا من أحفاده، كان يتحدث بثقة كاملة في جمع من العلماء والطلبة الذين أحاطوه، حول التاريخ الثقافي للجزائر قائلا، وكانت لغته سليمة ويبدو أنه عضو جديد في أكاديمية اللغة العربية وآدابها وفنونها والتي مقرها هو ذات المقر الذي كانت تقام فيه ما كان يسمى بأكاديمية اللغة الفرنساوية سابقا: * - كتب أجدادنا، كان ذلك ذات يوم، حصل ذلك منذ ألفية كاملة كان ذلك في 5 جولية عام 1830، إن فرنسا قبل أن تستعمر الجزائر التي كانت دولة متخلفة آنذاك قد مهدت لذاك الغزو بتحضير ثقافي ولغوي وتبشير ديني. * وها نحن اليوم و قد قرأنا التاريخ جيدا، وبفضل هذه القراءة ها نحن نستعيد هذا الإقليم الشمالي لبلادنا، إقليم ما وراء البحر الذي لا يتجزأ من الجزائر الأم. * ثم شرع البروفيسور وبدقة تاريخية لامتناهية يستعرض القوافل الثقافية الجزائرية التي ناضلت منذ ألف سنة ويزيد لأجل استرجاع الجزائرلإقليمها في ما وراء البحر والذي ضاع عام 1962 * كان علينا أن نتغلغل قليلا قليلا في كل شيء وأن نزحف على كل المواقع خطوة خطوة، كرسيا كرسيا، زاوية زاوية على كل الجبهات: في الدين واللغة والسياسة والإدارة والوزارات. فخططنا في استعادة إقليمنا فيما وراء البحر، اعتمدت على الحرب الديمغرافية ثم الدينية ثم السياسية. * لذا فالفضل المبكر والذكاء الخارق يعود للرموز الجزائرية الأولى التي تموقعت في المناصب الثقافية والدينية والسياسية الأساسية في دولة إقليم ما وراء، في الكتابة الأدبية بالفرنساوية أولا .. ثم عدد أسماء لا أعرفها، أسماء عاشت منذ قرون وقد نسيها الجميع أو كاد: محمد ديب وكاتب ياسين وسليم باشي وعبد القادرجمعي ورشيد ميموني ونصيرة بلولة وأثنى كثيرا على أول مجاهدة استطاعت أن تخرق صفوف الأماكن المحرمة وهي السيدة آسيا جبار والذي قال عنها إنها كانت أول امرأة أصبحت عضوا في ما كان يسمى بأكاديمية اللغة الفرنساوية، هذه اللغة التي انقرضت الآن وأصبحت لغة الباحثين والفلكلوريين. * ثم بدأ يذكر أسماء لا أعرفها قال إنها نجحت في السياسة وتبوأت مناصب وزارية وكسرت عقدة العين الزرقاء: عزوز بقاق، فضيلة عمارة، رشيدة داتي وغيرهم، كل هؤلاء الذين شكلوا الصفوف الأولى كانوا يقومون بمهمة تحضير غزونا الحضاري سعيا لتحضير فرنساإقليمنا في ما وراء البحر. * ثم فجأة رأيتٌني أمشي في يوم يشبه يوم احتفال كبير، رأيتٌني أمشي في اتجاه مسجد باريس الكبير والذي يقال إنه كان كنيسة تسمى كنيسة منمارتر، كان ذلك منذ قرون والله أعلم. * ثم استدرت في سريري كما ندور في شارع فرأيت فيما يرى النائم: * ورأيتٌني أقرأ الصحف التي كانت معروفة في الأزمنة الغابرة والتي كانت تصدر بلغة انقرضت هي اللغة الفرنساوية وهي الآن تصدر بذات التسميات ولكن باللغة العربية والأمازيغية: لوماند و ليبيراسيون ولومانيتي ولوفيغارو. * تناولت عدد اليوم بين يدي وقرأت فقلت يا سبحان الله: هذا يوم ذكرى عيد استقلال الجزائر. كان التاريخ المكتوب يشير بالتأريخ الهجري والبربري إلى أننا في يوم 5جولية 2830 * ثم مشيت كما يمشي من ضربه حمار الليل، في شارع اسمه شارع جميلة بوحيرد والذي كان يسمى سابقا الإليزي، والله أعلم، وهو أفخم شارع في هذه المدينة من مدن إقليمنا في ما وراء البحر، وإذا بي أرى العلم الجزائري مرفوعا على جبهة قصر الإليزي والذي أصبح يسمى قصر الأمير عبد القادر الذي يقال إنه كان مجاهدا كبيرا، ثم رأيت الرئيس، رئيسنا محمد العربي ماسينيسا، هو بدمه وشحمه وابتسامته، يخرج من القصر ملفوفا في برنوس من وبر محفوفا بالحرس الجمهوري على أحصنة عربية وبربرية. * مسحت عيني جيدا كي أرى جيدا ورأيت فيما يرى النائم. * يتبع