سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"90 بالمائة من تلاميذ الأمازيغية يوجدون بمنطقة القبائل ولا يوجد في العاصمة أكثر من مائة مسجل " الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية يوسف مراحي للشروق
الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية يوسف مراحي / تصوير: علاء بيوموت يمر اليوم ثلاثون عاما عن الربيع الأمازيغي الذي كرس مطلب الأمازيغية كلغة وطنية، وبعد 9 سنوات من دسترتها و15 سنة على إدماجها في المنظومة التربوية يعود الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية الأستاذ يوسف مراحي في حواره مع الشروق إلى تجربة تعليم الأمازيغية في الجزائر، حيث أكد أن وضعها استنادا إلى المعطيات الميدانية لا يزال بعيداعن مكانتها الحقيقة في النسيج التاريخي والحضاري للبلاد، وحمّل مراحي وزارة التربية مسؤولية التزام الصمت حيال المطالب التي رفعتها المحافظة بشأن الصعوبات التي تواجه تدريس الأمازيغية في المنظومة التربوية. ما هي مهام المحافظة السامية للأمازيغية تجاه اللغة الامازيغية بعد 15 سنة من إدخالها المنظومة التربوية؟ تكريس الأمازيغية في المنظومة التربوية هي إحدى مهام المحافظة التي تتلخص في 3 نقاط أساسية هي: إدخال الأمازيغية إلى المنظومة التربوية، وتكريسها في منظومة الإعلام، والمهمة الثالثة، وإن كنت شخصيا لا أتفق كثيرا مع هذا الطرح، هي إعادة الاعتبار للأمازيغية كثقافة وكحضارة وكتاريخ وكوجود. ويجب أن أذكر هنا بأن المحافظة هي التي أعطت الشعلة الأولى للبدء في إدخال "تمازيغت" إلى المدارس بعد إضراب المحافظ في 1995 من خلال استقدام أكثر من 200 أستاد نٌظم لهم تربصٌ لمدة شهر، وهي الدفعة التي انطلقت بها عملية التدريس، منهم من درس الأمازيغية بوسائل الجمعيات، والأغلبية منهم تم تحويلهم من فروع أخرى بالنسبة للذين يتحكمون في الأمازيغية، ويجب أن نسجل أيضا أن انطلاق تعليم الامازيغية في 1995 كان فيه نوع من التسرع، لأن الدولة كان عليها تقديم إجابة سياسية لمطلب اجتماعي وسياسي أيضا انطلق من منطقة القبائل الكبرى بعد الشعار الذي رفعته ال "آم. سي. بي" "لا سنة دراسية دون تمازيغت" وهو الإضراب الذي دام 8 أشهر وتمت الاستجابة له لتجنب شبح السنة البيضاء، وصار تدريس الأمازيغية اليوم حقيقة داخل المدرسة الجزائرية وإن كانت هناك صعوبات وعراقيل ومشاكل تتلقاها المادة، كما أن تمازيغت أيضا حقيقة في وسائل الإعلام وحقيقة في الجزائر والواقع المعيش، لكن على الدولة أن توفر الوسائل والإمكانيات للغة الأمازيغية حتى نصل للهدف المنشود، وهو وضع هذه اللغة في نفس مرتبة ومكانة أختها العربية، وهذه حقيقة وحتمية تاريخية لا مفر منها اليوم أو غدا وحتى بعد 50 سنة. قلت إن الأمازيغية تعاني من صعوبات وعراقيل في المدرسة.. هل يمكن أن تذكر لنا بعضها؟ إذا كنا نريد أن توصل اللغة رسالتها ونعطي لها بعدها الاجتماعي يجب أن نرسي دعائمها داخل المدارس لأن اللغة تضعف وتموت إذا لم تستعمل، وحسب آخر تقرير لمنظمة اليونسكو فإن هناك مئات اللغات مثل الأمازيغية تزول لأنها لا تستعمل، وحسب ملاحظاتنا الميدانية، - لأننا في المحافظة لا نعمل خلف المكاتب - فإن الأمازيغية في المدارس تعاني من عدة صعوبات، منها أن تدريسها لا يزال تجريبيا ويفترض في التجربة أن لها مدة معينة يتم بعدها التوقف للتشخيص والتقييم، لكننا إلى حد الآن لم نجرِ مراجعة أو تقييم، وقد طالبنا عدة مرات من وزارة التربية الجلوس إلى طاولة مستديرة ودعوة المختصين من أساتذة وباحثين لدراسة التجربة. لكن إلى حد الآن لم ترد الوزارة، وبقيت مطالبنا رسالة ميتة. والمشكل الثاني الذي تعاني منه الأمازيغية في المدارس أنها تدرس اختياريا، ونحن نعرف أن المدرسة الجزائرية لا تجلب الطفل بل تنفره، ونعرف أيضا أن أي مادة كانت عندما تطرح بطريقة اختيارية لا أحد سيهتم بها لأن المدرسة في الجزائر لا تحمل حلم الجزائر كبلد والمواطن المستقبلي، وعدم تعميم الأمازيغية يجعل منها لغة جهوية وليست لغة وطنية كما يكرسها الدستور، ونحن كنا قد طلبنا من وزارة التربية أن تتم إجبارية اللغة الامازيغية في كل المدارس التي تتوفر على أستاذ في المادة، لكن المشكل ما يزال مطروحا إلى حد اليوم كما هو مشكل المكونين اليوم مطروح بحدة، خاصة وأن الفوج الذي يتكون في بن عكنون لايتخرج منه سنويا إلا 10 أو 12 أستاذا، وهذا غير كافٍ أبدا، وأكثر من هذا فإن هذا الفوج سيتوقف بداية من العام المقبل زيادة على أن البرامج التي يستفيد منها المكونون لا تتناسب ولا تتماشي مع الأمازيغية، لهذا كنا قد رفعنا مطلبا للوزارة المعنية بأن يتم فتح 3 أو 4 مدارس عليا لتلبية الاحتياجات المستقبلية، إذا كانت هناك حسن نية في تعميم تدريس الأمازيغية كما صرح الوزير بذلك عدة مرات، ونحن نتساءل: كيف يتم تعميم اللغة الأمازيغية؟ هل بالتلاميذ، وهم موجودون، وهل بالوسائل البداغوجية والكتب وهي متوفرة؟ أم أن المشكل يكمن في المكونين. وعليه فالسياسة التي تم تطبيقها في تعميم استعمال وتدريس العربية يجب أن تكرر اليوم بالنسبة للأمازيغية، لكننا يجب أن نعتمد في هذا على حكمتنا وخبرتنا لأننا لا يمكن أن نستورد المكونين كما فعلنا مع العربية عندما استقدمنا الأساتذة من المشرق. أما المشكل الآخر الذي تعاني منه اللغة الأمازيغية فهو في تعدد حروف الكتابة حيث نجدها في شرق البلاد كخنشلة وباتنة تكتب بالعربية وفي الجنوب بحروف التفيناغ وفي الوسط باللاتينية، وهذا واقع كرسته طبيعة التكوين، وليس حبا في أي حرف، ويجب اليوم التفكير في توحيد الحرف الأمازيغي لأن تعدد الكتابة يعيق حركة تعميم استعمال اللغة الأمازيغية وتنقل الأساتذة، فالأستاذ الذي يدرس في خنشلة لا يمكنه أن يدرس في تيزي وزو أو بجاية. هناك مشكل آخر ويتمثل، حسب شهادات ميدانية، في تراجع التلاميذ والأولياء حتى في المناطق التي تتحدث الأمازيغية عن الاهتمام بهذه الأخيرة، مما دفع بالكثيرين إلى القول بأن وضع الأمازيغية كان أفضل قبل أن يعترف بها دستوريا؟ صراحة لم أكن أتوقع هذا السؤال، فهل يعقل أننا في 2010 مازلنا نتحدث عن القبول الاجتماعي لمادة؟ هل يعقل أنه في 2010 مازال الطفل الأمازيغي بحاجة إلى رخصة من أجل أن يدرس لغته في الوقت الذي ينص فيه دستور البلاد على أن الأمازيغية لغة وطنية وعلى أن الدولة مجبرة على توفير كل وسائل وأشكال الدعم لترقيتها، فبالعودة إلى وثيقة 1975 التي أسست المدرسة الأساسية سنجد بأن التمدرس إجباري للأطفال دون سن السادسة عشرة، وكيف أن الطفل الذي يدرس في الابتدائي يدرس العربية والفرنسية إجباريا ولا يجد الأمازيغية. إذا أردنا أن يكون كل أطفال الجزائر على نفس المستوى علينا أن نعيد التفكير في هذا الأمر، ثم إننا نعرف جيدا إن الطفل الأمازيغي الذي يتحدث الأمازيغية كلغة أولى تصير لغة ثالثة بالنسبة له وهذا ما يسبب له صدمة نفسية، لأن اللغة هي حامل وناقل للثقافة، والمعايير الاجتماعية التي يتم محوها من ذهن الطفل عندما يدخل للمدرسة ويعاد تشكيله. هذا ما دفعنا منذ 3 سنوات إلى رفع تقرير للوزارة تساءلنا فيه على الأسس والمعايير التي يتم اعتمادها في التدريس، وهذه الصعوبات هي التي جعلت تدريس الأمازيغية بعدما انطلق في 16 ولاية ينحصر اليوم في 9 ولايات، وفي بعض المناطق لا نجد الأمازيغية على الإطلاق، مثل غرداية، حيث أن الخواص هم الذين يدرسون الأمازيغية وليست الدولة.. السنة الماضية مثلا في بسكرة كان هناك أستاذ واحد واجه ضغوطات حتى أقفل القسم نهائيا، ونحن قمنا بدق ناقوس الخطر وأخبرنا الوزارة أن في بسكرة السنة القادمة لن يكون هناك تدريس للأمازيغية، لكن الهيئة الرسمية المخولة بحل هذا المشكل، وهي الوزارة، ما تزال للأسف تلتزم الصمت حيال هذا الأمر ولم نلتق بممثليها منذ ما يزيد عن 4 سنوات، وهذا ليس بسبب تقصير منا لكن بسبب لا مبالاة الوزارة. وبلغة الأرقام الواردة من الوزارة نفسها بلغ هذا العام عدد المتمدرسين بالأمازيغية 23563 ألف تلميذ مقابل 1148 أستاذ في مختلف الأطوار التعليمية بما في ذلك الابتدائي والثانوي، ونجد بأن أزيد من 90 بالمائة من عدد التلاميذ يتوزعون في منطقة القبائل الكبرى، بتيزي وزو وبجاية والبويرة، وهذا ما يجعلني أعتقد وأتمنى أن أكون مخطأ في اعتقادي أن هناك قناعة راسخة عند هؤلاء بأن الأمازيغية لغة جهوية وتم حصرها في منطقة معروفة بهويتها ومطلبها، وبأن الأمازيغية ليست مطلبا وطنيا ولا تعني باقي الولايات، وفي بعض المناطق الإدارة نفسها هي التي تعرقل أساتذة المادة حتى أن أساتذة خنشلة وباتنة رفعوا تقارير مكتوبة بهذا الشأن. هذا ما يجعلنا نعود للمطالبة بتطبيق ما أسفرت عنه اللجنة المختلطة بين الوزارة المعنية والمحافظة بالعودة لنظام 1995 وهو تعليم الامازيغية في 16 ولاية وتقديم الدعم والوسائل العلمية والبداغوجية لإرسائه بشكل قوي تمهيدا لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية على كافة مدارس الوطن فمن غير المعقول اليوم أن لا نجد أكثر من 100 تلميذ في مدارس اللغة الأمازيغية بالعاصمة. واقع الأمازيغية في المدارس يعاكس ويناقض تماما المادة 3 مكرر من الدستور التي تقر أن الامازيغية لغة وطنية إلى جانب العربية، رغم هذا المسؤولون مباشرة والذين يملكون سلطة السهر على تطبيق الدستور لا يريدون التحرك للأسف. بعد 30 سنة من أحداث الربيع البربري الذي كرس المطالبة بالأمازيغية كلغة.. في نظركم ما هي آفاق هذه المطالب اليوم خاصة فيما تعلق بإعادة الاعتبار للأمازيغية كثقافة وكحضارة؟ الورشات ما تزال مفتوحة وبها عمل كبير على عاتق الدولة ويجب أن تتوفر إرادة سياسية شجاعة متينة تجاه هذا المطلب والملف، لأن مطالب الطلبة الذين خرجوا في الربيع الأمازيغي في الثمانينيات كانت تتلخص في الديمقراطية والأمازيغية إلى جانب رد الاعتبار للعربية الدارجة وحرية الصحافة والإعلام والحريات العامة، واليوم نحن نعيش إنجازات هذا النضال لأن جماعة الثمانينيات لم يناضلوا من أجل فكرة جهوية أو انعزالية لكنهم ناضلوا من أجل عقد اجتماعي ذي مطالب وصبغة وطنية، وكل من يدعي عكس ذلك فهو يجانب الحقيقة. في هذا الإطار ألا ترى أن المطلب الامازيغي اليوم يعاني من التسييس المفرط الذي يسيء في كثير من الأحيان للأمازيغية أكثر مما يخدمها؟ العيب اليوم فينا وفي كل العاملين في الحقل الأمازيغي، والسؤال هو : كيف يمكن أن نقطع الطريق أمام تجار السياسية؟ أعتقد بأن الإجابة تملكها الدولة وهي التي يجب أن تقدمها عمليا وفق ما يمليه الدستور الذي يقر بأن الأمازيغية لغة وطنية يجب أن توفر لها كل وسائل الدعم والترقية، وأنا لا أقول هنا الحزب الفلاني أو الشخص الفلاني، بل أقول الدولة، لأن هذه الأخيرة هي التي تجسد إرادة كل الجزائريين، ويوم يرى الساعون للاستغلال السياسي بأن الأمازيغية كلغة وكثقافة قد أخذت مكانتها الطبيعة ميدانيا لن يجدوا حينها حجة، لكن يجب أن نخدم الأمازيغية بالعمل وليس بكلام المناسبات والشعارات، فلا يكفي مثلا أن يقول وزير التربية أننا على وشك تعميم تدريس اللغة الأمازيغية والواقع يقر بعكس ذلك، فيجب أن تكون لنا نظرة واقعية للأمور فما الذي يجعل الدولة اليوم لا تنشئ جريدة بالأمازيغية ولتكن "المجاهد" مثلا بالأمازيغية لا يهم الاسم أو الشكل المهم أن تكون هناك نية حسنة وإرادة قوية لخدمة الأمازيغية بالعمل وليس بالشعارات وهي السبيل الوحيد لقطع الطريق أمام كل استغلال سياسي للملف. إلى حد الساعة لم يتم تعيين رئيس للمحافظة السامية للأمازيغية، ما هي أسباب هذا التأخير؟ لو أقدم المسؤولون على تعيين خليفة للراحل آيت عمران لما كان اليومَ مبررٌ لسؤالك هذا، لكن للأسف فإن هذا لم يتم إلى حد الآن والأمين العام هو الرئيس وهو الناطق الرسمي وهذا ما يجعلنا نقول مرة أخرى أن العيب فينا، فإذا أردنا أن نسكت المتاجرين بالملف الأمازيغي نهائيا علينا توفير الظروف المناسبة لتكون للأمازيغية مكانتها المستحقة وحتى تتدارك تأخرها الذي لم يكن بسبب نقص أو قصور فيها لكن بسبب الظروف التاريخية والسياسية التي جعلت منها لغة مضطهدة.