تخسر الجزائر الملايير بسبب عدم مساهمة جاليتها في المهجر في بناء الاقتصاد الوطني وازدهاره، حيث تكتفي باستقدام الشيفون و"الخردة" الغربية لإعادة بيعها للزوالية الذين يفضلون المنتج الأوروبي وإن كان مستعملا على المنتج الصيني الذي غزا كل الميادين. ويكفي أن نقوم بزيارة إلى ميناء الجزائر للوقوف على مشاهد المركبات المعبّأة بحمولات تجعلها تلامس الأرض من شدّة الثقل، فمع الأيام الأولى التي تلت شهر رمضان استأنف المهاجرون رحلات عودتهم إلى الوطن لقضاء العطلة السنوية جالبين معهم كل ما خفّ وثقل.. ألبسة وعطور ومساحيق تجميل وألعاب ودرّاجات وحتى عجلات مطّاطية وغيرها من الأمور التي قد لا تخطر على بال.. كل شيء قابل للبيع لتعويض مصاريف التذكرة التي لطالما تذمروا من ارتفاع سعرها بل وأكثر من هذا يجنون فوائد معتبرة تغطي كل مصاريف إقامتهم وتمويل بناء مساكنهم التي يشيدونها ويغلقونها من دون تسديد ضرائبها المستحقة. وطوال الطريق المحاذي للميناء تشد أنظار الجزائريين إلى سيارات المهاجرين مستغربين حمولتها الكبيرة وكأنها لنازحين حزموا حقائبهم وأمتعتهم من دون عودة.
كمال رزيق: الخطأ تتحمله الحكومة والمغتربون معا وأكّد الأستاذ والخبير الاقتصادي كمال رزيق، في تصريح خص به "الشروق"، أن الجالية الجزائرية من أضعف الجاليات من حيث المساهمة في إدخال العملة إلى الوطن فهي لا تتعدى ملياري دولار سنويا رغم أنها من أكبر الجاليات عالميا بنحو 7 ملايين مهاجر، في حين أنّ الجالية المصرية مثلا وهي أقل عددا تساهم ب 20 مليار دولار سنويا والمغرب ب 10 ملايير دولار. وفي تشريحه للظاهرة قال رزيق إن المسؤولية والخطأ تتحمّلهما الحكومة الجزائرية بدرجة أولى والمهاجرون أنفسهم بدرجة ثانية، فالحكومة لم تكلّف نفسها عناء فتح فروع بنكية في المهجر، لتمكّن الجالية من تحويل أموالها بسهولة بل يجب عليها تحديد سقف تجبر من خلاله المهاجرين على إدخال العملة وهو حد أدنى لا يمكن النزول عنه. وبالمقابل، فتحت الحكومة لهؤلاء سوقا موازيا يفرضون فيه منطقهم يبيعون العملة ويشترون كما يشاؤون وهو الخطأ الأكبر. وأضاف الخبير هؤلاء الزماقرة يستفيدون من الهياكل القاعدية والمنشآت العمومية، رغم أنهم لم ينفقوا عليها دينارا واحدا ويستعملونها مجّانا. وأكد رزيق أن نظام الضرائب في بلادنا غير عادل، حيث إنّ 99 بالمائة من هؤلاء المغتربين لا يسددون ضرائبهم رغم إلزامية قانون الضرائب المباشرة بذلك فلماذا تطفئ الحكومة الضوء عن هؤلاء، علما أنّ أغلبهم يمتلكون عقارات وبيوتا في الجزائر.
بشير مصيطفى: ضعف اللوجيستيك وانعدام البنوك أضعفا المشاركة الاقتصادية للمهاجرين وبدوره، أكد بشير مصيطفى كاتب الدولة الأسبق لدى الوزير الأول للاستشراف والإحصائيات والخبير الاقتصادي أن أرباح الدول الأجنبية من الجالية الجزائرية بالمهجر تقدر سنويا ب60 مليار دولار جراء الرسوم والضرائب، بينما تخسر الجزائر ما قيمته 5 ملايير دولار من تحويلات العملة الصعبة، كما أن الجالية الجزائرية تمثل 17 بالمائة من عدد سكان البلاد ويتوقع أن يصل عددهم بحلول العام 2030 إلى 9 ملايين وتضم فرنسا أكبر عدد لهم بنحو 5 ملايين مهاجر. وأرجع مصيطفى ضعف المشاركة الاقتصادية لهؤلاء إلى ضعف اللوجيستيك وانعدام البنوك وعدم وجود البنوك المشتركة، بالإضافة إلى بيروقراطية البنوك الجزائرية في التحويلات ووجود سعرين للعملة رسمي ومواز ما يحول دون مرور العملة على القناة الرسمية التي يعد سعر صرفها أضعف من الأخرى. وأضاف مصيطفى عوامل أخرى على غرار ضعف معيارية الاستثمار ومناخ الأعمال غير المشجع وعدم طرح الشركات الوطنية أسهمها للادخار، وكذا انعدام ثقة الجالية في الاقتصاد وضعف الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية، حيث تعيش الجالية فراغا رهيبا بين الهيئات الدبلوماسية وفرص الاستثمار الحقيقية.