أثر كتاب آيات الرّحمان في جهاد الأفغان في التجنيد لأفغانستان: لا يوجد كتاب في نهاية القرن الماضي اكتسب نسبة مقروئيّة كما اكتسبها هذا الكتاب، يكفي أنّه لما ظهر مطبوعا لم تُلبّ النّسخ المتداولة حجم الطلب عليه - فلجأ الشّباب المتلهف على قراءته إلى تصويره أو قراءة النّسخة المطبوعة في ليلة واحدة ليأخذها شباب آخر في اللّيلة الموالية وقد تُدوَوِل في هاتك الأيّام: أنّ النّسخ المصوّرة غلبت على النّسخ الأصلية المطبوعة وذكر عزّام نفسه أنّ الطّبعات غير الشرعية أكثر من الطبعات الشّرعيّة وأن مردود الطبعات الشرعيّة تجاوز مئات الآلاف من الدّولارات أنفقت كلّها على الجهد الإعلامي في دعم الجهاد الأفغاني ومنها إصدار المجلات والمطويات للإشهار للجهاد الأفغاني. - ودخل على سكرة الكتاب الإعلام العربي مقتبسا منه فقرات وقصص ليؤكّد أنّ "الملحمة الأفغانية" ملحمة ربّانيّة بحقّ. بل وقامت بعض وسائل الإعلام الغربيّة بنقل فقرات منه وتسجيل تأثّر الشّباب في العالم العربي والإسلامي بما ورد فيه وهي بذلك تزيد السّكارى سكرًا على طريقة - "إسقني خمرَا وقل لي هي الخمر* ولا تسقني سرًّا إذا أمكن الجهر". - وقد اعترض الكثير من العقلاء على هذا الغلوّ الذّي قدّم به عبد الله عزّام "كرامات المجاهدين في أفغانستان" ولكنه تصدّى بقوّة لهذا الاعتراض في محاضراته المسموعة والمرئية وفي بعض كتاباته في المجلاّت الجهاديّة. وكانت حجّة هؤلاء العقلاء أنّ الكثير ممّا ورد في كتابه لا يصدّقها العقل، بل وأنّ بعضهم اتصل بمن روى عنهم عزّام بعض الكرامات فكذّبوا جملةً وتفصيلاً ما ذكره عزّام وفي كتاب "العائدون من أفغانستان ما لهم وما عليهم" لعصام درّاز. تكذيب صاعق لكلّ ما ورد في كتاب "آيات الرّحمان في جهاد الأفغان" أنقله للقارئ لعلّ فيه العبرة وفيه العودة للعقل حتّى لا نكرّر الأخطاء كما ظللنا نكرّرها في كلّ قضايانا بدءًا من بيعه المتغلّب وما نتج عنها إلى يومنا هذا قال عصام درّاز في الفصل الثامن تحت عنوان: الكرامات وسلبيات التّواجد العربي: (... لقد اختلفت مع الشّهيد الدّكتور عبد الله عزّام في هذا الموضوع وبدأت بجهد ذاتي أبحث عن الحقيقة بحياد وإخلاص ... وأستطيع أن أقول إنّني وصلّت إلى نتيجة خطيرة وهي أنّ موضوع الكرامات في أفغانستان هو صناعة عربيّة وإذا كان قد حدثت بعض الكرامات والله قادر على كلّ شيء فهذا شيء مختلف تماما عمّا ذكره الشّهيد عبد الله عزّام في كتابه. لقد جلست مع مجاهدين تحدّث عنهم عبد الله عزّام وجلست مع مجاهدين عاشوا في جبهات القتال سنوات طويلة وكلّهم دون استثناء واحد قرّروا أنّ ما ذكر في كتاب آيات الرّحمان كان ضربا من ضروب المبالغة وأنّ بعضهم راجع الدّكتور عبد الله عزّام في هذا الأمر وهناك من ناقشوه وعاتبوه على هذا الكتاب بل هناك من اختلف معه بشدّة إلاّ أنّ الشّهيد عبد الله عزّام وهو أكثر واحد كان يعرف أنّ معظم ما كتبه فيه مبالغة ومعظمه لم يحدث أصلاً، يرى أنّ المبالغة مطلوبة لكي يحبّب النّاس في الجهاد الأفغاني ونجح هذا الشق وهو تحبيب النّاس في الجهاد الأفغاني وبالتالي دعمه بالمال، ولقد أطلق بعض الشّباب المجاهدين على موضوع الكرامات بأنّه أعظم فكرة لجمع التّبرعات فهو مشروع مالي ناجح وللأمانة والتّاريخ أقول لقد قمت باستقصاء عن الموضوع بنفسي والتقيت بأكثر من 100 مجاهد عربي وأفغاني وسألتهم سؤالا واحدا: هل شاهدت كرامات في أفغانستان؟ كانت الإجابة بنسبة 100% أنّهم لم يشاهدوا ولكنّهم سمعوا مجرّد سماع، الكلّ سمع ولا أحد شاهد... وكانت نتيجة العمليّة الخطيرة هو تصوّر الشّباب العربي القادم إلى أفغانستان بأنّهم سيشاهدون بالعين المجرّدة الملائكة وهم يقاتلون والقبور تضيء وأنهار المسك والطيّور التّي تأتي تحت أجنحة الطّائرات وكانت النتيجة الخطيرة التالية: اعتقد الشباب العربي أنّه ذاهب إلى المجاهدين الأفغان الذين سينقلونه إلى عصر ظهور الإسلام ويلتقون بمستوى رجال على مستوى الصّحابة وفي مصافّ الملائكة ولهذا كانت الصّدمة ثمّ الصّدام فقد وجدوا المجاهدين الأفغان بشرا بكلّ معنى الكلمة فيهم كلّ عيوب البشر وحسناتهم. لقد قتل بعض الشباب العربي... في أفغانستان بوشاية من الأفغان أنفسهم أي من خيانة داخل بعض المنظّمات الأفغانية ذاتها. كان الشباب العربي يعتقدون أنّهم قادمون إلى أرض الملائكة والصّحابة وكان هذا الاعتقاد مأساة في حدّ ذاته فلم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة الأمر وواقعية البشر الذي طحنتهم الحرب بكلّ معنى الكلمة. ولعلّ الشيخ عزّام كان يعتمد رخصة رواية الحديث الضّعيف في الفضائل بالشّروط التي ذكرها المحدّثون عند رواية الحديث الضّعيف - وأعتقد أنّ سرده لبعض الكرامات التّي قد تصل - إلى مرتبة الأسطورة نابع من عاطفته الجيّاشة ورغبته في تحبيب الجهاد والشهادة في سبيل الله إلى النّاس وأمامي نسخة من هذا الكتاب في طبعته الخامسة ويذكر في مقدمّة الطبعة الرّابعة أنّها نفذت في 30 يوما. - وليضفي مصداقية على ما سوف ينقل يذكر أنّه سأل عبد العزيز بن باز عن الموضوع فأجابه بشرى خير تبشير بنصرهم إن شاء الله. كما يذكر أنّه سأل الدّكتور عمر الأشقر - فأجابه أهمّ شيء هو صحّة الرّواية فإن كان الرّواة صادقين فيجب أن نعلنها سواء وافقت عقول النّاس أم لم توافق... - ويبرّر دوافع سرده لهذه الكرامات بالقول:... وإنّي لأعلم كذلك أنّ هذه الكرامات (وهي قد بلغت مبلغ التّواتر المعنوي برواياتي) تفعل فعلا عجيبا في إثارة حماس المجاهدين وتعطيهم دفعا قويّا على الطريّق إذ أنّهم يحسّون أن الله معهم وأنّ يد الله هي التّي تُدير المعركة...). وبعد استعراض ضاف لكرامات الصّحابة والتابعين ومناقشة أسباب كثرة ظهور الكرامات عند المسلمين المتأخّرين مقارنة بجيل الصّحابة - يشرع في سرد قصص هذه الكرامات ولست في مقام استعراضها كلها وإنّما أنقل بعضها التي كان لها مفعول السّحر في تجنيد الشباب العربي و أبدأ بقصّة. أ/ شهيد يُصافح أباه: قال عبد الله عزّام: حدثني عمر حسني في سنة 1980 جاء جيش كبير من الرّوس معه سبعون دبابة وبعض الآليات وتظلّه 12 طائرة وكان عدد المجاهدين 115 مجاهد وقعت معركة شديدة وأخيرًا هُزم العدوُّ بعد أن دمّرنا 12 دبابة، استشهد منّا أربعة شهداء منهم (ابن جنه جل ومعناه بالعربيّة ابن ورد الجنّة) فدفنّاه في أرض المعركة وبعد ثلاثة أيّام جئنا ونقلناه إلى بيت والده ليدفنه في المقبرة جاء والده وقال:... يا بنيّ إن كنت شهيدًا فأرني آية (علامة) أنّك شهيد فإذا بالشهيد يرفع يده ويُسلّم على أبيه وبقي مصافحا والده مدّة ربع ساعة ثمّ نزعها ووضعها على جرْحه قال والده: كادت يديّ تُكسر وهو يضغط عليها...). ب/ الطيّور مع المجاهدين: (... حدثني أرسلان قال: نحن نعرف أنّ الطّائرات ستهاجمنا قبل وصولها وذلك عن طريق الطيّور التّي تأتي وتحوم فوق معسكرنا قبل وصول الطائرات فعندما نراها تحوم نستعدّ لهجوم الطّائرات...). ج/ الخيول: ...حدثني أرسلان قال: في مكان اسمه أرجوى رقم 23 هاجمنا الشّيوعيّون فقتلنا 500 وأسرنا 83 شخصية فقلنا لهم ما سبب هزيمتكم ولم تقتلوا منّا سوى شهيد واحد قال الأسرى كنتم تركبون على الخيل فعندما نطلق عليها تفرّ ولا تصاب...). د / الدّبابة تمرّ على بَدَنِهِ فيبقى حيًّا: (... حدثني عبد الجبار نيازي قال: مرّت دّبابة وأنا أرى على مجاهد اسمه (غلام محي الدين) وبقى حيّا...). ه / العقارب مع المجاهدين: (... حدثني عبد الصمد ومحبوب الله: أقام الشّيوعيّون مخيّما في سهل مدينة (قندوس) فهجمت عليهم العقارب ولدغتهم فمات ستّة وهرب الباقون...). و / الأفاعي لا تلدغ المجاهدين: (... حدثني عمر حنيف قال: لقد جاءت الأفاعي مرارا تبيت مع المجاهدين في فراشهم ومنذ أربع سنوات لم تلدغ أفعى مجاهدا رغم كثرتها...). ز / الرّصاص لا يخترق أجسادهم: (... حدثني جلال الدّين: لقد رأيت الكثير من المجاهدين معي يخرجون من المعركة وألبستهم مخرّقة من الرّصاص ولكن لم تدخل جسدهم رصاصة واحدة...). ح / النّور يصعد من جسد الشهيد: (... ومن بين الشّهداء واحد اسمه عبد الغفور دين محمد كان النّور ينبعث منه كلّ ليلة يرفع إلى السماء ويبقى لعدّة (3) دقائق ثمّ ينزل وقد رأى النّور جميع المجاهدين...). ط / رائحة الشهداء: (... حدثني نصر الله منصور قال: حدثني حبيب الله المسمّى ياقوت قال استشهد أخي وبعد ثلاثة شهور رأته أمّي في المنام فقال: كلّ جروحي برأت إلاّ جرح في رأسي، فأمرت أمّي أن نفتح القبر وكان قبر أخي بجانب قبر آخر فظهرت حفرة ظهر من خلالها قبر آخر فرأينا أفعى فوق الميّت فقالت أمّي لا تحفروا فقلت: إنّ أخي شهيد ولا يمكن أن نجد أفعى وعندما وصلنا للجثث فاحت العطور وعبقت في أنوفنا حتّى كدنا نتخدّر لشدّة الرّائحة ووجدنا جرحه الذي في رأسه ينزل دما فوضعت أمّي أصبعها في دمه فتعطّر إصبعها ولا زال إصبعها رغم مرور ثلاثة أشهر معطرّا حتّى الآن يعبق شذى طيبا...). ي/ الشّهداء يبتسمون: (...استشهد معنا حميد الله وعند دفنه وجدته يضحك فظننت أنّي توهّمت فخرجت ومسحت عيني فوجدته كذلك...). ك/ الضّباب يحمي المجاهدين: (... حدثني محمد ياسر قال: كنت أرقب معركة أغارت فيها الطّائرات على المجاهدين في منطقة مكشوفة فدعونا الله للمجاهدين وإذا بالغبار الأسود يغطي أرض المعركة ونجا المجاهدون...). عند قراءة الشّباب العربي القليل التّجربة الكثير العاطفة لهذه الكرامات تراه يندفع باحثًا عن الطّريق الموصل إلى أفغانستان التي هي في رأيه جهاد حقٌّ والدّليل على ذلك هذه الكرامات التي لم يرها حتّى الصّحابة مع حالة اليأس التي يعيشونها في مواطنّهم والفراغ الفكري والمعرفي الرّهيب الذي يعيشونه – فكنت ترى الحلقات المسجديّة في كلّ أنحاء العالم الإسلامي الذي كان يشهد مدًّا إسلاميًّا شعبيًّا عاليًا – لأسباب يطول شرحها - ولا حديث لهذه الحلقات إلاّ الجهاد الأفغاني والكرامات التي أيّدهم الله تعالى بها ليربط على قلوبهم ويثبّتهم أمام التّكالب العالمي على الإسلام. ولم يكن أحد يجرؤ على رفض أو التّشكيك في هذه الكرامات لأنّ التّشكيك فيها تشكيك في الإسلام كلّه وقد حدث شيء من ذلك أيّام مقدّمات العشرية السّوداء عندما امتلأت الشوارع الجزائريّة بمناضلي وأنصار الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ وظهرت الكرامات "اللّيزريّة" في سماء الملاعب التي يجتمع فيها الأنصار وقد كتبت على شكل سحب بكلمات هي التأييد التّام للجبهة من الله "ربّ العالمين". ظهرت الكتابات الليزريّة "الله أكبر" فكنت ترى الجموع مكبّرة باكية غائبة - مغيّبة- ويا ويل من يشكّك في ذلك أو يحاول أن يشرح الكيفيّة التي كتبت بها تلك الشّعارات ولكن المؤسف ليس في ردّ الجماهير المنقادة للإنقاذ، إنّما المؤسف هو سكوت نخب وقيادات الجبهة عن تصحيح المفاهيم، وقلت يومها لأحد كبار قادة الجبهة - ماذا يحدث عندكم ؟ قال: هذه إرادة الجماهير ولا رادّ لإرادتها، قلت: أفلا يسعكم موقف رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عند وفاة ابنه إبراهيم . قال: أنت لا تعرف فنّ قيادة الجماهير، فقلت منهيًا الحديث: إنّه فنّ "التّخادر"، الجماهير تخدّر القيادة، والقيادة تخدّر الجماهير والجميع يخدّر الجميع فمتى يزول المخدّر ويعود الوعي؟ أحدث كتاب "آيات الرّحمان في جهاد الأفغان" الأثر المرجو وانطلق الشباب إلى أرض الكرامات لعلّه يحظى ببعضها فيفوز بالجنّة والرّضوان. والملاحظ هو أنّ الشباب المنطلق إلى أفغانستان في عمومه لم يكن شبابا مرتزقا يتقاضى أجرا أو يحصل على متعة إنّما خرج ليجاهد في سبيل الله ويحظى بهذه المؤيّدات من الكرامات على طريق سيره نحو الله. إنّما الذي حدث في الجيل الثالث من الجهاديين (داعش وأخواتها) وحتى في أخريات الجيل الثاني (مرحلة أبي مصعب الزرقاوي) أنّ الجهاد أصبح ارتزاقا وقد جُندت ميزانيات ضخمة من طرف بعض الدّول العربيّة لدفع أجور المجاهدين الجدد ولمزيد من الإغراء دخل على الخطّ جهاد المناكحة ابتداء والزّواج بالآلاف من الحور العين انتهاء – لأنّ عبد الله عزّام رقم 02 لم يعد موجودا لينشط الكورال الجديد، وأشهد أنّ "عزّام" لم يذكر ولا مرّة موضوع الحور العين أو سفسطة تجنيد النّساء، بل اشترط على المشاركات وجود الزّوج أو المحرم ولم نر في الجهاد الأفغاني العبث الذي رأيناه فيما سمّي بالجهاد "الشّامي" مما يؤكد انعدام العلاقة بينه وبين القيم والمبادئ الإسلاميّة. .. يتبع