تحوّلت مصر كلّها إلى دعم الجهاد الأفغاني بكيفيّة لا تضاهيها إلاّ حرب 1967 أو حرب 1973 مع إسرائيل وفي كتاب "حروب غير مقدسّة" ل جون كولي تفاصيل عن هذا الدّعم اللاّمحدود للجهاد الأفغاني نقل عنه الأستاذ هيكل في كتابه الآنف الذّكر "الزمن الأمريكي من نيويورك إلى كابول" مايلي: (... ويروي جون كولي في كتابه "حروب غير مقدّسة" الفصل الثاني من صفحة 29 إلى صفحة 43 وعنوان الفصل كلّه "أنور السّادات"، أنّ الرّئيس السادات كلّف نائب الرّئيس حسني مبارك وهو المسؤول وقتها عن أجهزة الأمن الدّاخلي والخارجي بالإشراف على المجهود المصري في الجهاد الأفغاني لكن مبارك لم يلبث إلاّ شهورًا حتّى ترك المهمّة وأحالها إلى المشير عبد الحكيم أبو غزالة وبدوره أحالها المشير أبو غزالة إلى غيره. ثمّ يعود جون كولي ليقول - ص 32 - إنّه بعد أيّام من لقاء الرّئيس السّادات مع زبيجنيو بريجينسكي في يناير 1980 أعطى الرّئيس المصري إذنًا باستعمال مطار "قنا" العسكري قاعدة للتخزين والتّموين لخدمة العمل الجهادي في أفغانستان وكانت طائرة الشّحن الأمريكية العملاقة تهبط في هذا المطار كلّ مساء ويجري تحميلها بالأسلحة والذّخائر لكي تطير قبل منتصف الليل وتهبط قبل الفجر في المطارات العسكريّة الباكستانية... كما أنّ ميناء بورسعيد تحوّل إلى قاعدة خلفيّة للتخزين والشّحن إلى كراتشي. وكانت الشحنات من مصر بالدّرجة الأولى أسلحة وذخائر ومعدّات سوفياتية الصّنع أو سوفياتية النّوع ويقول جون كولي: إن مخازن العسكرية المصرّية كلّها أفرغت ما كان فيها من أسلحة بعضها ممّا كان مستخدمًا في الجيش المصري وجرى الاستغناء عنه وبعضها ما أنتجته المصانع العسكرية المصريّة وفيها مصنع في حلوان وهو الذي جرى تعديل بعض آلاته لكي ينتج رشاشات سوفياتيّة التصميم. وابتداءً من ربيع 1980 وبعده فصول متوالية إثر فصول كانت الحركة على الجسر الجوّي بين مطار قنا العسكري وبين مطار بيشاور العسكري، وبين بورسعيد وكاراتشى فيضًا يتدفّق ليلا ونهارًا دون توقّف...). وقد اندهش كثير من المراقبين يومها من هذا الموقف للرّئيس السادات في دعم الجهاد الأفغاني وأنا من هؤلاء، ولعلّ أشدّ النّاس اندهاشا من هذا السلوك للرئيس السّادات هم الأفغان أنفسهم. وينقل لنا الدّكتور أيمن صبري فرج في مذكّراته "ذكريات عربي أفغاني" – "أبو جعفر المصري القندهاري" – صور حبّ الأفغان للرّئيس السّادات فيقول: (... أمّا السادات فكنّا نجد صعوبة بالغة في نقل صورته الحقيقيّة للمجاهدين وذلك لعدّة أسباب أوّلاً: لأنّه طرد الرّوس من مصر وهو عمل عند الأفغان عظيم. ثانيا: لأنّه ثأر لهزيمة 67 وانتصر على اليهود في حرب رمضان أكتوبر 73. ثالثا: لأنّه أمدّ المجاهدين بكميّات هائلة من السّلاح والذّخائر وأيّدهم على المستوى الدّولي. رابعًا: لأنّهم يظنّونه حنفي المذهب ويعبرون ذلك هو سرّ مساعدته لهم، ولا أنسى أحد القادة وقد غضب لأنّي انتقصت من الشهيد السّادات (على حدّ قوله) الحنفي المذهب الذّي لولاه لكنّا ما نزال نقاتل بالحجارة والخناجر... والحقيقة أنّ السّادات قدّم للمجاهدين مساعدات عسكريّة قيّمة وفي أحرج الأوقات ولم ير المجاهدون "الهاون" ولا "الأربى جي" ولا "الجرنيوف" ولا الرّشاش الخفيف ولا صواريخ الصقر إلاّ عندما قدّمها لهم السّادات...). وقد أعلن الرّئيس السّادات في أوّل أفريل 1980 (وليست كذبة أفريل) وفي حديث صحفي نشرته كلّ وسائل الإعلام في مصر قرارا بالتدّخل السافر في أفغانستان نكاية في الاتّحاد السّوفياتي الذي كان يكنّ لها عداوة شديدة وشخصيّة. قال بالحرف: (... إنّنا على استعداد بأسرع ما يمكن لكي نساعد أفغانستان وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواءً طلبوا منّا المساعدة أم لم يطلبوها...). ولعلّ هذه الحدّة من طرف السّادات في دعم الجهاد الأفغاني وكان رجع صداها حدّة أقوى في السّعوديّة وباكستان، هي التي أخلطت أوراق السّاحة الإسلاميّة فيما بعد رغم أن قرار اغتيال السّادات قد اتخذ من طرف – تنظيم الجهاد (مجموعة محمد عبد السلام فرج) ولا يظهر تأثير دعم السّادات للجهاد الأفغاني إلاّ بعد 20 سنة من استشهاده عندما يصرّح أحد المخطّطين لقتله (كرم زهدي) أحد قيادات الجماعة الإسلامية "أنّ السّادات شهيد وقد قتل مظلوما، وأنا نادم على قتله" هذا الموقف الدّاعم للجهاد الأفغاني من طرف السّادات يحمل الكثير من الغموض وقد سمّى الأستاذ هيكل هذا النّوع من الخطاب بالخطاب المُرائي فقال:... والخطاب المُرائي وذلك نوع طارئٌ من الخطاب الدّيني يتحرّك سياسيّا بتوجيه غامض ويحمل في ظاهره وفي باطنه ما يريب لأنّ هدفه كما يتّضح من حركته تصفية ما تبقّى من الصّراع العربي الإسرائيلي نفسيّا ومعنويّا بمقولات من نوع حوار الأديان والدّم المشترك بين أبناء العمّ من نسل إبراهيم وغير ذلك من المقولات. والخطاب المرائي لم يشفع للسّادات، فقد قتل على يد تنظيم إسلامي، وأجد لكلام روبرت دريفوس في كتابه "لعبة الشيطان دور الولايات المتّحدة في نشأة التّطرف الإسلامي" درجة عالية من الصّدقية وهو يتحدّث عن علاقة السّادات بالجماعات الإسلاميّة حينما يتعرض في الفصل الحادي عشر للجهاد في وسط آسيا فيقول: (...ولم يكن السّادات على أيّ معرفة تذكر بخطورة اليمين الإسلامي وهو الذي استغل الإخوان المسلمين والموارد المالية في المصارف الإسلاميّة لتعزيز ودعم قبضته على السّلطة عندما أصبح رئيسا لمصر عام 1970، وخلال أيّام من الغزو السّوفياتي لأفغانستان تعاون السّادات بحماس مع أمريكا والسّعوديّة وباكستان لإرسال المجاهدين إلى بيشاور من أجل المشاركة في الحرب...). ونحن نتحدّث عن دور مصر وعندما ذكرنا ما هيّأه السّادات من مطارات ومرافئ لشحن الأسلحة السّوفياتية الصّنع أو السّوفياتية النّوع والمصنّعة في مصر وكيف كانت طائرات الشحن الأمريكية تهبط في مطار قنا العسكري لتنّقل الشّحنات إلى المطارات العسكرية الباكستانية، فهل معنى ذلك أنّ أمريكا اكتفت بإعطاء فتوى الجهاد دون أن تقدّم الدّعم المالي واللّوجستي في هذه الحرب المقدّسة. الجواب أنّ أمريكا شاركت في صندوق دعم الجهاد الذي كان يقوم بدفع ثمن الأسلحة كما أنّها لعبت دورًا كبيرًا في الدّعم بالأسلحة النّوعيّة (صواريخ ستينغر) وبالذّخائر، ورغم تكذيب الشيخ عبد الله عزّام لخبر الدّعم العسكري الأمريكي للجهاد الأفغاني، ففي خضّم الملحمة الأفغانية وأسهم الجهاد والشّهادة والمجاهدين والشهداء في أعلى الدّرجات وذلك في أواسط الثّمانينيات وقبل استشهاده - رحمه الله -، سُئل عن حقيقة المساعدات الأمريكية للمجاهدين الأفغان فأجاب: بقدر اطلاعي وأنا أظنّ أني مطلع، الذي أعلمه أن أمريكا لم تقدّم حتّى الآن قطعة من سلاح واحدة أمريكية والسّلاح الوحيد الذي قدّمته هذا العام لبعض الجبهات هو صاروخ ستينغر الذي أبدت فيه أجهزة الإعلام اليهوديّة وأعادت وطنطنت ورنت وملأت أسماع العالم، تريد أن تثبت للنّاس أنّ هذا الجهاد هو عبارة عن ربيبة أمريكية تربى في أحضان أمريكا وأنّها هي التّي رعته...). ويجمع الملاحظون العسكريّون أنّ صواريخ ستينغر هي التّي حسمت المعركة مع السّوفيات ورغم تكذيب عزّام - رحمه الله - لحقيقة الدّعم العسكري الأمريكي ورغم تهوين مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) لدور صواريخ ستينغر فإنّني أنقل ثلاثة آراء في الموضوع: رأي الأستاذ محمد حسنين هيكل ورأي ستيف كول ورأي الدكتور صبري أيمن فرج: وأبدأ برأي الأستاذ هيكل الذي يقول فيه ودائما في المرجع المذكور سابقًا:... ومن المفارقات أنّ السّلاح الأمريكي الوحيد الذي وصل إلى أيدي المجاهدين في أفغانستان هو الصّاروخ المتقدّم ضدّ الطّائرات من طراز ستينغر وقد باعت منه وزارة الدّفاع الأمريكية إلى صندوق دعم الجهاد الإسلامي في أفغانستان 900 صاروخ ثمّ راجت شائعات بأن مجموعة من هذه الصّواريخ وقعت في يد إيران أو على الأقل معروضة عليها للبيع وسارعت وكالة المخابرات المركزيّة تشتري من قادة الجهاد ما وصل إلى أيدي رجالهم من صواريخ ستينغر وكانت الوكالة الآن تطلب استعادة كلّ صاروخ منها ما يوازي 5 مرات سعر بيعه الأصلي وتمكنت الوكالة من استعادة 260 صاروخً وما بقي منها في ساحة الجهاد بعد ذلك جرى اعتباره مفقودًا مع تعهدّات من القادة بأنّه إذا ظهر من هذه الصّواريخ شيء فالاستعداد لشرائه وبالسّعر الأغلى مازال قائمًا، والظّاهر أنّ إيران كانت قد حصلت بالفعل على بضع عشرات من صواريخ ستينغر والرّاجح في أسواق السلاح أنّها قامت بتصنيع نموذج إيراني له دخل الخدمة العامّة في قوات الحرس الثّوري...). أمّا ستيف كول في كتابه "حروب الأشباح السجلّ الخفيّ ل "سيّ أي إيه" لأفغانستان ولبن لادن" فيقول مفنّدا الرّقم الذّي قدّمه الأستاذ هيكل: (... تمّ إدخال صاروخ ستينغر أوّلا إلى ساحات المعارك في أفغانستان من قبل "السّي أي إيه" العام 1986، كان صاروخًا محمولاً يطلق من الكتف أثبت جدواه وسهولة استخدامه، عمل نظام التّحكم فيه الأوتوماتيكي المتعقّب للحرارة بشكل غريب، استخدم المتمرّدون الأفغان المدعومون من السّي أي إيه الستينغر لإسقاط أعداد من الطوافات وطائرات النّقل السّوفياتية ما بين العامين 1986-1989 وقد أجبر هذا الصّاروخ الجنرالات السّوفيات على تغيير تكتيكات الهجوم الجوّي، فقد زرعت قدرته الرّعب في نفوس آلاف الطيّارين والجنود الرّوس وبعد مغادرة القوات الرّوسية خشيت "السي أي إيه" أن يتمّ شراء صواريخ الستينغر التي لم يتمّ استخدامها خلال المعارك مع السّوفيات من قبل مجموعات راديكالية أو حكومات معادية لأمريكا مثل إيران لاستخدامها ضدّ الطّائرات المدنيّة أو المقاتلة الأمريكية كانت السي أي إيه قد قدّمت ما بين 2000 و2500 صاروخ إلى المتمردين الأفغان خلال الحرب ...).