لم يحمل الاجتماع التحضيري لقمة الثلاثية المرتقب في 23 سبتمبر المقبل، أي جديد على صعيد إشراك النقابات المستقلة كشريك اجتماعي إلى جانب الاتحاد العام للعمال الجزائريين، برغم وعود الوزير الأول، عبد المجيد تبون، بفتح حوار مع شركائه السياسيين والاجتماعيين. وإن كان الشركاء السياسيين الحقيقيين (من المعارضة) قد عبروا عن رفضهم المشاركة في هذا الحوار، إلا أن الشركاء الاجتماعيين - وما أكثرهم من حيث العدد والفعالية - لا يزالون خارج اللعبة بقرار سياسي. وعليه فقد جاء اجتماع الأحد الماضي ليوجه مجموعة من الرسائل أولها استمرار الوضع على ما هو عليه على صعيد توسيع قاعدة الشركاء الاجتماعيين، فضلا عن رسالة أخرى تسعى على وقف الجدل الدائر حول ما أشيع عن وجود خلافات بين الحكومة من جهة، ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، وأمين عام المركزية النقابية، عبد المجيد سيدي السعيد. فما هي خلفيات الدعوة لاجتماع تحضيري للقاء الثلاثية في وقت كانت فيه العلاقة بين أطرافها متأزمة؟ وهل كان يمكن تأجيلها على بعد تفكيك ألغام هذه العلاقة؟ وغلى متى تبقى النقابات المستقلة مقصاة من اجتماعات الثلاثية؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها.
الحوار الاجتماعي لتبون وطيف النقابات المستقلة الغائب الكبير في اجتماع الثلاثية الأخير طوت الحكومة وشريكاها في الثلاثية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والباترونا) سوء تفاهم لم يدم طويلا، في الاجتماع المفاجئ الذي دعا إليه الوزير الأول، عبد المجيد تبون، قبل نحو شهرين من موعد انعقاد اجتماع الثلاثية. وكشفت التطورات التي أعقبت اجتماع 30 جويلية المنصرم، الذي ضم الحكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين، أن هذا الاجتماع لم يكن هدفه التحضير لموعد انعقاد الثلاثية فقط، بل شكل أيضا فرصة لتبديد الغيوم التي لبدت سماء العلاقة بين الحكومة من جهة، والاتحاد العام للعمال الجزائريين و"كبير الباترونا"، علي حداد. وإن لم تتسرب حيثيات وكواليس اجتماع قصر الحكومة بين تبون وشركائه، إلا أن جنازة رئيس الحكومة الأسبق، رضا مالك، التي كانت في نفس اليوم الذي انتظم فيه اللقاء التحضيري لاجتماع الثلاثية، كشفت ما لم يرشح من الاجتماع الرسمي. فالصور التي أريد لها أن تعمم على مختلف وسائل الإعلام بما فيها الإعلام العمومي، من مقبرة العالية في جنازة المرحوم رضا مالك، أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن زعيم المركزية النقابية ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، لا يزالان يتمتعان بالحماية على أعلى مستوى. ولعل ما يؤشر على هذا الاعتقاد، هو النتائج التي تمخض عنها الاجتماع الذي دعا إليه الوزير الأول، والتي لا تتعدى تحديد مكان وزمان انعقاد اجتماع الثلاثية (23 سبتمبر بغرداية)، فضلا عن مطالبة شركائه تحضير ملفات ومشاريع هذا الاجتماع، وهي أمور يمكن ضبطها من دون اجتماع بهذا المستوى، ما يعني أن الاجتماع التحضيري للثلاثية الذي جاء في ظرف ينطوي على الكثير من الخصوصية، سعى أيضا إلى توجيه رسالة للرأي العام، مفادها أن ما حصل مجرد زوبعة في فنجان، كما قال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس. وقد جاءت التصريحات التي صدرت عن الوزير الأول وعن الأمين العام للمركزية النقابية، لتؤكد أن الأمور لم تخرج عن سياقها في اجتماع قصر الدكتور سعدان، فتبون أثنى على الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واعتبره الشريك الاجتماعي الرئيس للحكومة، أما عبد المجيد سيدي السعيد الذي أكد أن محور ملفات اجتماع الثلاثية المقبلة تتمحور حول "تسريع مسار تحويل الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته"، وتعزيز العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي، الذي يستهدف تحسين مناخ الأعمال والمنظومة الصحية والحماية الاجتماعية وولوج عالم الشغل وتحسين القدرة الشرائية والأمن الطاقوي وملاءمة نظام التكوين مع احتياجات المؤسسة. أما على صعيد الثلاثية وما يحيط بها من رهانات، فأول رسالة حملها الاجتماع الأخير هي استمرار الوضع على ما هو عليه، بالرغم من أن بعض المتابعين قرأوا في دعوة الوزير الأول لحوار اجتماعي وسياسي حول توجهات حكومته خلال عرضه ومناقشته لمشروع مخطط حكومته، مؤشرا على انفتاح محتمل على بعض الشركاء الاجتماعيين من النقابات المستقلة، والتراجع عن قرار اعتبار الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الشريك الاجتماعي الوحيد. وبات واضحا من خلال اجتماع الأحد المنصرم، أن الحكومة وإن تغير رأسها ومهما كانت المشاريع التي يأتي بها أي وافد جديد على قصر الدكتور سعدان، إلا أن هناك خطوطا حمراء لا يتعداها مهما كان هامش المناورة المسموح به له، وخاصة فيما تعلق بالانفتاح على النقابات المستقلة، التي أصبحت تشكل وسيلة ضغط ثقيلة، كثيرا ما ساهمت في دفع الحكومة للتراجع عن قرارات اتخذتها، ومع ذلك تبقى خارج اللعبة بقرار سياسي.
الناطق باسم التكتل النقابي المستقل، قويدر يحياوي ل " الشروق": الحكومة اختارت من يناسبها في اجتماع الثلاثية لا يزال إبعاد النقابات المٌستقلة من حضور الثلاثية مستمرا، فإلى متى هذا الإقصاء؟ إقصاء النقابات المستقلة ليس بالأمر الجديد على الحكومة، فرغم المطالب المتكررة والمتجددة بإشراك التكتلات المستقلة في اجتماعات الثلاثية، وعلى رأسها التكتل النقابي، على اعتبار أن اجتماع الثلاثية يناقش قضايا اقتصادية واجتماعية تهمٌّ العمال مباشرة. كان من المفروض على الحكومة (وهي تعلم جيدا من يمثل حقيقة العمال في الميدان) أن تٌشرك النقابات المستقلة في اجتماع الثلاثية ولا تعمد إلى إقصائهم، ولكن الحكومة ويا للأسف تصر على إشراك من تراهم مناسبين لتمرير ملفاتها ومشاريعها وعدم معارضتها، والوقوف إلى جانبها ضد مصلحة العمال.
هل المشكلة "في النقابات المستقلة " أم في الأمر اعتبارات أخرى؟ أبدا لم يكن المشكل في النقابات المٌستقلة، والأخيرة كما يٌثبت الميدان فرضت نفسها، والحكومة تعي ذلك جيدا. لكن السلطة تتعمد إقصاءنا من أجل تمرير أجندتها ومٌقرّراتها الاقتصادية والاجتماعية دون عناء أو "تكْسَار الرّاس"، مثلما تقول العبارة الشائعة.
انقضى اجتماع الثلاثية في هدوء رغم الجدل الذي سبق موعد الأحد المنصرم.. ما تعليقكم؟ أنا أسميها " زوبعة في فنجان ".. والسياسات العامة للحكومات الجزائرية المتعاقبة، معروف عنها إثارتها كل مرة ملفا، من أجل إلهاء الرأي العام حول القضايا السياسية والمصيرية للبلاد، ولغرض تمرير خططها وملفاتها في هدوء وبعيدا عن أي ضجيج. وما تسميه الحكومة اجتماع الثلاثية، نراه نحن النقابات المستقلة "اجتماع الأحادية"، لأن الباترونا والاتحاد العام للعمال الجزائريين مٌصطفيْن دائما الى جانب الحكومة، والأطراف الثلاثة يمثلون في الحقيقة جهة واحدة، ولكن للسف على حساب العمال.
اختارت الحكومة منطقة غرداية لإجتماع الثلاثية المقبل، ما خلفيات ذلك؟ اختيار المكان أعتبره "لا حدث"، والأهم في الإجتماع ليس المكان أو الزمان، وإنما في تحقيق نتائج تخدم العقد الاقتصادي والاجتماعي، مهما كانت الولاية والمشاركين في الاجتماع.
العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الموقع عليه من قبل الثلاثية في 2014، يتضمن جملة من التدابير للنهوض بالاقتصاد الوطني، هل الامكانيات التي تتوفر عليها البلاد حاليا، قادرة على الوفاء بذلك؟ السٌّؤال يجيبنا عليه المختصون في الإقتصاد... والسؤال الذي يجب أن يٌطرح، الحكومة أبرمت عقدا اقتصاديا واجتماعيا، مع الباترونا وممثلي العمال، فهل هناك حقيقة اقتصاد في الجزائر حتى نسميه عقد اقتصادي؟ فدولتنا تعتمد على النفط بنسبة 95 بالمائة، في غياب اقتصاد حقيقي، اذن لا جدوى فعلية لهذا العقد الاجتماعي والاقتصادي، والذي هو في الحقيقة مجرد " مٌهدّئات " تستعملها الحكومة في انتظار ارتفاع أسعار البترول.
ما هي الملفات التي ستناقشها الثلاثية في اجتماع 23 سبتمبر المقبل؟ ليست لدينا إجابة على السؤال لأننا مٌغيّبون، والأجندة موجودة لدى الأمانة العامة للحكومة وممثلي العمال والباترونا. ولكن وبصفتنا نقابيين، نتمنى أن تٌناقش الثلاثية الأزمة المالية وانعكاساتها على المواطن عامة وعلى الموظف خاصة، مع محاولة إيجاد صيغة بديلة لملء الخزينة العمومية، بعيدا عن فرض الضرائب على جيب المواطن البسيط، وعدم ربط مصير الشعب الجزائري بالبترول، في وقت تزخر البلد بمقومات اقتصادية وفلاحية وسياحية متنوعة، وبقوة بشرية هائلة.. فما نحتاجه هو تفكير سليم في مستوى طموحات الشعب.
ما الذي تحقق من العقد الاقتصادي والاجتماعي وما الذي لم يتحقق خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره؟ كل سنة كنا نسمع بوجود عقد اقتصادي واجتماعي بين الحكومة والباترونا والعٌمّال يمتد ل 5 سنوات، ولكن على أرض الواقع، لم نقف على ما يجسد ذلك، لأن اقتصادنا لا يزال مرتبطا اساسا بمداخيل البترول، ومن ثم فالحديث عن عقد اقتصادي واجتماعي مجرد ترف سياسي لا غير. وعليه يحق لنا أن نتساءل عن مصير العقود المبرمة بين الثلاثية خلال السنوات الماضية، ونتائجها الفعلية على أرض الميدان.
رئيس الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل بوعلام مراكش: "توصيات الثلاثيات السابقة لم تتحقق.. وهذه أسباب اختيار غرداية" انقضى اجتماع الثلاثية في هدوء رغم الجدل الذي سبق موعد الأحد المنصرم.. ما تعليقكم؟ إذا كان السؤال يخص العلاقة بين الوزير الأول عبد المجيد تبون ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، فاللقاء التحضيري للثلاثية كان بعيدا كل البعد عن الجدل المطروح مؤخرا..، وإنما كان لتحضير مكان وزمان عقد لقاء الثلاثية، وهو ما تناولناه بالحديث والنقاش بقصر الحكومة وبحضور كافة أطراف العقد الاقتصادي الاجتماعي، وليس حكرا على طرف واحد، وهنا أعود لأنوه بأن هنالك قوانين تحكم البلاد، والقانون يطبق على الجميع، سواء كان حداد أو أنا شخصيا كرئيس للكنفدرالية الجزائرية أو أي رجل أعمال آخر، فإذا ألزم القانون أحدنا بعقوبات معينة أو تجاوزات تتعلق بمشاريعه، فهذا لا يعني خلافات في لقاء الثلاثية، إذ أن الأمرين مختلفان ومنفصلان تماما.
اختار المجتمعون منطقة غرداية لعقد الثلاثية المقبلة، ما خلفيات ذلك؟ اختيار ولاية غرداية لعقد لقاء الثلاثية المقبل، جاء بناء على خلفية اقتصادية وتنموية وبعيدا عن القراءات السياسية الأخرى، ومثلما لاحظتموه في الثلاثيات الماضية، لم تعد العاصمة المكان الوحيد لعقد لقاء الثلاثية بمبنى جنان الميثاق بالأبيار، مثلما كان سائدا قبل سنوات، فثلاثية 2015 عقدت ببسكرة وبعدها ثلاثية جوان 2016 بالجزائر العاصمة، ثم ثلاثية مارس 2017 في ولاية عنابة، وتم اختيار بالتشاور بين الوزير الأول والشركاء الاجتماعيين ولاية غرداية، حيث اقترح الحاضرون ولايات مختلفة، إلا أن الاختيار النهائي كان ولاية غرداية نظرا لأهمية الصحراء في التنمية الاقتصادية في المرحلة المقبلة، وكذا بحكم أنها بوابة الجنوب، وتتوفر على عدد من الهياكل القادرة على استقبال المشاركين في الاجتماع.
يتضمن العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الموقع عليه من قبل الثلاثية في 2014، جملة من التدابير للنهوض بالاقتصاد الوطني، هل الإمكانيات التي تتوفر عليها البلاد حاليا، قادرة على الوفاء بذلك؟ الإمكانيات لا تتعلق بالجانب المالي والمادي فقط مثل ما يعتقده الكثيرون، وإنما مرتبط بالثروات المنجمية والطاقوية والسياحية والبشرية التي تتوفر عليها الجزائر، فحتى إن تراجعت مداخيل النفط واحتياطي الصرف، فهنالك موارد أخرى عدة يجب أن تكون هي القوة المخزنة لتحقيق الأهداف المسطرة خلال المرحلة المقبلة، وأهم شيء يجب أن يدركه الجميع هو أن الحل السحري لمواجهة العراقيل التي قد تواجه تطبيق فحوى القرارات المتضمنة في لقاءات الثلاثية أو غيرها من الاجتماعات، هو العمل وهو ما يجب التركيز عليه مستقبلا.
ما هي الملفات التي ستناقشها الثلاثية في اجتماع 23 سبتمبر المقبل؟ هنا يجب القول أن اجتماع الأحد المنصرم لم يكن لتحديد برنامج عمل الثلاثية والملفات التي سيتم مناقشتها، وإنما كان لتحديد الزمان والمكان الذي ستعقد فيه، وأبلغكم أن الوزير الأول عبد المجيد تبون سيلتقينا بما في ذلك حداد وسيدي السعيد قبل موعد 23 سبتمبر 2017 لتحديد برنامج العمل، وهذا بعد جمع المقترحات التي سنقدمها شهر أوت الجاري كأقصى حد، وأبلغكم أيضا بأن الوزير الأول تحدث عن برنامج لعقد عدة ثلاثيات سنويا، وبكامل ولايات الوطن وليس مجرد ثلاثية واحدة بالعاصمة، والثلاثية المقبلة ستكون غرب البلاد على الأرجح، وذلك بعد عقد ثلاثية بعنابة أي الشرق وأخرى بغرداية أي الجنوب وثلاثية العاصمة.
ما الذي تحقق من العقد الاقتصادي والاجتماعي وما الذي لم يتحقق خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره؟ بدل إثارة نقاش عقيم حول ما تم تحقيقه من قرارات الثلاثيات الماضية وما لم يتحقق، يجب النظر للمستقبل، والعمل بجد واجتهاد لمواجهة كل ما لم يتحقق، يجب أن لا تكون نظرتنا سلبية للأمور فالثلاثيات الماضية رفعت الأجور وأعادت القروض الاستهلاكية وعالجت عددا من الملفات متعلقة بالبنوك والأمور الاقتصادية والاجتماعية، وبالرغم من وجود نقاط لم تتحقق وبقيت مجرد حبر على ورق، لكن يجب العمل وبذل الكثير من الجهود لمجابهة المرحلة المقبلة.