الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق صنع الحدث هذا الأسبوع بالنظر إلى ما سيترتب عنه من تداعيات خطيرة على مستقبل العراق والمنطقة، وربما حتى على السلم العالمي، مع أن نتائجه غير ملزمة لحكومة الإقليم، وقد نُفذ خارج أحكام الدستور العراقي، ووجود منع من المحكمة الفدرالية العليا، ومعارضة دولية واسعة باستثناء تأييد من الكيان الصهيوني الذي رُفعت أعلامُه بكثافة يوم الاستفتاء. الإقبال الشعبي الكبير على المشاركة لا يدع مجالا للمضاربة على نتيجة الاستفتاء لأن النخب الكردية تشتغل على تهيئة الرأي العام الكردي منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وتكريسه لمبدأ التقسيم الذي عززه دستور بريمر بدسترة تقسيم عرقي طائفي ومذهبي غذته حماقات النخب العراقية الوافدة على ظهر الدبابة. العراق ليس وحده من يخشى انفصال الإقليم الذي له امتدادات عرقية قومية في سورية وتركية وإيران، ويهدد الدول الثلاث بفتح باب المطالبة بالاستقلال لفسيفساء الأقليات العرقية والطائفية الذي سوف يفجِّر كامل إقليم الشرق الأوسط، ويقود إلى انقلاب هائل في التحالفات، قد بدأت بوادره تظهر في الجفاء المتنامي بين تركية والولاياتالمتحدة واقتراب تركية من المحور الروسي الإيراني. والأسف الذي أبدته الإدارة الأمريكية حيال تسرع الأكراد في تنظيم الاستفتاء تبرره مخاوف حقيقية من أن ينسف الاستفتاء جملة من الترتيبات التي زرعتها الإدارات الأمريكية في العراق وفي المنطقة، ومنها الخوف من ارتماء حكومة بغداد بالكامل في أحضان إيران، وقيام تحالف تركي إيراني روسي من شأنه أن يضعف الموقف التفاوضي للولايات المتحدة في تقرير مستقبل سورية والعراق، وقد يخرِّب الحرب الكاذبة على الإرهاب ويُنهي التحالف حول محاربة تنظيم "داعش". وحتى مع توقع تراجع النخب التركية عن تنفيذ نتائج الاستحقاق بحكم أنه غير ملزم وأنه إنما نُظم من أجل امتلاك ورقة ابتزاز تجاه حكومة بغداد في الملفات العالقة حول المناطق المتنازَع عليها مثل كركوك، فإن بقية دول الإقليم المعنية بتهديد قيام دولة كردية لها من الشواهد ما يكفي لقراءة المخطط الأمريكي القائم على بناء كيان كردي مُوالٍ يمكِّنها من التحكم في أمن واستقرار سورية وتركية وإيرانوالعراق، قد يكون البديل للدور الذي لعبه الكيان الصهيوني منذ سبعين سنة خلت. التحليل الموضوعي لتبعات هذا الخيار الأحمق للنخب الكردية يفضي إلى أن المستفيد الأول منه عاجلا أم آجلا هو روسيا التي سوف يعزز موقعها المكتسب في سورية بتقارب يزداد حميمية يوما بعد يوم مع الأتراك، سوف يغيِّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط إذا ما تواصل الجفاء بين تركية والولاياتوالمتحدة، وانتهى بخروج تركية من حلف النيتو وهي التي يعدّ جيشها ثاني جيش في الحلف بعد الولاياتالمتحدة. على المستوى العربي، لن يضيف انفصال إقليم كردستان شيئا إلى المأساة العربية ولم يلتفت أحد لا في كردستان ولا في الإقليم إلى مواقف ومشاعر الدول والشعوب العربية وهي ترى قيام ثالث كيان هجين بعد الكيان الصهيوني وجنوب السودان، وتحويل أكثر من دولة عربية إلى دول فاشلة في ليبيا والصومال واليمن، وانشغال دول الخليج في إدارة أزمة عائلية صنعوها بأيديهم، فضلا عن قرب حصول انشطار ضخم في مصر، وما يجري من تحرُّش بأمن واستقرار الجزائر والمغرب المهدّد ب"أستنة" قادمة في إقليمه الشمالي.