ما قالته المحامية فاطمة بن براهم بخصوص تورّط الوزيرة السابقة خليدة تومي في عرقلة استرجاع جماجم الشهداء من فرنسا، يعدّ تقزيما للحقيقة وتوجيها غير سليم للرأي العام الوطني. خليدة تومي أو مسعودي، مثلما كانت تسمّى قبل تطليق المعارضة والارتماء في أحضان السلطة، ليست بتلك القوة وذلك النفوذ الذي تعرقل معهما مشروعا تاريخيا مثل هذا، وأمرُ اتهامها بشكل مباشر يشبه الاعتقاد تماما أن وزيرة التربية الحالية بن غبريط رمعون هي من تقف وحدها وراء قرارات التدريس بالعامِّية وحذف البسملة أو التخلي عن التربية الإسلامية! قبل أيام قليلة، قال وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني إنه يتمنّى أن تنفّذ فرنسا وعدها بإعادة جماجم الشهداء وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء، وتمكين الجزائريين من أرشيفهم، برغم أن الوزير زيتوني الذي يُعدّ أول وزير للمجاهدين يزور فرنسا بصفته السياسية، كان بوسعه لو بحث ودقق في تصريحات ومواقف بعض رجال السلطة، وأبرزها موقف الوزير الأول حاليا، إدراكُ وجود رفض رسمي لاسترجاع تلك الجماجم أو إطلاق سراحها! عدد كبير من المسؤولين يعتقدون أن بقاء الجماجم في متحف فرنسي "سيكون شاهدا على ما اقترفه الاستعمار من جرائم بشعة ضد الجزائريين"، وهو مبرِّر لا يستقيم ولا يستند إلى منطق؛ فجرائم المستعمر معروفة، ومسألة استرجاع الجماجم، تُعدّ مسألة رمزية وسيادية وتاريخية وأخلاقية. ثانيا: هل يصدّق الوزير زيتوني "المنتمي للأرندي" أن الجزائر الرسمية تريد فعلا استرجاع الأرشيف الوطني؟ علما أن مسؤولا كبيرا قال في يوم من الأيام، إنه لو تم استرجاع رُبع ذلك الأرشيف فقط لتغيَّرت الكثير من الحقائق والمسلّمات عند الجزائريين بمختلف أجيالهم! فرنسا أيضا، سواء في عهد ماكرون أو غيره، تراهن على جيل جديد من الجزائريين غير مرتبط بتاريخه، وغير مهتمٍّ باسترجاع أرشيفه، جيل يغسل يديه من الذاكرة ولا يبعثها سوى عبر احتفالات مناسباتية بائسة وجافة، لا روح فيها ولا حساب، وقد قالها الوزير برنار كوشنير صراحة يوما حين أكد بأن الجيل الذي يحكم الجزائر حاليا سيرحل ويُعوّضه آخر أكثر انفتاحا على المستعمِر القديم! لذلك تعمل نورية بن غبريط بجهد كبير على مستوى المنظومة التربوية ولا تجد مانعا من التصريح أن فرنسا تشرف على تلك "الإصلاحات"، وعلى هذا الأساس، تصرّفت خليدة تومي قبل فترة حين عرقلت عملية استرجاع الجماجم، ووفقا لهذا المنطق، قلّت حماسة وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني حين استبدل كلمة "نطالب فرنسا"، بخطاب "نتمنى على فرنسا" وبين المطالبة والتمني فرقٌ كبير وشاسع لو تعلمون!