كشفت التصريحات التي أدلى بها رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، عن حاجة الهيئة إلى صلاحيات جديدة تعزز دورها في تسليط قدر من الشفافية والنزاهة على العملية الانتخابية، وهو موقف يعزز مطالب المعارضة بإعادة النظر في الدور الممنوح لهذه الهيئة. ومما قاله دربال في الحوار الذي خص به "الشروق"، إن حدود نشاط الهيئة التي يرأسها، لا تضمن عدم تعرض المترشحين ل "الظلم" على مستوى وزارة الداخلية أثناء دراسة القوائم، وطالب بإمكانية أن تلعب الهيئة دورا في دراسة ملفات المترشحين، قبل إحالتها على القضاء الإداري في حالة حدوث نزاع بين المترشح والإدارة. ويشرح الدستور حدود صلاحيات الهيئة في مادته ال 194 على: "تسهر اللجنة (الهيئة) العليا على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وكذا الاستفتاء ونزاهتها، منذ استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للاقتراع.. الإشراف على عمليات مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية "، وهو أمر بدأ العمل به في الانتخابات التشريعية الأخيرة، على اعتبار أنها أول انتخابات تمت تحت وصاية هذه الهيئة. كما تخول المادة ذاتها للهيئة "صياغة التوصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية"، وهو إجراء أنجزه رئيسها عبد الوهاب دربال، من خلال التقرير الذي سلمه لرئيس الجمهورية عقب التشريعيات الأخيرة، وإن كانت تفاصيله لا تزال غامضة، لأن التقرير أحيط بسرية تامة، فقد سلم من دربال شخصيا إلى الرئيس بوتفليقة ومن دون وساطات. ولا يستبعد أن يكون بعض ما أفصح عنه دربال جزءا من التوصيات التي رفعها لرئيس الجمهورية في التقرير التقييمي للانتخابات التشريعية، وهي دعوة صريحة لكي تُوَسّع صلاحيات الهيئة التي يرأسها، بما يتماشى ونص المادة الدستورية المستحدثة للهيئة. فالدستور يتحدث عن مدة عمل الهيئة ويحصرها في الفترة الفاصلة بين استدعاء الهيئة الناخبة وإعلان النتائج المؤقتة للاقتراع، غير أن جزءا مهما وحاسما من هذه الفترة لا يمكن للهيئة أن تتدخل فيه، وهو معالجة الملفات على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية. وإن كان تدخل مصالح دربال في تطهير ومراجعة الهيئة الناخبة مكرس دستوريا وعلى أرض الواقع، إلا أن تدخلها في دراسة ملفات المترشحين بعد إيداعها على مستوى وزارة الداخلية (قبل إحالة الملفات على العدالة) يبقى غير قائم رغم دستوريته، وإن لم يشر المشرّع إلى ذلك صراحة. مراجعة صلاحيات الهيئة تبدو ضرورة ملحة بحسب دربال، لا سيما وأن التراشق الإعلامي بلغ مداه بين الأحزاب التي خسرت بعض مرشحيها من جهة، ووزارة الداخلية من جهة أخرى، بحجج "غير مقنعة"، كما تقول المعارضة، مثل مبرر "خطر على النظام العام". لذلك يمكن القول إن أفضل ما يجب فعله قبل موعد 23 نوفمبر المقبل، هو سحب إحدى الأوراق التي تلعب عليها المعارضة في مثل هذه المواعيد وهي ورقة الشفافية، وهذا لن يتم إلا عبر تجسيد المطالب التي رفعها دربال للرئيس بوتفليقة في تقريره الأخير، منفذٌ يبدو أنه لا مفر منه حتى لا يسمع الجزائريون اتهامات بحصول تزوير، كما جرت العادة.