عندما يصبح استدعاء السفراء أمرا اعتياديا في العلاقات الجزائرية المغربية، فهذا يعني أن هذه العلاقات وصلت درجة من السوء أصبح من الصعب تداركها. فالجزائروالرباط استعملتا كل الإجراءات المرادفة للأزمات في العلاقات بينهما، من فرض التأشيرات وغلق الحدود، إلى استدعاء السفراء للتشاور أو لتبليغ الاحتجاجات، وقبل ذلك استعمال آخر أدوات الدبلوماسية وهي الحرب (1963 و1976)، كما يقول علماء العلاقات الدولية.. أما الحالة التي لم يصل إليها الطرفان بعد، فهي قطع العلاقات الدبلوماسية. فطبيعة العلاقات بقيت كما هي رغم توالي السنين، وتغير الرؤساء والملوك. فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ ولماذا لم يتمكن الطرفان من تجاوز خلافاتهما رغم قدمها (أكثر من نصف قرن)؟ ومن المستفيد من وضع كهذا؟ وما ذا يجب فعله كي يتجاوز البلدان حالة الجفاء التي خيمت على علاقاتهما؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
العلاقات الدبلوماسية وصلت إلى مرحلة ميؤوس منها "كلمة السر" في عداوة المخزن للجزائر عبارات الود والمجاملات التي كثيرا ما يتبادلها الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي، محمد السادس، في الأعياد والمناسبات، لا تعكس واقع العلاقات الثنائية، التي لم تشهد استقرارا في مرحلة ما، إلا وأعقبتها عاصفة مدوية. وإن كانت التصريحات النارية التي أطلقها وزير الشؤون الخارجية، عبد القادر مساهل، تجاه الجارة الغربية، والتي وضعتها في حرج كبير أمام المجموعة الدولية وبالخصوص في القارة الإفريقية، إلا أنها تعتبر محطة بارزة في سماء العلاقات الملبدة بالغيوم بين الجزائروالرباط. فاتهام مساهل نظام المخزن بتبييض أموال الحشيش المنقولة عبر طائرات الخطوط الملكية، وتوظيفها في الاستثمار بالقارة الإفريقية، أضرت كثيرا بسمعة المخزن العائد لتوه إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وهو ما يفسر حجم رد الفعل المنفعل في الجارة الغربية، الذي سقطت دوائره الدبلوماسية والإعلامية في مستنقع الشتم والقذف العقيمين. وعندما يصل تبادل الاتهامات إلى هذا المستوى من الانحطاط، فهذا يعني أن العلاقات بين البلدين فقدت هيبتها وأصبحت مستباحة، كما أن ترميمها أصبح من الصعوبة بمكان، وهذا يعني أيضا أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من المرض بات علاجه ميؤوسا منه. فالتمثيل بالسفارة الجزائرية بالمغرب مقلص إلى أدنى مستوياته (قائم بأعمال فقط) منذ نوفمبر 2013 بسبب تدنيس العلم الوطني من طرف مغامرين مغاربة بالدار البيضاء، وإن حافظت المغرب على سفيرها بالجزائر، إلا أنه كثير التنقل بين الجزائروالرباط، بسبب كثرة الاستدعاءات التي اعتادت الخارجية المغربية توجيهها له للتشاور، كلما ارتفع الضغط بين البلدين، أما الحدود البرية فلا تزال مغلقة منذ العام 1994. ولعل ما أدى بالعلاقات الثنائية إلى هذا المستوى من الانحطاط، هو تكرار مثل هذه الحوادث التي عادة ما يرافقها رغبة لدى الطرفين في عدم تصفية الأجواء وذلك بالمبادرة إلى حل المشاكل العالقة، التي تجاوز عمر بعضها الخمسين سنة. ولقراءة خلفيات الوضعية التي آلت إليها العلاقات الثنائية، يمكن الوقوف عند بعض المحطات المؤلمة، التي تركت جرحا غائرا في هذه العلاقة، ولعل أولها وأخطرها على الإطلاق، كان هجوم الجيش المغربي على الحدود الغربية للجزائر غداة الاستقلال (1963)، فيما عرف بحرب الرمال الأولى، وهي الحادثة التي أثرت كثيرا في الطرف الجزائري الذي اعتبر ذلك العدوان "طعنة في الظهر"، و"خسّة"، لأن قيادة المخزن حينها استغلت خروج الجزائر مثقلة بدماء الحرب التحريرية مع أعتى قوة استعمارية في ذلك الوقت، أملا في تحقيق اختراق في الأراضي الجزائرية بغية ضمها بحجة أنها جزء من التراب المغربي. وإن كانت الكثير من نقاط الخلاف يمكن تجاوزها بتبني الحوار أسلوبا، مثل غلق الحدود البرية التي أضرت كثيرا بالطرف المغربي، إلا أن استغلال الظروف الصعبة التي كان يعيشها الجزائريون عقب الاستقلال لتحقيق أغراض توسعية، أمر يصعب هضمه من قبل الجزائريين. ومن عمق هذا الشعور جاء دعم الجزائر الثابت والمبدئي للقضية الصحراوية، كونها تلتقي مع معاناة الجزائريين المتضررين من مآسي الاستعمار، وهو الأمر الذي قض مضاجع نظام المخزن، لأن دور الجزائر في الدفاع عن القضية الصحراوية، أوصل هذه الأخيرة إلى نقاط لم يعد معها الرجوع ممكنا، فجبهة البوليزاريو متواجدة اليوم في كل المحافل الدولية، وصوتها بات مسموعا لدى الهيئات الأممية، وقد خرج ملفها من بين أيدي الرباط وهو موجود على طاولة أي مسؤول أممي. ويمكن القول إن الموقف الجزائري من القضية الصحراوية، هو كلمة السر أو "شيفرة" المواقف المغربية الثابتة والمبدئية في معاداة الجزائر، لكن المثل العربي السائر يقول "الشر بالشر والبادئ أظلم"..
العميل السابق للاستخبارات المغربية فريد بوكاس ل"الشروق": "كبار أباطرة المخدرات يتواجدون داخل قصر تواركة الملكي" يؤكد الناشط السياسي والعميل السابق للاستخبارات المغربية، فريد بوكاس، ارتباط الملك محمد السادس بتجار المخدرات، وأوضح بوكاس في هذا الحوار المقتضب مع "الشروق"، أن تورط مدير أمن القصور الملكية والتشريفات والأوسمة السابق، عبد العزيز إيز، والجنرال المدير العام لDGST أو ما يعرف بالمخابرات المدنية، حميدو العنيكري، في قضايا المخدرات، يؤكد علم الملك بما تفعله حاشيته، أما تصريحات وزير الخارجية، عبد القادر مساهل الأخيرة فذكر أنها كانت "قوية للغاية".
ما الأثر الذي خلفته تصريحات وزير الخارجية عبد القادر مساهل، والتي تحدث فيها صراحة على تبييض البنوك المغربية لعائدات الاتجار بالحشيش ونقل الجوية الملكية للمخدرات؟ إن تصريحات مساهل الأخيرة تحمل بعض الحقائق التي تورط النظام المغربي في تهريب المخدرات على الصعيد الدولي، ومن شأن هذه التصريحات أن تخلف آثارا جد قوية على النظام المخزني، ولعل ما يزكي ذلك هو استدعاء السفير المغربي بالعاصمة الجزائر من طرف النظام المغربي، وكذا استدعاء القائم بأعمال السفارة الجزائريةبالرباط للاحتجاج ضد الجارة الشقيقة. كما كان يجب على الجانب المغربي أن لا يستغل الإعلام من أجل الترويج للعداء ضد الجزائر، فمهما كانت الخلافات بين العاصمتين، إلا أن الشعبين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، لأنهما شعب واحد ودم واحد ومصير مشترك واحد.
التقارير الدولية، ومنها تقرير الأممالمتحدة حول الاتجار بالمخدرات، والتقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول الاتجار بالمخدرات، والتقرير الصادر عن الهيئة الأوروبية لمكافحة الاتجار بالمخدرات، كلها تؤكد أن المغرب أكبر منتج للقنب الهندي في العالم، لماذا كل هذه الهجمة على الجزائر والصمت على الإدانات الدولية؟ في شق التقارير الدولية، فالعالم كله يعلم أن المغرب ثاني بلد مصدر للحشيش وخصوصا تقرير وزارة الخارجية الأمريكية التي تبني معلوماتها على تقارير استخباراتية، حيث جاء في تقريرها لشهر مارس الماضي أن عائدات المغرب من الحشيش تقدر بنحو 23 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل 23 بالمائة من الناتج الخام المغربي.
برأيكم، ما صحة المؤشرات التي استند إليها الوزير عبد القادر مساهل، في اتهامه للمغرب، وحديثه عن استغلال الجوية الملكية في عمليات تهرب "الحشيش"، وأي ارتباط للملك محمد السادس بتجارة المخدرات؟ لا أعتقد أن تصريحات مساهل جاءت من لاشيء، وخصوصا أنه يمثل طرفا أجنبيا، لأن تبييض عائدات المخدرات معروفة لدى الصغير قبل الكبير. أما فيما يتعلق باستخدام الطيران المدني، فليس من المستبعد حدوث ذلك، لكن على حد علمي الأطنان التي يتم تهريبها تتم عن طريق البحر، ولا ننكر أن هناك تهريبا عرف تصاعدا كبيرا عن طريق مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء. وبخصوص ارتباط الملك محمد السادس بتجارة المخدرات، فهناك الكثير من الأدلة التي يمكن أن تؤدي إلى إثبات تورط القصر الملكي، وخصوصا بعد ما تم فضح قضية مدير أمن القصور الملكية والتشريفات والأوسمة السابق عبد العزيز إيزو، الذي حوكم آنذاك وأدين بسنتين سجنا، وهي القضية ذاتها التي تورط الجنرال حميدو العنيكري الذي تقلد على التوالي منصب المدير العام لDGST المخابرات المدنية، وبعدها منصب المدير العام للأمن الوطني. لذلك، فلا أعتقد أن جنرالا تقلد مثل هذين المنصبين الحساسين تورط في الاتجار في المخدرات دون علم من الملك، ما يعني أن الأباطرة الكبار هم داخل قصر تواركة.
الخبير في العلاقات الدولية والدبلوماسية فريد بن يحيى ل"الشروق": بريطانيا وإسبانيا سبقا اتهام الجزائر للمغرب بترويج المخدرات يؤكد الخبير في العلاقات الدولية والدبلوماسية، الدكتور فريد بن يحيى، أن للمغرب سياسات عدائية تشكل خطرا على الجزائر والمنطقة، ويؤكد المعني أن إنتاج المغرب للقنب الهندي محل حماية من أطراف دولية، ووصف بن يحيى المغرب بأنه شركة مناولة لدول أجنبية.
ما يعرف عن الدبلوماسية الجزائرية أنها هادئة، ما الذي دفع الوزير مساهل إلى إطلاق تلك التصريحات النارية ضد المغرب؟ وجب التأكيد أن ما تحدث به عبد القادر مساهل حقيقة، لكن في الأعراف الدبلوماسية يجب ألا يتم الحديث في الموضوع بتلك الصراحة، وإن قدرنا أن مساهل قد أخطأ، لكن الذي حصل لم يكن بالخطأ الكبير، ونتذكر أن بريطانيا لما حاول المغرب الاعتراف بسيادة إسبانيا على جبل طارق، ردت عليه واتهمته أنه دولة مخدرات، ولم يرد الحسن الثاني حينها، نفس الشيء لما أراد المغرب السيطرة على جزر واقعة تحت السيادة الإسبانية حركت إسبانيا جيشها ووجهت له نفس الاتهامات، ولم يرد على مدريد. لكن لما تحدثت الجزائر عن هذه المسألة ووجهت بحملة مغربية شرسة، ويظهر أن الهدف ليس مساهل بل الجزائر لأنها "حجرة في السباط"، كما نقول بالعامية، متوهمين أنها تعطل وتخلق لهم مشاكل، وخاصة استمرار احتلالهم الصحراء الغربية، لكن كل العالم يعي أن المغرب دولة تتاجر في المخدرات، ونذكر في هذا المقام تقرير الأممالمتحدة الذي أكد أن عائدات المغرب من الحشيش تزيد عن 20 مليار دولار.
هل كان مساهل ملزما بالحديث بتلك النبرة؟ لنعد بالذاكرة إلى الوراء، على الأقل قبل تصريحات مساهل، كل المسؤولين المغاربة يتهجمون على الجزائر، وعلى العكس لم نسمع تصريحات لمسؤول جزائري يعادي المغرب، بالمقابل هنالك تهجم دائم على الجزائر وعلى مؤسسات الدولة وعلى الجيش، مع التأكيد أننا نكن كل الاحترام والتقدير للشعب المغربي.
أعلن أحمد أويحيى - تحدث كأمين عام للأرندي- دعما لتصريحات مساهل في حق المغرب، هل يعكس هذا الموقف من أويحيى وهو وزير أول تضامنا حكوميا، خاصة أن قراءات رجحت أن تصريحات مساهل تمت خارج توجهات الدولة الجزائرية؟ من الطبيعي أن يعلن الوزير الأول ولو تحدث من موقع حزبي، تضمانه ودعمه لتصريحات مساهل، لكن وجب الإشارة إلى نقطة تتعلق بالحضور المغربي في الخارج وحضورنا كذلك، علي القول إن عددا من سفاراتنا وحتى وزارة الخارجية، لا تقوم بدورها على أحسن ما يكون، وكما نلاحظ أن المغرب تحرك دبلوماسيا أكثر من الجزائر، العيب في الدبلوماسية الجزائرية، نقول هذا الأمر، لأن هنالك مسائل يجب أن نكون موضوعيين عند الحكم عليها من دون شوفينية. لا يجب حصر المسألة مع المغرب في ملف المخدرات فقط، فالمغاربة على سبيل المثال وبعد إعلان تشكيل اتحاد المغرب العربي، أمضت الجزائر على 47 اتفاقية وموريتانيا وتونس على 35 اتفاقية، لكن المغرب لم يوقع سوى على 6 اتفاقيات، وهنا نتساءل عمن يعرقل سير فضاء المغرب العربي، ولماذا المغرب لم يرسم حدوده إلى اليوم؟ هذا سؤال يُطرح، والإجابة عنه جد بسيطة المغرب له أطماع توسعية وليس في الصحراء الغربية فقط، السياسة المغربية تشكل خطرا على المنطقة والجزائر متفطنة لهذه المناورات، كما أن المغرب بمثابة شركة مناولة لبعض الدول في المنطقة.
بعد تصريحات مساهل، هل سيكون المغرب محل مراقبة أكثر من طرف الهيئات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات؟ الأممالمتحدة أجرت إحصائيات وتشخيصا لوضعية انتشار المخدرات، لكنها لم تتخذ إجراءات ردعية، نتذكر أن أمريكا أرسلت عناصر من المارينز لمطاردة اسكوبار، إلا أن المغرب يحوز حماية من بعض الأطراف، ما يجعل الاتجار في المخدرات مستمرا ويزداد