المهاتما غاندي زعيم الهند الكبير، ذو تكوين قانوني، وقد ناضل في سبيل بلده وقومه، وكان نضاله سلميا، فلم يدع إلى الكفاح المسلح، ولم يستعمله، وإذا نجح هذا الأسلوب مع الإنجليز فإنه غير صالح مع الفرنسيين، الذين لا ينجح معهم إلا القوة، وغاندي في آراء كثير من المفكرين هو أولى بجائزة نوبل للسلام من بعض من منحت لهم كالمجرم بيريز، زعيم الكيان الصهيوني وألبير كامو، هو أديب فرنسي شهير، وصحافي كبير رغم تكوينه الفلسفي، وقد اعتبر أهلا لجائزة نوبل في الآداب فمنحت له. يشترك الرجلان في النشاط السياسي، وكان هم كل واحد منهما هو تحرير بلده، الأول من الاستعمار الإنجليزي، الذي طال وجوده في الهند عدة قرون، وثانيهما من الاحتلال (*) الألماني الذي استمر سنوات قليلة.. فكان يفترض فيهما الإيمان بالكرامة الإنسانية، وبالعدالة المطلقة، وعدم التمييز بين البشر.. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الأول، فإنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى الثاني.. سئل المهاتما غاندي: "أنت تحب الهند حب الابن لأبيه، ولكنك تحب الحق كذلك، فإذا خيّرت بينهما فأيهما تختار؟". أطرق غاندي بضع لحظات، ثم قال في لهجة صارمة: "في رأيي أن الهند والحق مترادفان، ولكن إذا كان عليّ أن أقوم بالاختيار بينهما فإنني أكون إلى جانب الحق". (مجلة العربي ع 151. جوان 1971. ص162). ولا أعلم موقف غاندي من مسألة كشمير، فقد اغتيل في سنة 1948. يفرق الأستاذ بن نبي بين الاستعمار والاحتلال، فالاستعمار - خاصة الفرنسي - أبشع، وأقطع، وأشنع. وسئل ألبير كامو، بعد نيله جائزة نوبل للآداب، عما يجري في الجزائر من تقتيل جماعي، وتعذيب، وتشريد، فكان جوابه أشبه بمذهب العرب في الجاهلية، القائل: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، حيث قال: "أنا أؤمن بالعدالة، ولكن يجب عليّ أن أحمي أمي قبل العدالة". (أحمد طالب الإبراهيمي: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية. ص243). وتناسى هذا "النوبلي" أن "العدالة لا تتجزأ"، وأن حماية العدالة هي حماية لأمه ولأمهات الآخرين، من أجل ذلك وصفته الكاتبة الفرنسية سيمون دوبو فوار بأنه "العادل بلا عدالة"، ورحم الله الإمام عبد الحميد بن باديس، الذي قال له إنك تدعو إلى قيام دولة جزائرية، فأكد ذلك، وقال عن تلك النهضة التي كان يتصورها ويدعو إليها، ويسعى لتحقيقها: "إنها لنهضة لا يخشاها النصراني لنصرانيته، ولا اليهودي ليهوديته، بل ولا المجوسي لمجوسيته، ولكن والله يجب أن يخشاها الظالم لظلمه..." وهنيئا لشعبنا بذكرى ثورته العظيمة وجهاده المجيد، من أجل الحرية والعدالة التي ما زال يبحث عنها.