المجاهد، عيسى بوضياف شقيق الرئيس الراحل محمد بوضياف بوضياف لم يكن مدخنا لأنه كان مريضا بالسل كما لم يكن عصبيا ردا على ما رآها مغالطات تاريخية وردت فيلم "مصطفى بن بولعيد"، الذي أخرجه، أحمد راشدي، حول التحضير لثورة الفاتح من نوفمبر 1954، أصدر المجاهد، عيسى بوضياف، شقيق الرئيس الراحل، محمد بوضياف، قبل أيام، كتابا غاية في الأهمية تحت عنوان "التحضير لأول نوفمبر"، وهو عبارة عن شهادة كتبها سي الطيب الوطني سنة 1974 يروي فيها قصة التحضيرات الأولى التي سبقت الإعلان عن اندلاع ثورة التحرير المجيدة. يقول عمي عيسى، الذي زار "الشروق" وهو يتأبط نسخا من هذا الكتاب، الذي نشر تحت إشرافه عن دار الخليل القاسمي للنشر والتوزيع، بأنه قدم في العمل ما كتبه شقيقه الرئيس الراحل محمد بوضياف، رحمه الله، عن التحضير لأول نوفمبر. الكتاب بمثابة شهادة تاريخية قوية من أحد الأبطال الأساسيين، الذين قاموا بالإعداد للثورة التحريرية وتفجيرها. حيث أن محمد بوضياف، عندما أسس حزبه المعارض غداة الاستقلال المسمى "الحزب الديمقراطي الاشتراكي prs"، والذي كان سبب الحكم عليه بالإعدام ثم النفي، تلقى إلحاحا شديدا من طرف مناضليه، الذي طالبوه بكتابة شهادته حول التحضير لأول نوفمبر، على اعتبار أنه المحرك الأساسي لمجموعة ال 22 ومجموعة الستة، وأنه كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا الشأن. وأورد عمي عيسى بأن شقيقه حقق رغبة مناضليه سنة 1974، بمناسبة مرور عشرين سنة على اندلاع الثورة التحريرية، وكان مقيما آنذاك بفرنسا، وقام بنشر شهادته التي كتبها باللغة الفرنسية في جريدة حزبه المحظور المسماة "الجريدة"، وذكر ذات المتحدث أن أحد أصدقائه المغتربين قال إن دار نشر فرنسية تسمى "ليتوال" قد نشرت نفس الشهادة في كتاب، غير أنه وعلى ما يبدو كان نشره محدودا، لذلك لم يسمع به أحد. يضيف عمي عيسى بأن شهادة شقيقه لم تنشر في الجزائر إلا في بداية التسعينيات في مجلتي "الوحدة" و "أول نوفمبر"، وقد تولت الأولى ترجمة النص إلى العربية، ونشرته في عدد من أعدادها، وكان بمثابة شهادة اليقين التي أماطت اللثام عن الكثير من الحقائق، التي سارت عكس ما ذهب إليه بعض الذين قدموا شهاداتهم في تلك الفترة، والأكيد أنها أصبحت منذ ذلك التاريخ مرجعا للباحثين، لكن المشكلة تكمن في عدم نشر النص، ليكون في متناول المواطن البسيط. وكشف شقيق سي الطيب الوطني، أنه بدأ يفكر بجدية في نشر هذه الشهادة باللغتين العربية والفرنسية، بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف مباشرة، "لكن ذلك لم يحدث، وأرجأت المشروع لأكثر من 15 سنة، أي إلى غاية السنة الماضية، بعد إنتاج فيلم مصطفى بن بولعيد، الذي أشرفت عليه وزارة المجاهدين وأخرجه أحمد راشدي.. وهو فيلم تضمن عديد المغالطات التاريخية حول شخصية محمد بوضياف، فالسيناريست والمخرج لم ينجحا على الإطلاق في تصويرها على حقيقتها، حيث جسدت بطريقة بشعة تسيء لتاريخ الجزائر، وتزرع الشك في نفوس الشباب الجزائري، الذين قرأوا عن شخصية بوضياف، عكس ما شاهدته في هذا الفيلم المشبوه". وأكد ضيف "الشروق" على أن "تنازل مصطفى بن بولعيد عن منصب القيادة لمحمد بوضياف، بعد أن صوت عليه جميع أعضاء مجموعة ال 22 كما صورها الفيلم غير صحيحة على الإطلاق، لأن هذا الموضوع لم يقله محمد بوضياف وبن بولعيد، ولا أي شخص آخر، وإنما كان من محض خيال السيناريست"، قبل أن يضيف: "المشهدان اللذان تضمنا مجموعة ال 22 ومجموعة ال 6 لا يمتان للحقيقة بصلة، حيث ظهر محمد بوضياف فيهما وهو يدخن بشراهة، ويحك يديه تحت الطاولة، بما يوحي أنه خائف ومضطرب أو مريض عصبيا، وهذا ليس حقيقيا، لأن سي محمد لم يكن عصبيا إلى هذه الدرجة، كما لم يكن مدخنا، لأنه كان مريضا بالسل، وأن الصورة الذي ظهر فيها وهو يدخن كان فيها مراهقا، وكان يحمل السيجارة ليأخذ بها صورة فقط، والمدقق فيها يجد أنه لا يمكسها بطريقة مدمن على التدخين". وعن كاتب السيناريو، الصادق بخوش، قال المجاهد، عيسى بوضياف، بأنه لا يعرفه شخصيا، و بأنه يحوز مقالة كتبها بخوش سنة 1992 في جريدة "المجاهد الأسبوعي"، مرفوقة بصورة بوضياف ملصقة فوق ورقة نقدية بقيمة 200 دج، بما يوحي أن محمد بوضياف كان لعبة في يد الجميع، ولا يعرف كيف يتصرف، أما أحمد راشدي فقال بأنه لا يعرفه شخصيا، ويعرفه فقط من خلال أفلامه الثورية. "وكل هذه المغالطات يقول عيسى بوضياف هي التي جعلتني أسعى لإصدار هذا الكتاب، ليكون أكبر رد على الذين يهدفون إلى تشويه التاريخ ولو عن غير قصد، وليكون مرجعا أساسيا لكل من يريد معرفة تفاصيل التحضير لأول نوفمبر، على لسان شخصية من قلب الحدث، قامت رفقة الرعيل الأول للثورة بهندسة أكبر ثورة في التاريخ المعاصر". نشر شهادته لأول مرة في 1974 التفاصيل الكاملة لتحضير الثورة حسب رواية محمد بوضياف كتب المجاهد، عيسى بوضياف، في مقدمة الكتاب أن ما كتب شقيقه محمد في جريدته، يعد بمثابة شهادة تاريخية قوية من أحد الأبطال الأساسيين، الذين قاموا بإعداد وتفجير الثورة التحريرية، وكتب مقولة للرئيس الراحل سي الطيب الوطني "إن مستقبل الجزائر بيد شبابها، الذي لم تدنسه بعض الممارسات السياسية المتعفنة" و"إن الأمل الكبير الذي يعيش في ضمائر الشعوب لا يمكن أن يموت في ضمير الشعب الجزائري". جاء في شهادة، محمد بوضياف، رحمه الله "إن عددا لابأس به من الأشخاص البعيدين عن هذه الأحداث، كتبوا وما زالوا يكتبون عنها، فيشوهونها قصد مصلحتهم أو لأنهم يجهلونها، فينسبون تارة لبعض الأفراد أدوارا لم يقوموا بها، أو يعطون تارة أخرى لبعض الوضعيات صبغة مثالية، ويهملون وضعيات أخرى، إنهم يكتبون التاريخ من جديد بعد فوات الأوان، النتيجة التي تجلت عن هذه المعالجات هي جهل الملايين من الشبان لمرض غير بعيد منهم، إنهم لم يعيشوا هذه الفترة، لكنهم يتطلعون بشغف لمعرفة أدنى تفاصيلها". يضيف أن حوادث 8 ماي 1945 كانت بالنسبة له ولأبناء جيله نقطة انطلاق الوعي والقطيعة مع النضال السياسي، والتوجه نحو طريق آخر للمقاومة، وهو استعمال السلاح، وأيضا قطيعة مع الأفكار القديمة، التي طالما تمسكت بها الأحزاب السياسية الجزائرية؛ لقد كان لهذا الهجوم الاستعماري مزية توضيح الأمور، وفي هذا الإطار قدم بوضياف تفاصيل ماحدث للتشكيلة السياسية بعد حوادث 8 ماي. بعد طول مناقشات عنيفة، تم تأسيس حزب سياسي جديد وهو "الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية" وكذا جناح مسلح وهو "المنظمة الخاصة OS" دخل معترك الانتخابات التشريعية سنة 1946 الفاشلة، لكنها عوضت بانتخابات محلية ناجحة في أكتوبر 1947، لكن السلطات الاستعمارية قامت بتزويرها وطاردت النواب المنتخبين بطريقة شرعية، وهو ما جعل الجميع يدرك أن البقاء في طريق الكفاح السياسي ليس خطأ فقط، بل خيانة متعمدة. وتحدث الراحل أيضا عن ظروف إنشاء المنظمة الخاصة قي ربيع 1948 ومختلف برامجها، والقوانين التي تحكمها وتسيرها، كما ذكر أن عدد المناضلين الذين التحقوا بها كان يتراوح بين 1000 و1500 وأضاف أنه مع نهاية 1949 حدثت أزمة بين قاعدة المنظمة السرية وبين مسؤوليها، وسرعان ما تفاقمت وأدت إلى اقتراح إعادة تشكيلها مع مفهوم جديد، لكنْ حدثت تجاوزات كثيرة سردها سي الطيب الوطني بالتفصيل في الكتاب. من جهة أخرى، كتب عن أزمة حزب الشعب وعن ظروف وإرهاصات تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس 1954، وكذا أهدافها ومراميها، ثم ذكر ملابسات اجتماع الاثنين والعشرين التاريخي، وأهم النقاط التي تمت إثارتها، بالإضافة إلى الكثير من التفاصيل المثيرة عن المرحلة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية المباركة في الفاتح من نوفمبر 1954، ويعتبر ما كتبه بوضياف أقرب إلى الحقيقة من أي مكتوب آخر، ومن ضمن ذلك اجتماع مجموعة الستة التاريخية، التي كانت تعاني من عدة مشاكل أهمها التمثيل السياسي للحركة الجديدة، والسلاح والأموال. بعد ذلك، تحدث الرئيس الراحل عن تفاصيل المشاورات والمناقشات التي كانت بين الرعيل الأول للثورة التحريرية، ومن بينها إقرار أولوية الداخل عن الخارج، كما تحدث عن مراحل بادية التحضير للعمل المسلح: إقامة جهاز عسكري وسياسي للإعداد والتوسيع، مرحلة عدم الاستقرار العام، تشكيل مناطق محررة... وعند إتمام كل هذه الترتيبات، ذكر بأنه لم يبق إلا تاريخ الإعلان عن اندلاع الثورة، حيث تم الاتفاق في البداية على تاريخ ال 15 أكتوبر، لكن حدث تسرب لهذه المعلومة، "مباشرة بعد ذلك أجلت لجنة الستة التاريخ إلى أول نوفمبر، دون أن تعلم أي أحد." هذه المرة بقي السر محفوظا، والعمليات المسلحة الأولى أعطت الانطلاقة للهزة التي مكنت الجزائر بعد حرب دامت أكثر من سبع سنوات من التخلص من من سيطرة دامت مائة وثلاثين سنة. قال المجاهد عيسى بوضياف * قال المجاهد عيسى بوضياف إن مشاطي تطاول على شقيقه، لأنه فشل في مهمته التي كلف بها على رأس المنظمة الخاصة بعمالة قسنطينة. * قال أيضا إن مصطفى بن بولعيد سافر مع زوجته إلى المغرب لزيارة محمد بوضياف، وعندما التقياه قال لها "هذا ليس صديقي بل هو أخي". * وقا : "أكبر كارثة ألمت بتاريخ الثورة التحريرية هي عدم كتابتها سنوات السبعينيات". * وقال: "بن بلة قال في برنامج "شاهد على العصر" إن بوضياف لم يكن مناضلا في الحركة الوطنية سنة 1946، وأنا أتساءل كيف أنه لم يكن مناضلا وأسندت إليه مهمة قيادة المنظمة الخاصة في عمالة قسنطينة كاملة؟". * وقال: "الصديقان المقربان جدا من محمد بوضياف، هما مصطفى بن بولعيد وسويداني بوجمعة، هذا الأخير الذي كان يسميه "بيكات" نسبة لاسم مسدسه". * وقال: "كنت مقربا من بن مهيدي، وكنا نجلس دائما في مقهى بشارع أول نوفمبر بساحة الشهداء، حُولت الآن إلي مركز بريد". * وقال: "في المغرب كان أصدقاء سي محمد المقربون هم المعلم سعيد وهو بناء، وأحمد زموري وهو صاحب وكالة عقارية، وخليل وهو أستاذ متوسطة". * نحن أربعة إخوة، وللأسف الشديد وبفعل ظروف صعبة لم نشهد وفاة والدينا. من الذاكرة * يروي المجاهد عيسى بوضياف فيقول: "في سنة 1949 تناولت وجبة غداء برفقة ديدوش مراد والعربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد وشقيقي محمد في شارع "ري دو شار" وسط العاصمة في مطعم تلمساني، وكان بن بولعيد الذي ينتمي لعائلة ثرية بولاية باتنة، يأتي إلى العاصمة بسيارته الخاصة ليلتقي برفقائه، وبعد تناولنا الغداء توجهنا إلى سينما "راكس" ببلكور، وشاهدنا فيلما مصريا عنوانه "برلتني" من بطولة المغنية نور الهدى، التي كانت تغني "يا أوتوموبيل ياجميل ما أحلاك، من ورا صاحبك وأنا ركاباك"، وكان العربي بن مهيدي بجانبي وكنا نتحدث، وأذكر أني عرفته جيدا في تلك الفترة". * وأضاف عمي عيسى: "في سنة 1951 جئت من المسيلة إلى العاصمة، والتقيت بشقيقي محمد في "رو دو شار" بوسط العاصمة، وهناك طلب مني بخجل شديد أن أمنحه بعض المال الذي كان بحوزتي، وظل ذلك الموقف راسخا في ذاكرتي لأنه يدل على نزاهة سي محمد، فهو إلى يومنا هذا لم يملك شبرا واحدا في الجزائر". * "في سنة 1959 كنت قادما من المسيلة إلى الجزائر العاصمة، وفي سور الغزلان أوقفتنا دورية الدرك الفرنسي، وعندما تفحصوا وثائقي وجدوا أن لقبي بوضياف، فظنوا أني محمد شقيقي الذي كان مطلوبا من السلطات الاستعمارية، وعندما حاولت الدفاع عن نفسي، ضربني الظابط بركلة في بطني، دخلت على إثرها مستشفى بارني بحسين داي، وتم انتزاع جزء من معدتي ومكثت فيه سنة كاملة".