استضافت إحدى القنوات الجزائريّة اللاهثة خلف الإثارة، مؤخّرا، بعض العلمانيين المتطرّفين وبعض المتضمّخين بالفكر الإلحادي، المتستّرين خلف "حرية الفكر" والدّعوة إلى إعادة النّظر في النّصوص الدّينيّة؛ ليخوضوا جولة من جولات معركتهم الآثمة ضدّ كلّ ما له علاقة بالدّين؛ معركة تتناغم في توقيتها ووسائلها مع المشروع الأمريكيّ الذي يحمل ذات العناوين ويجري فرضه على دول المسلمين التي صدرت لها الأوامر السامية لفتح الفضاء الإعلاميّ العامّ والخاصّ أمام أدعياء التّنوير لكسر كلّ الطّابوهات والتّشكيك في المسلّمات، وهي الأوامر التي وافقت أهواء كثير من مسؤولي القنوات الفضائية الذين أصبحت الشّهرة بالنّسبة إليهم غاية تبرّر كلّ الوسائل. استضافت القناة "المذكورة" ضيوفا من المتطوّعين للمهمّة "النّبيلة" المشار إليها، لينفثوا دغائل نفوسهم ويشبعوا نهمها من التطلّع إلى الأضواء، وهو ما حملهم على الذّهاب بعيدا في الجرأة على الدّين ومصادره ورموزه؛ فلم يقفوا عند حدّ انتقاد واقع المسلمين أو حتى محاكمة بعض الأفهام والتطبيقات الخاطئة لنصوص الدّين، حتى بلغ بهم الأمر إلى حدّ الدّعوة إلى وضع بعض الآيات القرآنيةّ والنصوص الدينيّة في المجمّد (congélateur) بعد أن انتهت صلاحيتها! وأطلق بعضهم العنان لحناجرهم بالسّخرية من بعض الأحكام المرتبطة بنصوصٍ يرون أنّها أصبحت من الماضي البائد! ولم يفتهم الاستهزاء –كعادة بني جلدتهم- ببعض الشّخصيات الإسلاميّة، لزيادة الإثارة، ولاستقطاب مزيد من الأضواء! لقد كان في الإمكان مناقشة هؤلاء المتجرّئين في دعاواهم وكشف جهلهم بأسباب نزول الآيات وأسباب ورود النّصوص الشّرعيّة، ومظانّ تطبيقها، لو كان هناك أساس مشترك يمكن التّحاكم إليه؛ فهم لا يرفعون رأسا للعلوم المرتبطة ب"الكتاب والسنّة"، ولا للإجماع، بل وتسوّل لهم أنفسهم الدّعوة ليس فقط إلى تصحيح فهم المسلمين للإسلام ولكن إلى إصلاح الإسلام نفسه!.. حتى الفطرة السوية والأصول العقلية المرضية، فهم كثيرا ما يتنكّرون لها، متذرّعين بشعارات الحرية الشخصية وحرية الفكر وضرورة التخلّي عن المقدّس، ويرون أنّ كلّ ما يختلج الإنسان في داخله هو "فكر" من حقّه أن يجهر به ويدافع عنه مهما كان مخالفا لمحكمات الشّرع ولما تقرّه العقول السوية، ولا يؤمنون بوجود شيء اسمه "الهوى" ينبعث من دغائل النّفس البشرية المتلطّخة بالنّوازع الأرضية والمتشبّثة ب"الأنا" وبكلّ ما هو عاجل وميسور والمتطلّعة إلى التمرّد على كلّ قيد لا تدرك قيمته وأهميته، ولا يسلّمون بأنّ هذا "الهوى" يمكن أن يطغى على العقل ويؤثّر فيه بل ويتحكّم في نِتاجه، فيصبح الإنسان يتكلّم بنزغات نفسه وأهوائها وشهواتها وهو يظنّ أنّه يتكلّم بعقله! أحد هؤلاء المجترئين يشنّع على العلماء والدّعاة "المتخلّفين" إصرارَهم على التمسّك بتحريم الزّنا في هذا الزّمان الذي أصبح فيه منع الحمل متيسّرا وترقيع "الغشاء" عملية بسيطة! وكأنّ تحريم الزّنا هو فقط لمنع اختلاط الأنساب وللحفاظ على الغشاء!..ربّما يكون من حقّهم علينا ألاّ نلومهم على مثل هذا الانحطاط الذي يسمّونه "فكرا"، لأنّهم لا يرفعون رأسا للعفّة والإباء والطّهارة والنّقاء! ربّما لا نكون في حاجة إلى أن نوجّه نداءً إلى قنوات الإثارة التي اختارت أن يكون لها نصيب من مغانم المشروع الإصلاحيّ الأمريكيّ! ولكنّنا نوجّه رسالة إلى هؤلاء المتجرّئين بأن يكشفوا أوراقهم كلّها ويجهروا بمعتقدهم في "الخالق" وفي "الرّسالة"، وهو معتقد يغلب على الظنّ أنّه "إلحاديّ" تشي به عباراتهم وكلماتهم؛ نتمنّى لهم أن يعلنوه بألسنتهم، حتى يمكننا البدء معهم من حيث يجب أن نبدأ، أمّا أن نناقشهم في صلاحية آية من القرآن من عدمها وهم –على ما نظنّ- لا يؤمنون –أصلا- بأنّ هذا القرآن نزل من عند العليم الخبير سبحانه، فلا أرى أنّنا يمكن أن نصل إلى نتيجة، لأنّهم سيظلّون ينتقلون من آية إلى أخرى ومن نصّ إلى آخر، على اعتبار أنّ القاعدة عندهم هي أنّ كلّ نصّ لا يمكن تطبيقه فمكانه "المجمّد"، بغضّ النّظر عن سبب عدم إمكان تطبيقه؛ هل هو متعلّق بكون النصّ يعالج واقعا لم يعد موجودا ولا يمكن أن يوجد، أم أنّه متعلّق بكون الواقع المستجدّ قد انحرف؟