منشطة الأجيال الشهيرة ماما نجوى / تصوير: علاء بويموت من منا لا يعرف المنشطة الشهيرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي باسم "ماما نجوى"!، من لا يتذكر حصصها "الحديقة الساحرة وجنة الاطفال" والأنشودة الجميلة "ما أجمل الجو هنا" والمهرجين "نعناعة وبلوطة"!.. من لا يتذكر تلك المنشطة القديرة التي تعلق بها الكبار قبل الصغار يوم كان التنشيط وبرامج الأطفال مبنية على أسس تربوية وبيداغوجية!. لقاؤنا بها يحمل بعض تفاصيل الصدفة والقدر وكثيرا من الإصرار حتى أقنعناها بأن تفتح معنا بعض دفاتر الماضي الجميل وتتقاسم مع قراء "الشروق" جزءا من تلك الذاكرة، وإن كانت "ماما نجوى" لم تتوقف يوما عن تقديم الأنشطة الثقافية في المدارس ودور الشباب والعجزة والمستشفيات. يبدو من الصعب جدا الإحاطة بتاريخ هذه المرأة التي صارت جزءا من الذاكرة الثقافية للجزائر؛ لأنها متعددة المواهب والتخصصات والمهام التي لعبتها منذ الاستقلال وحتى ما قبل استقلال الجزائر. في مدارس جمعية العلماء.. بداية النضج المبكر مسيرة "ماما نجوى" مع التنشيط بدأت مبكرا من مدرسة "مستقبل الشباب" بحسين داي التي دخلتها وعمرها 4 سنوات في عام .1948 وكانت آنذاك من المدارس الحرة التابعة لجمعية العلماء المسلمين، أهداها رجل من قدماء الثوار يدعى بن صيام، في هذه المدرسة اكتشفت "ماما نجوى" ميلها المبكر للتنشيط فمارسته في المدرسة إبان الحفلات المدرسية والمناسبات الخاصة مثل شهر رمضان وهي الموهبة التي وجدت الرعاية من طرف المدرسين سواء في المدارس الحرة أو المدرسة الفرنسية حيث تلقت "ماما نجوى" تعليمها أيضا في المدارس الفرنسية، كما اضطرت أيضا أن تواصل التعليم بالعربية في بيوت القصبة وحسين داي والحراش لدى الأساتذة الذين نجوا من الاعتقالات التي طالت معلمي وأساتذة المدارس الحرة التي أغلقها الاستعمار في تلك الأيام التي كانت فيها الثورة في أوجها وزرعت في الطفلة يومها بذرة الثورية التي جعلتها تمارس فيما بعد "التنشيط الثوري". بعد الاستقلال درست بثانوية الحراش التي كانت تسمى يومها "لاميزون كاري- وريدة مداد" حاليا وتحصلت بالضبط على أول منصب لها كمدرسة في 28 جوان 1961 وهذا بعد مشوار حافل بالإنجازات الدراسية حيث نالت المنشطة شهادة في الأدب من جامعة الجزائر وأكملت دراستها بالعربية بمدرسة الثعالبية التي تخرجت منها معلمة، لكن هذا لم يكن عائقا في وجه من كانت تهوى القضاء لتنال شهادة في الحقوق بعد 3 سنوات من الدراسة بكلية الحقوق التي دخلتها بعد الاستقلال "كنت مولعة بالقضاء وأشد ما كان يعجبني هو تحرير محاضر جلسات الصلح، كان وكلاء الجمهورية يستدعونني لأدوّن لهم المحاضر لأنني كنت أتمتع بلغة أدبية راقية ودقيقة في وصف وقائع الجلسات، اضاقة إلى أن الدراسة في الحقوق أتاحت لي الفرصة لأن أتحكم في قاموس المصطلحات القانونية التي كنت استعملها، وهذا طوعا لأنني يوم دخلت الحقوق كنت مأخودة بالدفاع عن حقوق الأطفال والأسرة".كما مارست أيضا "ماما نجوى" الفن التشكيلي بعد مرورها من مدرسة الفنون الجميلة لمدة سنة كاملة كانوا ينادونها في الكلية ب "الوزيرة القادمة".. "كانوا يلقبونني بهذا الاسم لأنهم كان يرون في تحصيلي العلمي المنقطع النظير من أجل أن أكون قائدة في البلد بعد الاستقلال، خاصة في الفترة 1960 و1961 عندما اتضح جيدا ميل فرنسا للرحيل عن الجزائر". 1976 مغامرة الإذاعة التي قادتها إلى التلفزيون يوم اكتشفها الراحل بن هدوڤة بعد الاستقلال، عملت نجوى في مجال التعليم والتدريس إلى أن جاء يوم انضماهما للإذاعة في نهاية الستينيات يوم اكتشفها الكاتب الكبير الراحل عبد الحميد بن هدوڤة وشجعها على الانضمام إلى الإذاعة وكانت حينها مدرسة بإكمالية حسن داي، وهكذا بدأت "ماما نجوى" أول مغامرة لها بالإذاعة بتنشيط حصة خاصة بالأطفال دون أن تترك مهنتها كمعلمة إذ كانت تزاول التنشيط الإذاعي أيام الأحد والخميس في العطل الأسبوعية، مما دفع كثيرا من الأطفال إلى مناداتها ب "السيدة خميس". في الإذاعة أسست "ماما نجوى" فرقة أناشيد وقادتها إلى التأليف والتلحين لتكون جل الأناشيد التي كان الأطفال يقدمونها في هذه الحصص سواء في الإذاعة أو التلفزيون من تأليفها وتلحينها، انتقلت المنشطة بعد مشوار ناجح في الإذاعة إلى التلفزيون لتكتشف الشاشة الكبيرة أو لتكتشفها بالضبط في عام 1974 بعد تربص في ألمانيا كان فيه كما تقول الفضل الكبير للأستاذ بشيشي الذي شجعها ودعمها كثيرا. وبعد عودتها من ألمانيا طلب منها أن تقدم تقريرا مفصلا ومرفقا بتصميم حصة نموذجية كانت سببا فيما بعد في دخولها إلى عالم الأضواء، لتضيف بذلك تجربة جديدة إلى تجربتها الأولى، وكانت أول حصة نشطتها مباشرة بعد التحاقها بالتلفزيون من "الإذاعة إلى الشاشة". قبل أن تنتقل إلى "جنة الأطفال" عن هذه الفترة تقول "كنت تلميذة أتابع حصة جنة الأطفال التي كان يعدها رضا فلكي وزهير عبد اللطيف، وكنت من مراسيلها الدائمين.. وهكذا بعد انضمامي إلى التلفزيون قدم لي رضا فلكي مشعل الحصة، وتحول هو وزهير عبد اللطيف إلى مخرجين لها، وكانا إلى جانب بوثلجة من ابرز الذين شجعوني وآزروني في مشواري عندما بدأت في تنشيط "جنة الأطفال" عام 1976 قبل أن أنشط أيضا "بين الغابات الجميلة" التي شاركتني في تنشيطها المذيعة القديرة زينة ونادي الأطفال". كانت آخر حصة نشطتها "ماما نجوى" في التسعينيات قبل أن تنسحب إلى الظل هي "عالم الأطفال" التي قدمت منها بضع حلقات ثم توقفت. "ماما نجوى" نشطت خلال مسيرتها أزيد من 7 حصص للأطفال بالإضافة إلى الحصص الخاصة مثل تلك الموجهة للمعاقين وتلك الخاصة بالمناسبات الخاصة والأعياد الوطنية وشهر رمضان مثل حصة "التجمل وطاجين العائلة" التي كانت تنتجها السيدة مونية والعطل الخاصة وغيرها، والحصص المشتركة التي رافقت فيها عدة أساتذة ومنشطين بحيث شاركت مثلا الأستاذ جرمون في تنشيط برنامجه الشهير "التربية عبر العصور"، وكذا مشاركتها في تنشيط برنامجي "آفاق الشباب" و"صفحات الأثير" كما عملت كمذيعة لمدة 6 أشهر أين رافقت كلا من جمال خويدمي وصلاح لخضر ونوال بوساحة حيث تقول انه كان أول لقاء بينهما في استوديو الإذاعة. كما كانت أول من نشط برامج المخيمات الصيفية في السبعينيات وبرامج "ألعاب ومنوعات". زاوية الهامل، إذاعة "بي. بي. سي" وجبال الثورة تؤكد المنشطة القديرة "ماما نجوى" في حديث عن تجربتها ل "الشروق" في جلسة فتحت فيها دفاتر الماضي، أن مزاوجتها بين التعليم الفرنسي والعربي مكنها من اكتساب حصانة لغوية وفكرية استغلتها في مختلف مراحلها المهنية التي كرستها كمنشطة رقم واحد في برامج الأطفال، وظلت تجربة مميزة جدا من الصعب أن تتكرر اليوم. هذا المسار الذي دعمه تعلق السيدة نجوى بالتعليم الأصيل حيث تتلمذت على يد كبار الأساتذة بزاوية الهامل حيث درست العربية على يد الأستاذ مصطفى قاسيمي، والجغرافيا على يد الأستاذ بابا أعمر الذي درسها علم النفس أيضا، والأستاذ ولد العويسي درسها التشريع الإسلامي، كما كانت أيضا السيدة نجوى في سنوات 59 و61 عضوا نشيطا في نقل رسائل المجاهدين عبر عدة مناطق من العاصمة، حيث استغلت هيئتها الأوروبية ودراستها الجامعية وسهولة اختلاطها بالأوروبيين في العاصمة لنقل الأخبار والرسائل بين المجاهدين، وهي أيضا السنوات التي اشتغلت فيها كمراسلة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي" بالقسم العربي، حيث ساهمت في التعريف بعدة مناطق ومدن جزائرية وفازت بعدة جوائز مالية، كانت الإذاعة ترصدها يومها لأبرز التحقيقات التي تأتي من الدول الصاعدة في طريق التحرر، وبعد الاستقلال قادها مساره المميز في التدريس إلى شغل منصب مساعدة للمديرات في المدارس الابتدائية، أين كانت تشرف على التنشيط ومختلف البرامج الثقافية التي كانت تعد على مستوى هذه المدارس. مستعدة أن أعود للتلفزيون شرط أن أجد الحرية في مقارنتها بين أطفال الأمس واليوم تقول المنشطة نجوى إن طفل الأمس كان محظوظا جدا لأنه كان يجد من يهتم بمواهبه ويدعمها "طفل الأمس لم يكن يترك ليكون متشردا في الشوارع، كان يجد كل ما يلزم لينمي مواهبه، كان يجد الأماكن المخصصة للراحة والترفيه وممارسة هذه الهوايات، أما طفل اليوم فهو مسكين" يعاني من عاهة الإهمال وإعاقة التجارب الفاشلة لا شيء يوحي اليوم بأننا نهتم بأطفالنا الذين يتركون تحت رحمة التكنولوجيا. "ماما نجوى" التي تستعد لإطلاق أول سلسلة كتبها المتعلقة بالأطفال والتي تضم زهاء 30 مؤلفا عن عالم البراءة استنادا إلى تجربتها الثرية، تدق ناقوس الخطر وتؤكد انه "حان الوقت اليوم لبعث المجلس الأعلى للطفولة يكون المؤسسة المخولة بتسطير السياسات الخاصة بحماية الأطفال والاهتمام بهم تربويا لأنهم ثروة الأمة التي يقوم عليها مستقبل أي بلد، بشرط أن يكون هذا المجلس اكبر من مجرد هيئة إدارية ميتة لكن مؤسسة حقيقة يشرف عليها المختصون والأساتذة والمكونون الذين يسهرون على إعداد السياسات والبرامج التربوية والبيداغوجية وحتى الإعلامية". وتضيف متحدثة عن التنشيط الذي صار اليوم "مهنة من لا مهنة له" يجب أن يكون المنشط بصيغة أو بأخرى دارسا لنفسية الطفل ومحيطا بحاجاته الأساسية وملما بقدر من الثقافة التي تسمح له بالتعامل مع عالم البراءة الذي يتطلب مرونة وحساسية خاصة لاستيعاب الأطفال لأنهم عجينة نشكلها كما نريد، وهنا تكمن الخطورة تضيف المتحدثة، لهذا يجب أن تكون البرامج المعدة والمقدمة للأطفال خاضعة للدراسة في مختلف جوانبها، سواء كانت نصوصا أو رسومات أو أغاني. وعن تجربتها، تؤكد "ماما نجوى" أنها مستعدة أن تعود للعمل في الإذاعة والتلفزيون وتقدم هذه التجربة للشباب على شرط أن توفر لها مساحة من الحرية في اختيار المواضيع وتوجيهها "هذا لأنني لا أريد أن يكون الأطفال حقول تجارب، ولا أريد أن أكون مسؤولة عن تحطيم عالم بريء". أسرت لنا "ماما نجوى" ونحن نغادرها، أنها تدرس جديا إعادة بعث البرنامج الشهير "الحديقة الساحرة" إذا ما وافق الأستاذ لمين بشيشي على المقترح، لأن أطفالنا اليوم بحاجة إلى برنامج جزائري شكلا ومضمونا يساهم في تكوين وحماية شخصيتهم الجزائرية من الهزات والغزو القادم من كل الاتجاهات. كما كشفت أنها بصدد تقديم مقترح برنامج إذاعي "من وحي الأمومة" سبق أن قدمته للإذاعة في 1989، ولكن التغييرات التي هبت يومها على المؤسسة أجلت النظر في الموضوع إلى وقت لاحق رغم انه قبل من طرف الإدارة. "ماما نجوى" التي قبلت أن تفتح معنا بعض دفاتر الماضي لم تنس أن ترفع تحية لكل من ساندها ودعمها في مسارها وتذكرها عندما ابتعدت عن الأضواء، منهم السعيد عولمي وعايدة كشود وجلال وغيرهم كثيرون ربما لا تسع الذاكرة والورق استيعابهم كلهم .