صورة الشروق سلاسل وأقفاص حديدية من أجل التحكم في غضب الأبناء الأربعة فصول من المعاناة تلك التي تكابدها في صمت أم مكلومة طرقت كل الأبواب، لكن أي منها لم يمكنها من إنقاذ أبنائها الأربعة المصابين بأمراض عقلية، حالة ثلاثة منهم جد معقدة. * لشروق اليومي دخلت بيت عائلة »عادل" ببلدية السواني الحدودية، بولاية تلمسان، وفي مسلك غير معبد وصلنا إلى حي أولاد أحمد أين وجدنا الأشقاء الأربعة كل في ركن ولكل منهم معاناته الخاصة، وأم تبلغ من العمر 50 سنة أعيتها العمليات الجراحية المتكررة وأوصاها الأطباء بتجنب الأشغال الشاقة ومنعت منعا باتا من حمل كل ما هو ثقيل مما جعل الدموع حبيسة مقلتيها، وهي ترى معاناة أبنائها دون أن تستطيع التدخل، بمدخل البيت العائلي البسيط وجدنا رضوان جالسا لوحده في ركن لا يعلم بما يجري حوله... كان هادئا بعد أن تناول دواءه، رضوان يبلغ من العمر 28 سنة لا يستطيع الأكل لأنه لا يعرف المضغ، مما جعل وجباته تقتصر على الحليب أو الحساء، ونحن نتجول في أرجاء البيت كانت الفتاة جمعة التي تبلغ من العمر 26 سنة ترافقنا وهي تأكل المبسس (كسرة الدقيق)، ومن حين لآخر تفاجأنا بضحكات أو صيحات مرعبة، يقول شقيقها زهير الوحيد الذي يعيل العائلة أنها »لا تعرف الحدود حيث لا تتوقف على الأكل وحتى الخضار النيئة تأكلها من دون تردد"، وفي غرفة معزولة، وجدنا عبد القادر 22سنة وقد فك رباطه بعد أن هدأ عقب تناوله الدواء، وعلمنا أن عائلته تضطر إلى ربطه نظرا لطابعه العدواني حيث يلجأ في أغلب الأحيان لضرب رأسه مع الحائط وتكسير الأبواب وكل ما يجده أمامه. * محمد، رضوان وجمعة القاسم المشترك بينهم أنهم لا يعرفون الكلام وكل ما يفعلونه هو الصراخ المتواصل كما أن الكارثة الكبرى التي جعلت مستشفيات ومصحات الأمراض العقلية بسيدي بلعباس وسيدي الشحمي ومسرغين بوهران وتلمسان ترفض إستقبالهم لأنهم لا يعرفون شيئا إسمه المرحاض ويقضون حاجاتهم البيولوجية على ملابسهم، حيث أن الأطباء في كل مرة يؤكدون للعائلة أن الممرضات يعجزن عن تغيير الحفاظات لهم، وحتى القرار الولائي المؤرخ بتاريخ 18 مارس 2010 والموقع من والي ولاية تلمسان والذي يقضي بوضع عادل عبد القادر بمركز الأمراض العقلية بسيدي بلعباس لم يصمد سوى 13 يوما، حيث تؤكد الوالدة أن ابنها "عاد على متن سيارة الإسعاف بحجة عجز هذا المركز عن التكفل به"، معتبرين أن قرار الوالي غير ملزم بالنسبة إليهم. * الوالدة بوبكر الضاوية وبعيون دامعة أكدت أنها ومنذ وفاة زوجها الذي كان يشتغل بناء في 1990 وهي في دوامة لا متناهية من المعاناة من أجل حماية أبنائها، لكن المرض والعمليات الجراحية المتكررة جعلتها عاجزة عن تحمل المزيد، خاصة بعد إصابة عمودها الفقري وأن صرخات أبنائها أضحت تخترق عقلها، مما تسبب لها في ارتفاع متواصل للضغط الدموي. وضعية مأساوية أخرى وقفنا عليها عند الرضيعة بشرى 14 شهرا، ابنة زهير هذه الصغيرة التي استقبلتنا بضحكات بريئة لم تعد تحتمل صراخ عمتها جمعة وعميها الآخرين، حيث تدخل في نوبة بكاء حادة عندما تسوء أحوالهم كما أن نفسيتها أضحت مهتزة خالتي الضاوية وجدناها وقد عادت لتوها من عند الطبيب الذي وجهها هي الأخرى نحو مختص في الأمراض العقلية، بعد أن تكررت معها حالات هستيريا غريبة، حيث كثيرا ما تدخل في موجة ضحك بدون توقف تختمها ببكاء متواصل على حال أبنائها. »زهير" المعيل الوحيد للأسرة متزوج وأب لبنت صغيرة عامل يومي يقول بأنه يكافح من أجل ضمان الحد الأدنى للمعيشة، لكنه خائف مما يخفيه المستقبل.. من جهتها، أكدت الوالدة أن من سمّتهم »حباب ربي.. يكثر خيرهم" ساعدوها، ومنذ وفاة زوجها الذي لم يترك لها أي منحة وذكرت فيمن ذكرت الدكتورة »دحدوح" المختصة في الأمراض العقلية بمستشفى تلمسان الجامعي مؤكدة أنها تفهمت معاناتها وحاولت قدر المستطاع مساعدتها كما أن نداءها عبر إذاعة تلمسان حرك مشاعر رجل أعمال من بلدية مغنية المجاورة الذي إشترى لها آلة غسيل ودفع مقدم 6 أشهر لسيدة حتى تقوم بمساعدتها في رعاية أبنائها، كما أن مديرية التضامن الإجتماعي بالولاية ومركز الأطفال المتخلفين ذهنيا بالسواني ساعدوها بكميات من الحفاظات لكنها غير كافية، حيث يستعمل أبناءها الثلاثة من 6 إلى 8 حفاظات يوميا، وعندما سألناها عن دعم السلطات المحلية قالت السيدة ضاوية أن المجلس البلدي السابق دعم العائلة ب 12 مليون سنتيم لتشييد بعض الغرف للأشقاء الثلاثة الذين كانوا محبوسين في »قفص" حديدي بينما تقتصر المساعدات على قفة رمضان التي لا تسمن ولا تغني من جوع. * واليوم تنتظر عائلة عادل من السلطات المحلية أن تساعدها لإضافة غرفة أو إثنين في الطابق العلوي حتى يتجنبوا صراخهم المتواصل قليلا بينما وجهت السيدة »الضاوية" نداءها إلى الوالي للتدخل وتخصيص منحة خاصة تعينها على التكفل بأبنائها بدل انتظار الصدقات، كما تساءلت العائلة عن إمكانية التكفل بأبنائها في أحد المستشفيات المختصة، حيث ودعتنا الأم بعيون دامعة مؤكدة أنها ضحت من أجل أبنائها ومستعدة لمزيد من التضحيات، لكنها تخاف من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم أما زهير الذي يتكفل بالأسرة فلازال يعاني من البطالة بسبب أن عامل يومي لدى الخواص وبشكل غير دائم، وتحدث عن المعاناة التي يجدها في توفير الدواء لأشقائه، حيث كثيرا ما يعود من مستشفى تلمسان خاوي الوفاض، مؤكدا أن هذا الدواء غير متوفر عند الخواص، وهو ما يزيد من حجم المعاناة، ويبقى الغريب في الأمر هو أن قصة الإخوة الثلاثة مسرحها بلدية السواني البلدية التي تشتهر بكثرة الأغنياء..؟!!